“بالنص”: هجرة نساء سوريا ولبنان.. إلى القمر
من العرض المسرحي

علاء رشيدي/ almodon- “بدي هاجر ع القمر”، من هذه المقولة الشعبية المعروفة التي تعبّر عن الرفض والرغبة في التغيير، تنطلق فكرة العرض المسرحي “بالنص”، الذي عُرِض في مسرح دوّار الشمس، وهو نتاج التعاون بين جمعية “سيناريو” ومنظمة “النساء الآن من أجل التنمية”، لتدريب مجموعة من النساء السوريّات واللبنانيّات اللواتي يَعِشن في منطقة البقاع اللبنانية على تقنيات الأداء المسرحي.

في الحكاية، تقرّر 17 امرأة سوريّة ولبنانيّة السفر إلى القمر، للخلاص من شروط العيش الأرضية. لكلٍّ منهنّ أسبابها الخاصة التي تدفعها إلى الهجرة، لكلٍّ منهنّ شروط عيشها التي تدفعها للتطلّع إلى القمر، كلٌّ منهنّ تحمل معها غرضاً من الأرض، لكنّ عُطلاً في الطائرة يؤدي بهنّ إلى الهبوط على كوكبٍ مجهول وقاحل، فيُصبحن عالقاتٍ في الفضاء، ويواجهن سؤالاً أساسياً: هل يحاولن العودة إلى الأرض؟ أم البقاء في شرط العيش الجديد؟

ينفتح ستار المسرحية على مجموعة من النساء، بينما تتدلّى من السقف كمّامات الأوكسجين؛ كتلك الموجودة في الطائرة.

يصعد الصوت: “الرجاء وضع أحزمة الأمان، سوف تُقلع الطائرة إلى القمر”.

تسود العرض أجواءٌ من المرح، أجواء قريبة إلى الهزل المسرحي تعزّزها الموسيقى المرافقة للمشهد. تتضح رغبة العرض في الجمع بين أجواء الكوميديا والتراجيديا، ويتم ذلك عبر مقولات المؤدّيات، والحركات المسرحية، والموسيقى المرافقة للعرض.

إن الفرضية الفانتازية التي تنطلق منها حبكة العرض، أي الانتقال للعيش في القمر، تهدف إلى تعرية الواقع المعيشي للإنسانية على الأرض. تبرّر الشخصيات الهروب إلى القمر حيث لا جنسيات سورية لبنانية أو فلسطينية، حيث حضور الإنسان يعبّر عنه وليس بحاجة إلى الأوراق الإدارية كالإقامة وقيد النفوس؛ وهي أوراقٌ تعاني اللاجئات للحصول عليها، العيش في القمر للخلاص من التنقّل عبر شكبات التهريب، حيث لا مقابل مادي لقاء المكان، كما هو الحال في اللجوء، والإيجارات والأتاوات.

حكايات أخرى تتوالد في المسرحية، كاميرا لتصوير القمر، نظّارات للرؤية تساعد على تجاوز حال الضياع، باسبور انترناشيونال في حال وجود الحواجز العسكرية على القمر. شخصية تحمل أحلامها في كيس، وأخرى تحمل في قلبها ما تبقى في الأرض من حبّ، لتُمارسه في القمر، ثم نتابع الرحلة.

تحاول رؤية المخرجة، سارة عطا الله، تجنّب اقتصار العرض على تلفّظ المشارِكة ببعض الجمل، لتدفعهن إلى أداءات حركية وجسدية، فتلجأ إلى تصاميم حركية بسيطة تؤديها الممثلات، وكذلك تصمم تشكيلات جماعية ثابتة، وكأنها لوحات تقابل الجمهور مباشرةً وتشرح حالات من المشاعر الإنسانية مثل المرح، الخوف، الإنتظار، القلق.

هناك حكاية إحدى الشخصيات التي تُعاود بين المرة والأخرى البحث عما فقدته، تُساعدها المجموعة في البحث. وعبر الحديث بينهنّ ندرك أنها تمثّل الأم التي فقدت ابنها في البحر أو في طرق الهجرة غير الشرعية. هذه الحكاية-الحالة، عرفها الفن السوري بكثافة في الفترة الأخيرة. أعمال فنية تروي حكايات فقدان الأبناء في البحر أو في أدغال الحدود غير الشرعية. في معرض “الحاجة إلى الأرشيف” الذي اقترح أعمالاً فنية لرواية الحكاية السورية، رسم الفنان بهجت العبدالله، بالأبيض والأسود، بورتريهات أطفال ماتوا غرقاً في هجرة رحلة البحر.

وما يميّز موضوعات العرض عن مسرحيات اللاجئات السوريّات السابقة، هو اشتراك نساءٍ من لبنان. يبرهن العرض على مشكلات مشتركة تواجههنّ؛ ويتطرّق النص إلى الوضع الإقتصادي الحالي الذي يُعانيه لبنان، ويظهر تحوّل بعض اللبنانيين إلى حالة اللاجئين. ترفض المؤدّية اللبنانية هوية اللاجئة أولاً، ثم تُدرك التقارب بين مصيرها ومصير من كانت تنظر إليهم كلاجئين. كذلك تتقارب المرأة اللبنانية والسورية من حيث هيمنة الثقافة الذكورية، حيث تتطرّق المسرحية إلى المنع من الحب، والمنع من الغناء المفروض على المرأة.

جاء في البيان الخاص بالعرض: “في لبنان اليوم، وسط الأزمات المتعدّدة التي نواجهها، تبدو الحكاية الخيالية التي خلقتها هؤلاء النساء، حول مغادرة المنزل، أو العودة، أكثر إلحاحاً مما كانت عليه في وقتٍ سابق من هذا العام. اليوم، تواجه النساء اللواتي يعشن في لبنان، لاجئات ولبنانيات، معضلة: البقاء أم محاولة المغادرة؟”.

تجري النقاشات بين الشخصيات عن خيار العودة أو البقاء. هناك العاشقة التي مازالت ترى في القمر مكانها الأمثل، وهناك الأم التي أضاعت طفلها أثناء الرحلة، وهناك من تخشى العودة إلى الأرض لأنها تعني العودة إلى بيئة التلوّث والموت.

وهكذا، فإن الحبكة البسيطة للحكاية تنتهي من دون قرارٍ نهائي، ويُفرَض مصير البقاء “بالنص”، ومن هنا عنوان المسرحية. لأن موضوعات العرض هي العلاقة بالمكان، حال الإنتظار والقلق، فقدان الشعور بالإستقرار.

ينتهي العرض بأغنية جماعية تؤدّيها المشاركات، تروي الحيرة بين البقاء والرحيل، العجز عن السيطرة على المصير: “كتار بيفلّوا، كتار بيبقوا، كتار ما بياخدو قرار، معلّقين بين التأكيد والتردّد، معلّقين المصير بالنص لا بقاء ولا رحيل، لا فرج ولا تغيير”. بإستمرار هي تنويعات التعبير عن قلق المصير، قلق العلاقة مع مكان اللجوء، وأحلام التغيير التي لا تتحقق.

المسرح المجتمعي

يبيّن القائمون على المشروع بأن المجموعة بدأت التدريب في آذار 2020، وخلال فترة أزمة كوفيد-19 جرت التمرينات عبر الإنترنت من خلال تطبيق “زووم”. أما التحدّيات الأخرى التي واجهنها خلال تحقيق العرض المسرحي، فهي العلاقة التي تربطهنّ بعضهنّ ببعض، وعلاقة كلٍّ منهنّ مع ذاتها، على حدّ تعبيرهن. هناك تحدّيات القلق من المسرح، الخوف من مواجهة الجمهور، الخجل. ولكن الأساس يبقى في العلاقة التي تجمعهن. وفي هذا الإطار، كان لافتاً الحديث الجاري عن وحدة حال النساء السوريّات اللاجئات والنساء اللبنانيّات المُشارِكات، وقد تحدّثن في هذا الموضوع بوضوح.

تبيّن المخرجة والمُشارِكات في العرض، أنّ التوصل إلى النص تمّ عبر اقتراح الأفكار من قبل مجموعة النساء للوصول إلى الحكاية الأخيرة. وتشرح المخرجة، سارة عطا الله، بأنها انتقت ونسّقت بين المقترحات المقدّمة من قِبَل النساء المُشارِكات، للوصول إلى صيغة نهائية للمسرحية. والأهم هي الموضوعات التي راحت تستجدّ أثناء تحقيق المسرحية، كالوضع الإقتصادي في لبنان، والصعوبات المستمرة لأوضاع اللاجئات، وإغلاق السفارات والحدود الذي يزداد صعوبةً عليهنّ، وتداعيات وباء كوفيد-19، موضوعات دخلت إلى العرض المسرحي بحكم حضورها في المجتمع.

في العام 2018، قدّمت مجموعة “سيناريو” تجسيداً مسرحياً لرواية “التحوّل” (لـ فرانز كافكا)، عبر عرضٍ مسرحي مع مجموعة من الشبّان والشابّات بين 15 و20 سنة من لبنان وسوريا وفلسطين. أُثيرت حينها المشكلات السياسية، الإجتماعية، والثقافية التي تواجهها هذه الشريحة العمرية والثقافية، في شرط حياتها، فتناولت موضوعات: هوية اللاجئ، شرط العيش في المخيّم، السلطة الذكورية، وسلطة العادات والتقاليد على حياة الشباب. ومع عرض “بالنص”، تنتقل المجموعة للعمل على فئة النساء، حيث تُضاف شروط الحرب واللجوء إلى مشكلات هيمنة الثقافة البطريركية والتمييز الجنسي في الكثير من الحقوق الأساسية.

الممثّلات: أزهار موسى، بشرى بريدي، فاطمة الخطيب، غيداء دوماني، حسنا رحمة، جمانة رحمون، ليلى غندور، مرام الخطيب، ميادة ظاظا، راميا الصوص، ريم اللحام، رهام حمود، رولا الخطيب، سميرة الحجلي، صبا علوش، ياسمين المجذوب، زهراء محي الدين.

من العرض المسرحي

من العرض المسرحي

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015