تزويج الأطفال .. زواج القاصرات .. الزواج المبكر

إحتلت حقوق الطفل حيزاً هاما في مسيرة الإتفاقيات والمواثيق الدولية حيث ظهرت فكرة إحداث منظمة عالمية لحماية الطفولة عام 1913 ، من ثم تم إستحداث لجنة لحماية الطفولة عام 1919. وفيما بعد إعتمدت عصبة الأمم إعلان جنيف لحقوق الطفل عام 1924 ، ليصار إلى تأسيس اليونيسف عام 1946 وذلك قبل إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 ليتم إعلان حقوق الطفل عام 1959 والسنة العالمية لحقوق الطفل عام 1976 ليتمثل الإنجاز الأهم بصدور إتفاقية حقوق الطفل عام 1989 وبصدور القرار رقم 52\106 الخاص بالطفلة عام 1997.

تعرّف منظمة اليونيسف “زواج الأطفال” بأنه زواج رسمي أو اقتران غير رسمي قبل بلوغ سن 18 عاماً، وهو حقيقة واقعة بالنسبة للفتيان والفتيات، على الرغم من أن الفتيات أكثر تضرراً بشكل غير متناسب.

وقد تم تزويج نحو ثلث النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 سنة في العالم النامي في مرحلة الطفولة. ويعد زواج الأطفال أكثر شيوعاً في جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولكن هناك اختلافات كبيرة في انتشاره بين البلدان المختلفة في نفس الإقليم. وفي حين أن البيانات الواردة من 47 بلداً توضح، عموماً، أن متوسط العمر عند الزواج الأول آخذ في الازدياد تدريجياً، فإن هذا التحسن قد اقتصر في المقام الأول على الفتيات من الأسر ذات الدخل الأعلي. وبشكل عام، لا تزال وتيرة التغير بطيئة. وفي حين تزوجت 48 في المائة من النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 45 و49 سنة قبل بلوغ سن 18 عاماً، فقد انخفضت النسبة إلى 35 في المائة فقط بالنسبة للنساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 سنة. (اليونيسف، التقدم من أجل الأطفال، 2010)

وتشير الإحصاءات، بحسب اليونيسيف إلى أن الفتيات اللائي يتزوجن في سن مبكر حول العالم يتركن التعليم الرسمي ويصبحن حوامل في وقت مبكر، مما يرفع احتمالات وفاتهن بأمراض نفاسية بين عمر 15 و19 عام في كثير من الأحيان، إذ تشير إحصاءات المنظمة العالمية لعام 2009 إلى حدوث 70 ألف حالة وفاة في هذا الإطار.

كما يترفع خطر وفاة المواليد إلى 60% إذا كانت الأم دون سن 18 عاماً، مقارنة بالمواليد لأمهات يزيد عمرهن عن 19 عاماً، وفقاً لنفس البيانات السابقة، والتي توضح أيضاً، أن الأطفال الذين ينجون من الموت من الفئة الأولى يكونون أكثر عرضة للإصابة بنقص الوزن عند الولادة وسوء التغذية وتأخر النمو البدني والإدراكي .

وتشير تقارير يونسيف كذلك إلى أن الفتيات اللائي يتزوجن في مرحلة الطفولة يتعرضن بصورة أوسع لمخاطر العنف والاعتداء والاستغلال، كما يؤدي زواجهن غالباً ما يؤدي إلى الانفصال عن الأسرة والأصدقاء، وعدم الحرية في المشاركة في الأنشطة المجتمعية، والتي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الصحة العقلية والبدنية للأطفال.

يبلغ عدد النساء الأحياء حتى الآن وتزوجن دون الثامنة عشر حول العالم حوالي 700 مليون سيدة، وفقاً ليونيسف. وأشار تقرير نشر على الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية إلى أنه بحلول عام 2020 ستتزوج أكثر من 140 مليون طفلة دون السن القانوني، و50 مليون منهن على الأقل سيكن دون الخامسة عشر، وفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA).

وتشير جميع الدراسات والتجارب والأبحاث العالمية إلى أن “زواج الأطفال” هو نتيجة عوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية متشابكة أهمها:

1- الجهل وعدم الوعي.

2- الفقر.

3- المعتقدات الاجتماعية الذكورية، والخوف من العار.

وتشير الأدلة إلى أن الفتيات اللائي يتزوجن في سن مبكر يتركن التعليم الرسمي ويصبحن حوامل، في كثير من الأحيان. كما أن الوفيات النفاسية المرتبطة بالحمل والولادة تعتبر عنصراً هاماً لوفيات الفتيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 15و19 عاماً في جميع أنحاء العالم، وتتسبب في 70000 حالة وفاة سنوياً (اليونيسف، وضع أطفال العالم، 2009). وإذا كانت الأم دون سن 18 عاماً، فإن خطر وفاة مولودها في السنة الأولى من العمر يبلغ 60 في المائة أكثر من المولود الأول لأم يزيد عمرها عن 19 عاماً (اليونيسف، وضع أطفال العالم، 2009). وحتى لو عاش الطفل، يكون أكثر عرضة للإصابة بنقص الوزن عند الولادة وسوء التغذية وتأخر النمو البدني والإدراكي (اليونيسف، وضع أطفال العالم، 2009). وتتعرض الفتيات اللائي يتزوجن في مرحلة الطفولة لمخاطر العنف والاعتداء والاستغلال (اليونيسف، وضع أطفال العالم، 2009). وأخيراً، فإن زواج الأطفال غالباً ما يؤدي إلى الانفصال عن الأسرة والأصدقاء، وعدم حرية المشاركة في الأنشطة المجتمعية، والتي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على رفاه الفتيات عقلياً وبدنياً.

وأينما انتشر زواج الأطفال، فإنه يعد بمثابة عادة اجتماعية. ويعد تزويج البنات دون سن 18 عاماً امراً متجذراً في التمييز بين الجنسين، وهو يشجع على الحمل في سن مبكرة والحمل المستمر وتفضيل تعليم الأولاد على البنات. كما أن زواج الأطفال استراتيجية للبقاء الاقتصادي، حيث أن الأسر تزوج بناتها في سن مبكرة للحد من الأعباء الاقتصادية عليها.

وتعمل اليونيسف مع المجتمعات المحلية لرفع سن الزواج والتصدي للتمييز بين الجنسين من خلال رفع مستوى الوعي والمناقشات الاجتماعية على المستويات المحلية والوطنية، كما تساعد الحكومات على تعزيز التشريعات والسياسات والخدمات الوطنية.

سن الزواج وفقا للإتفاقيات والإعلانات الدولية :

بحسب المادة الأولى من إتفاقية حقوق الطفل :

لأغراض هذه الاتفاقية، يعنى الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه.

أما الزواج فهوعقد بين رجل وإمرأة تحل له شرعا يقوم على الرضا الكامل بهدف بناء الأسرة التي تشكل الخلية الأساس في المجتمع ، وبالتالي يجب أن يسود هذا العقد شروط الرضا المتبادل الحر الخالي من العيوب من أجل تحديد لحقوق والمسوؤليات

من هنا جاءت معظم الإتفاقيات الدولية لتؤكد ضرورة توافر الوعي والنضج والإرادة السليمة لدى كل من طرفيه وأساس ذلك السن القانوني …

فالمادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسانأكدت إنللرجل والمرأة متى أدركا سن البلوغ حق التزوج وتأسيس أسرة …

والفقرة 2 من المادة 16 من إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة نصت على إنه لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني , وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية بما في ذلك التشريعي منها لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزاميا .

كذلك جاء في مقدمة الإعلان العالمي للقضاء على العنف:… إن الجمعية العامة إذ يقلقها إن بعض فئات النساء ك……والأطفال , هي فئات شديدة الضعف في مواجهة العنف .

أما المادة 5 من القرار رقم 52\106 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فحثت الدول على سن قوانين تتعلق بالحد الأدنى لسن الزواج ورفع الحد الأدنى لسن الزواج .

أسباب ظاهرة الزواج المبكر :

التميز ضد المرأة هو مركب إجتماعي يرتكز على قواعد أو معايير إجتماعية ، أي

ما يعرف بالأنماط التي تصبح روتينية مع مرور الوقت وتكتسب نوعا من الشرعية الإجتماعية مما يساهم في ترسيخ إيدولوجية الأدوار المرسومة لكلا الجنسين ويساهم كلا من الدولة والمجتمع والأسرة في رسم هذه الأدوار وتكريسها ، وهذه المؤسسات تعمل بشكل مترابط لا بشكل منعزل .

يشكل التمييز ضد النساء إنتهاكا للكرامة الإنسانية وعائقا أمام نمو المجتمع إذ يحد

من قدرة النساء على التمتع بالحقوق والحريات الأساسية التي تقرها المواثيق الدولية والقوانين الوطنية ، ويحرمهن من الأفادة من الفرص التي تتاح لهن للإنخراط في الفعال في عملية التنمية ، كما ويؤثر في تنشئة جيل على قيم غير ديمقراطية تنتهك حقوق الإنسان .

إن أسباب ظاهرة الزواج المبكر متعددة وناجمة عن إستمرار دوامة التمييز والعنف على أساس الجنس وهي تجد تبريراتها في :

_قسمة الأدوار في المجتمع وغلبة الدور النمطي للمرأة في المجتمع كربة أسرة عليها تولي هذا الدور مبكرا ضمانة لنجاحه وفقا للمعايير التي يضعها المجتمع .

_الوضع الإقتصادي السيء الذي يكون مبررا في أحيان كثيرة للأهل لقرار التزويج مبكرا للفتاة و الإغراءات المالية لجهة إعتبار الزواج المبكر صفقة رابحة .

__الذهنية التقليدية التي ترسم معايير محددة للزواج ، لجهة السن وحصره بالسن المبكر وقرار المجتمع بإعتبار الزواج في سن مبكرة هو الإنجاز الأهم لأي فتاة.

__الصورة السائدة في المجتمع عن الفتيات اللواتي يتأخرن بالزواج ، وقلة حظوظ الفتيات اللواتي يتأخرن بالزواج ما يساهم في خوف الأهل ورغبتهم بتزويج الفتيات في سن مبكرة لتفادي تأخر بناتهن في الزواج .

__عودة التيارات الدينية السلفية .

__إنتشار مفاهيم السترة والعنوسة والشرف في مجتمعاتنا ، وإلتصاق هذه المفاهيم بالفتاة وإعتبار الزواج هو الإطار الحامي لشرف العائلة والضامن لسلامة الفتاة من أي منزلق أخلاقي يسيء إلى سمعة العائلة ووضعيتها الإجتماعية .

نتائج الزواج المبكر على الطفلة .

إن الزواج المبكر يمثل تمييزا ضد الطفلة ويشكل إنتهاكا لأبسط الحقوق التي يقتضي تمتع الفتاة بها، وله تأثيرات سيئة متعددة تطال مختلف جوانب حياة الطفلة فهو يؤدي إلى :

___الحرمان من الحق في التعلم وهو حق أساسي له دور أساسي في بناء شخصية الفرد ونموها كما يساهم في تقدم المجتمع وتطوره ، ويعمل على بناء أسرة متكاملة صغيرة العدد ويساهم في زيادة الإنتاجية .

_الحرمان من الحق في العمل ، ما يساهم في تأخر التنمية وتعطيل فئة بشرية كبيرة

عن المساهمة في بناء المجتمع ، وإن عدم الإستقلالية الإقتصادية يجعل الإنسان في وضعية تابعة عاجزة عن إتخاذ أي قرارات مصيرية .

_ الحرمان من الحق في السلامة الجسدية نتيجة الحمل في سن مبكرة وتكرار الحمل والإنجاب وتأثير ذلك على الصحة الإنجابية وعلى السلامة الجسدية .

__الحرمان من الحق في النماء نتيجة إنتهكاك اليحق في التعليم والترفيه واللعب وبناء شخصية متوازنة .

___الحرمان من الحق في الحماية : فمنع الإساءة والحماية من الإستغلال الإقتصادي

والجنسي وكل أشكال الإستغلال هي في صميم حق الطفل في الحماية والتي ستنتهك .

_الحرمان من الحق في إتخاذ القرار بسبب الإكراه على الزواج دون الرضا الكامل للفتاة إذ ليس لها القدرة في هذه السن على إتخاذ القرار السليم بشأن مستقبلها سواء بالقبول أو الرفض .

_ إنتهاك الحق بالكرامة الإنسانية ، فزواج الطفلة يجعلها أكثر عرضة للعنف الزوجي وأقل قدرة على مواجهته نتيجة قلة الوعي والنضج .

__ إن الزواج المبكر يساهم في جعل الطفلة في مرتبة متدنية ، وعاجزة عن إتخاذ القرارات الخاصة بأسرتها ،حيث ينحصر دورها بالدور الإنجابي ما يجعلها عاجزة عن القيام بالأدوار الإنتاجية والسياسية مما يعيد إنتاج وتكريس الأدوار النمطية .

__إن الزواج المبكر له تأثيره المستقبلي على العلاقات الأسرية لناحية إحتمال وقوع الطلاق نتيجة تعدد المشاكل الأسرية الناجمة عن عدم نضج ووعي الفتاة ,أو نتيجة الفرق الكبير في السن بين الرجل والفتاة أو لإحتمال حدوث الخيانة الزوجية.

بعض التوصيات للحد من ظاهرة زواج الأطفال حول العالم

1-سن قوانين تكفل عدم إجراء الزواج إلا بالموافقة الحرة والكاملة للزوجين المعنيين وإنفاذها بكل دقة ، وسن قوانين تتعلق بالحد الأدنى للسن القانونية للموافقة وإنفاذ هذه القوانين بكل دقة .

2- دعم وتفعيل التشريعات لزيادة الحد الأدنى لسن زواج الفتيات إلى 18 عاماً & توليد الدعم الاجتماعي من أجل إنفاذ القوانين المتعلقة بالحد الأدنى للسن القانونية للزواج ولا سيّما عن طريق توفير فرص التعليم للفتيات والفتيان.

2- تحديد أهداف ووضع وتنفيذ استراتيجيات تراعي الفوارق بين الجنسين لمعالجة حقوق الأطفال وفقا لاتفاقية حقوق الطفل ومراعاة حقوق الطفلة واحتياجاتها الخاصة، ولا سيّما في التعليم والصحة والتغذية، والقضاء على المواقف والممارسات الثقافية السلبية ضد الطفلة .

3- إيلاء الاهتمام لحقوق واحتياجات المراهقات ، التي تدعو إلى اتخاذ إجراءات خاصة لحمايتهن من الاستغلال والاعتداء الجنسيين والاقتصاديين ، والممارسات التقليدية والثقافية الضارة ،من أجل تطوير المهارات الحياتية واحترام الذات وإعادة تأكيد أن النهوض بالمرأة وتمكينها طول دورة حياتها يجب أن يبدأ بالطفلة من جميع الأعمار.

4- تعبئة الفتيات والفتيان والآباء والقادة لتغيير الممارسات التي تنطوي على التمييز ضد الفتيات، وخلق الفرص الاجتماعية والاقتصادية والمدنية للفتيات والشابات & اتخاذ التدابير لزيادة الوعي بإمكانيات الطفلة وترويج الاختلاط بين الفتيان والفتيات بشكل يراعي الجنس منذ الطفولة المبكرة بهدف تحقيق المساواة بين الجنسين والتنمية والسلام داخل الأسرة والمجتمع .

5- إتاحة الخيارات للفتيات اللاتي تزوجن بالفعل في التعليم والعمل والرزق واكتساب المهارات والمعلومات والخدمات في مجال الصحة الجنسية والإنجابية (بما في ذلك الوقاية من فيروس الأيدز)، وتوفير ملاجيء لهن في حال تعرضهن لعنف منزلي.

6- إزالة جميع العوائق التي تعترض تمكين البنات دون استثناء من التطوير الكامل لإمكانياتهن ومهاراتهن من خلال المساواة في الحصول على التعليم والتدريب، وضمان السبل والوسائل التي تكفل مواصلة التعليم للنساء المتزوجات والحوامل والأمهات الشابات.

7- معالجة الأسباب الجذرية لزواج الأطفال، بما في ذلك الفقر، وعدم المساواة بين الجنسين والتمييز، وتدني قيمة الفتيات، والعنف الممارس ضدهم.

زواج الأطفال

زواج الأطفال

 

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015