تطوير لقاحات «كورونا».. بيد النساء
كاتلين كاريكو

وكالات- رغم أن التاريخ المبكر للقاحات وابتكارها وتطويرها، كان مجالاً يهيمن عليه الرجال، فإن هذا العلم في الوقت الحالي، أصبح تقوده النساء، وهو ما اعتبرته وكالة بلومبيرغ الأميركية، درساً في تخصيص المواهب. وبحسب الوكالة، فإن تاريخ تقنية «mRNA»، وهي الأساس التكنولوجي في لقاحات فيروس كورونا من شركات موديرنا من جهة وفايزر وبيونتك من جهة أخرى، وهما المتنافسان الرئيسيان على اللقاح، وقفت وراءه كاتالين كاريكو، وهي مهاجرة مجرية المولد جاءت للولايات المتحدة للعمل على تقنيات «RNA».

كاريكو نادراً ما تُذكر مع تزايد وتيرة الأخبار الطبية المبشّرة بشأن توفر أكثر من لقاح للقضاء على وباء كورونا، وهي التي قضت أربعين عاما من العمل البحثي الشاق لتطوير اللقاحات.

نشرت مؤخراً صحيفة “الباييس” تقريراً مطوّلاً حول مخترعة لقاح كورونا، كاتالين كاريكو، وتوقعاتها لتاريخ عودة الحياة الطبيعية. وتقول الصحيفة أن المرأة التي ولدت في بلدة مجرية صغيرة نشأت بسعادة في منزل من الطوب بدون مياه جارية أو كهرباء هي اليوم واحدة من أكثر العلماء تأثيرا على هذا الكوكب. كانت اكتشافاتهم مفيدة في جعل اللقاحين الرئيسيين اللذين يمكنهما إخراج البشرية من هذا الوباء ممكناً.

“كنت فتاة سعيدة. كان والدي جزارا وأحببت مشاهدته وهو يعمل، وأراقب أحشاء الحيوانات، وقلوب الحيوانات، وربما كان هذا هو المكان الذي أتى منه شغفي العلمي، وفقنا لما تنقل “الباييس” عن كاريكو من منزلها في ضواحي فيلادلفيا بالولايات المتحدة. درست علم الأحياء في المجر، ثم هاجرت إلى الولايات المتحدة للحصول على الدكتوراه في عام 1985 ولم تعد أبداً.

“كنت على وشك الذهاب إلى إسبانيا مع مجموعة لويس كاراسكو، التي كانت مهتمة بعملي، وكذلك إلى فرنسا، لكن المجر الشيوعية جعلت الأمور صعبة للغاية”، تشرح العالمة.

الآن يبدو الأمر مذهلاً، لكن طوال عقد كامل، عقد التسعينيات، لم يؤيد أحد فكرة كاريكو: صنع علاجات ولقاحات تعتمد على جزيء الحمض النووي الريبي، بالضبط نفس الشيء الذي تستخدمه شركات موديرنا وبيونتك ضد فيروس كورونا.

“تلقيتُ خطاب رفض واحداً تلو الآخر من المؤسسات وشركات الأدوية عندما طلبت منهم المال لتطوير هذه الفكرة”، توضح عالمة الكيمياء الحيوية البالغة من العمر 65 عاما والمولودة في كيسوجسالاس، على بعد حوالي 100 كيلومتر من بودابست.

تُظهر للصحيفة رسائلها لشركة الأدوية Merck التي ترفض طلبها بمبلغ 10000 دولار لتمويل أبحاثها.

الآن تلقّت شركة Moderna وBioNTech مئات الملايين من اليورو من الأموال العامة لتطوير لقاحات RNA الخاصة بها في وقت قياسي، وهي نفس الفكرة التي حاولت العالمية ومجموعة صغيرة أخرى من العلماء دفعها قبل 30 عاماً دون نجاح.

كانت الفكرة جيدة، لكنها لم تكن عصرية. لقد أرادوا استخدام جزيء هش قصير العمر لعلاج المرض بشكل دائم أو منع العدوى. الحمض النووي الريبي هو جزيء لا يمكن أن توجد الحياة على الأرض بدونه. إنه المرسل المسؤول عن دخول نواة خلايانا، وقراءة المعلومات الواردة في كتاب التعليمات الوراثية، الحمض النووي، والخروج بالوصفة لإنتاج جميع البروتينات التي نحتاجها للتحرك، والرؤية، والتنفس، والتكاثر، والعيش.

أرادت العالمة استخدام خلايا المريض نفسه لصنع البروتين الذي يعالجها عن طريق حقنها برسالة RNA صغيرة؛ “الجميع يفهمها الآن، ولكن بعد الوباء للأسف”.

في تلك السنوات كان العلاج الجيني هو السائد، الذي يعتمد على تغيير الحمض النووي بشكل دائم لتصحيح الأمراض. بدأت هذه الرؤية تصبح نسبية عندما تبيّن أن تعديل الحمض النووي يمكن أن يولد طفرات قاتلة وعندما يموت بعض المرضى في التجارب السريرية.

عدد قليل من العلماء الآخرين الذين كانت لديهم فكرة تطوير لقاحات الحمض النووي الريبي، وهو نفس المسعى الذي ظلّت تعمل عليه كاريكو. يتذكّر بيير مولين، رئيس مبادرة الأدوية المبتكرة التي يمولها الاتحاد الأوروبي: “اعتقد الجميع أن الأمر جنوني، وأنه لن ينجح”. في عام 1993، طوّر فريقنا في المعهد الوطني الفرنسي للصحة طريقة لتوصيل الحمض النووي الريبي المرسال كعلاج. لقد نجحنا، لكننا لم نتمكن من الوصول إلى المرحلة الصناعية لأنه كان هناك نقص جزئي في التمويل”.

“كان فريقنا أول من طور لقاحا للـ RNA وأيضا أول من حصل على المساعدة من المعاهد الوطنية للصحة للحصول على تمويل من الشركات واختباره على البشر”، يتذكر ديفيد كورييل، من كلية الطب في جامعة واشنطن في سانت لويس. ويضيف: “لكن الشركة المهتمة، أمبيون، أخبرتنا أن اللقاح ليس له مستقبل”.

وأثارت لقاحات الحمض النووي الريبي أسئلة. يتذكّر فريديريك مارتينون، الباحث المشارك في المشروع الفرنسي: “كان تأثيرنا على بعض الحيوانات فقط وليس على البعض الآخر”. ويضيف: “بفضل عمل كاتالين، نعرف الآن السبب”.

تطرح لقاحات الحمض النووي الريبي مشكلتين يبدو أنهما مستعصيتان على الحل. لسبب واحد، كانوا غير قادرين على إنتاج ما يكفي من البروتين. من ناحية أخرى، يمكن أن يولد الحمض النووي الريبي المرسال التهاباً قوياً يسبّبه الجهاز المناعي، والذي يُعتقد أن الحمض النووي الريبي المُدخل هو من فيروس. كيف يمكن لجزيء أكثر وفرة في أجسامنا بحوالي 50 مرة من الحمض النووي نفسه أن يولّد الرفض؟

وتختم العالمة كاتالين كاريكو مقابلتها مع صحيفة “الباييس” قائلة: “هذه اللقاحات ستخرجنا من هذا الوباء. في الصيف يمكننا على الأرجح العودة إلى الشاطئ وإلى الحياة الطبيعية. ومع وجود أكثر من 3000 حالة وفاة يومياً في الولايات المتحدة، ليس لدي أدنى شك في أن الناس سيحصلون على التطعيم. ولا سيما الكبار منهم”.

كاريكو التي تعيش حالياً في الولايات المتحدة، تعدّ من أكثر الأطباء اهتماماً باستخدام جزيئات الشفرة الوراثية لعلاج حالات من السكتات الدماغية والسرطان إلى الإنفلونزا. بدأت كاريكو العمل على بحوث متعلقة بالحمض الريبي النووي المرسال في بلادها المجر منذ عام 1978، قبل أن تنتقل إلى أميركا بعد إنهاء عملها في مركز البحوث البيولوجية في سيغيد في عام 1985. وبعد عشرة أعوام من العمل والتجارب الطبية قامت بها في جامعة بنسلفانيا، أوقفت الجامعة الدعم المالي عنها لعدم توصلها إلى نتائج مرضية يمكن اعتمادها طبيّاً.

لكنها لم تفقد الأمل واستمرت في العمل وكانت تتصل بأكثر من جهة داعمة لاستمرار بحوثها، إلى أن توصلت في العام 2005 إلى نتائج طبية مفيدة باعتماد الحمض الريبي النووي مهدت اليوم للاعتماد عليها في صناعة اللقاح الذي يمكنه تنشيط استجابة تجلب الأجسام المضادة إلى المعركة مع الفايروس. وإذا نجحت هذه الأجسام المضادة، فإنها سترتبط بالبروتين الشوكي، الذي يكون قويا بشكل لمنعه من الالتحام، مع دعوة الخلايا في الوقت نفسه إلى التهام الفايروس.

انضمت كاريكو في عام 2013 إلى شركة “بيونتيك” الألمانية التي أعلنت مؤخراً عن نجاحا في اكتشاف لقاح للفايروس الذي أربك العالم. ومهّدت دراسة أنجزتها عام 2005 الطريق إلى نجاح الطبيبين الألمانيين من أصول تركية أوجور شاهين وأوزليم توريتشي، إلى إعلان بيونتيك عن إنجاز اللقاح.

لكن يبدو أن العالمة ذات الوعي السابق لزمنها، لا تستمتع بشهرتها الجديدة. تقول “يمكنني التعامل مع الرفض، لكن الأضواء مرعبة” بعد أن سلّطت وسائل الإعلام الأضواء عليها مؤخراً.

بينما يؤكد العلماء أن تكنولوجيا كاريكو يمكنها أن تساعد في علاج عدة أمراض كالقلب والسرطان، حيث تحوّل “منصة” اللقاح الذي سيتم استخدامه في الجسم البشري إلى مصنع لقاح مضاد للفايروسات، ويمكن إعادة تجهيزه للتدخّل في أمراض أخرى وتسريع تطوير اللقاحات لمنع الأوبئة في المستقبل.

وكالة بلومبرغ؛ ذكرت أن كاريكو واجهت الكثير في مسيرتها المهنية، بما في ذلك مشاكل جمع أموال البحث ونوبة السرطان، لكنها استمرت حتى انتهى بها المطاف إلى العمل مع درو ويزمان، الذي توصّلت معه إلى طريقة لحقن مادة «RNA» للبشر من دون التسبب في التهابات زائدة، الأمر الذي كان يشكّل عائقاً في السابق. وهي الآن تعمل مع شركة بيونتك الألمانية. أما لقاح نوفافاكس المنتظر، فتقود فريق العمل عليه نيتا باتيل، وهي مهاجرة من ولاية غوجارات بالهند، وفريقها أيضاً نسائي بالكامل. وأوضحت الصحيفة، أن الموضوع المشترك هنا هو المغتربون، حيث برزت النساء المهاجرات في نقاط حاسمة، فالمرحلة الأولى من تجربة موديرنا، قادتها ليزا جاكسون من جامعة واشنطن.

كاتلين كاريكو

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015