تمكين المرأة خطوة في طريق الإصلاح الإداري
تمكين المرأة

وفاء علّوش/ brocarpress- تواجه المؤسسات والمنظمات الإدارية في العصر الحديث تحدّيات كثيرة من جرّاء التحوّلات المتسارعة في سبيل العمل على تحقيق أهدافها، ما يجعل مسألة إعادة النظر في إدارة رأس المال البشري مسألةً أساسية من أجل حلّ قضية الإصلاح الإداري.

لذلك فإن تبنّي مفاهيم إدارية حديثة في الموارد البشرية، بات يشكّل مفصلاً مهماً من أجل تحسين نوعية وجودة الإدارات وعمل المؤسسات، ومن هذا المنطلق حَظِيَ التمكين بدراساتٍ مختلفة؛ سواء تمكين الموظفين بشكل عام أم تمكين المرأة بشكل خاص، لتصبح أكثر مقدرة وفاعلية في الهيكل الإدراي والتنظيمي.

هناك قواسم مشتركة إذن بين التمكين الإداري وغيره من أشكال التمكين، تتوّضح في منح القوة وتعزيز القدرات والثقة والمشاركة في اتخاذ القرارات بالتوازي مع توفير التدريب اللازم، كما أن مفهومي التمكين العام وتمكين المرأة متداخلان إلى حدٍّ كبير مع وجود بعض الفروق المتعلّقة بالنظرة الاجتماعية للنساء عموماً.

شكّل تمكين المرأة إدارياً في الآونة الأخيرة توجّهاً حديثاً واستراتيجية أساسية انتهجتها بعض المنظمات والمؤسسات الحديثة، تقوم على مبدأ المشاركة النسوية الفعّالة في الهيكل التنظيمي وتسهيل استلام المرأة مناصب قيادية في التسلسل الهرمي في المؤسسات، وذلك بخصوص مسألتي المعلومات واتخاذ القرارات على حدٍّ سواء، عن طريق منحهنّ الحرية والاستقلالية اللازمة وتحفيزهنّ على العمل الجماعي ضمن فرق العمل.

تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أنّ المؤسسات الإدراية تميل إلى تعيين المرأة إذا ما تقدّم رجلٌ وامرأة إلى شغل منصب إداري معيّن وكانا يمتلكان المؤهلات ذاتها، ويعود ذلك إلى إمكانية إنجاز المرأة مهماتٍ أكثر في وقتٍ أقل وبإتقانٍ عالٍ، علاوةً على قدرتها على التركيز في أكثر من مهمة تبعاً للاختلاف الفيزيولوجي في شكل دماغها، ما يتيح لها إنجاز أكثر من مهمة في وقت واحد طبقاً لما أثبته العلم.

جرت العادة في المؤسسات الإدارية على أن يكون العنصر الذكر هو العنصر المُسَيطر في اتخاذ القرارات، على الرغم من أنّ الهياكل التنظيمية لا تنصّ على هذا التمييز، ويرجع السبب في ذلك إلى العُرف العام المُسَيطر في الإدارات حاله بذلك حال أغلب حلقات المجتمع.

لكن ذلك الأمر أصبح موضع جدل في ظلّ المتغيرات الاقتصادية، وبالتزامن مع الحديث المستمر والمحاولات الحثيثة للمنظمات النسوية من أجل إعطاء الفرصة للمرأة التي تشكّل ما يُقارِب نصف المجتمع، إضافةً إلى الأهداف المتمَثّلة بزيادة نسبة العمالة المدَّرَبة والقادرة على اتخاذ القرارات الأنسب، الأمر الذي ينعكس بنتائج إيجابية على الاقتصاد والمجتمع مثلما سبق لنا الحديث. باتت الصعوبات والتحوّلات التي تعانيها المجتمعات تؤثّر بشكل مباشر في المؤسسات الإدارية، وحتَّمَت مسألة المنافسة التي توليها المؤسسات دوراً مهماً كونها حافز من حوافز الإنتاج إشراك المرأة في العملية الإدارية بشكلٍ أكثر فاعلية، من أجل إنتاجٍ أكثر جودةً وربحاً، لتحقيق الميزة التنافسية التي فرضتها ظروف المنافسة العالمية.

فضلاً عن التأثير الإيجابي لتمكين المرأة إداريّاً أيضاً في تحسيـن الأداء والرضا الوظيفي، حيث يهتم مفهوم التمكيـن بشكلٍ رئيس بإقامة وتكويـن الثقة بيـن الإدارة والعامليـن وتحفيـزهم ومشاركتهم في اتخاذ القرار وكسر الحدود الإدارية والتنظيمية الداخلية بيـن الإدارة والعامليـن.

يصطدم التمكين الإداري مثل غيره بمعوقات تتعلّق بالثقافة العامة في المجتمع والأعراف والتقاليد السائدة التي تحدّ من إمكانية المرأة في العمل، ومعوقات ذاتية تتعلّق بالمرأة نفسها من ناحية ضعف الثقة بالنفس وعدم الإيمان بالقدرات أو الخوف من تحمّل المسؤولية أو عدم التزامها ببرامج التدريب بسبب التزاماتها الأسرية، ومعوقات إدارية تتعلّق بنقص التدريب وعدم وجود الكفاءات الوظيفية أو نقص التجهيزات وعدم وجود بيئة عمل مناسبة، إضافةً إلى معوقات اقتصادية تتعلّق بنظام المكافآت والحوافز والترقيات واستلام المناصب القيادية، والأهم من ذلك المعوقات التنظيمية المتعلّقة بالشكل التنظيمي في المؤسسة ومنها ما هو متعلّق بنظرة بيئة العمل إلى مشاركة المرأة وعدم الثقة بالقرارات التي تتخذها وتركّز السلطة في أعلى الهرم الإداري.

من البديهي إذن أن نكثّف الإجراءات التي تُساعد على مسألة التمكين من خلال عوامل مختلفة مثل:

1. تطوير وتدريب العاملين في المؤسسات عن طريق تأهيلهم ورفع كفاءاتهم من خلال عقد الدورات التدريبية المتخصصة.

2. زرع الثقة بين أعضاء أو جماعات العمل، وخلق مهمات تعتمد على روح الفريق، والتركيز على عقد الورشات والندوات التي تظهر أهمية العمل الجماعي وضرورته الملحة.

3. فرض جو من الاحترام والتقدير لجهود الموظفين العاملين، وذلك من خلال التركيز على النتائج ومنحهم حوافز تتناسب مع جهودهم، الأمر الذي يعزّز من سلوك المواطنة التنظيمية لديهم.

4. اعتماد نظام ترقية بعيداً عن المحسوبيات والعلاقات الشخصية، ومبنية على الكفاءة والجدارة والإبداع والإنجاز.

5. العمل بشكلٍ حثيث على تغيير الثقافة السائدة التي تنتقص من قدرة المرأة وفاعليتها والثقة في قراراتها، بالتركيز على مبدأ المساواة بين العاملين.

6. إزالة القوانين والقرارات التي تنتهك المساواة بين الجنسين في القوانين والهياكل التنظيمية.

في النهاية ومن أجل تبنّي مفهوم التمكيـن، ينبغي علينا أن نعمل على تحسين بيئة العمل العامة، ما يعني أن على قادة المنظمات ومدرائها أن يوقنوا أن قضية التمكين تؤثّر بشكل إيجابي في الوسط البيئي لتنتج مخرجات جيدة من العاملين سلوكياً وإنتاجياً وخدمياً.

من نافل القول أنّ ثقافة المنظمة تعدّ انعكاساً للثقافة العامة، لأنّ الفرد يأخذ ثقافته من أسرته إلى بيئته التعليمية ويحمل معتقداته إلى بيئة العمل، ثم يتكيّف معها فيصبح سلوكه التنظيمي جـزءاً من سلوكه العام، فالثقافة التنظيمية تؤثـّر وتتأثـّر بالثقافة العامة، وبالتالي تؤثـّر في سلوك الفرد في المنظمة والمجتمع.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”. 

تمكين المرأة

تمكين المرأة

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015