جسد الأنثى.. نعمةٌ أم نقمة؟
(امرأة من ذهب) لوحة للرسام غوستاف كليمت

سامية علام/ مجلة (ميم)- قد لا تجد حتى من يتسائل “هل جسد الرجل نعمةٌ أم نقمة؟” أو يجعل حريّته أطروحةً يناقشها المثقّفون والأدباء، أو معضلةً يُبحرون فيها لفهمها؛ بين من يراها غاويةً وغانية ،ومن يعتبرها مصدراً للجمال والعذوبة على الأرض.

المقولة الشائعة ”الحظ السيء أن تُولَد في جسد أنثى” هي حقيقةٌ في مجتمعاتنا العربية على الأرجح .. فمنذ طفولتها المبكرة، تستمع الفتاة لتحذيراتٍ عديدة من أن يمسّ شخصٌ جسدها؛ وتأتي فترة البلوغ الفاصلة والمربكة، والتي تتطلّب الكثير من الوعي للمرور منها بسلام .. ويتغيّر شكل الجسم، يرافقه تزايد النظرات للبروز التي تأخذ في الظهور؛ ليبدأ في خطٍ موازٍ سيلٌ من المفروض والممنوع ربما يدفع الفتاة لكراهية تطوّرها الجسدي، خاصةً مع اضطرارها لارتداء أشياء غير محبّبة .. والتزام تصرفاتٍ لم تكن مفروضةً من قبل.

تردّدت على مسامعي ومسامع شقيقاتي كثيراً مثل هذه التحذيرات من والدتي، لم أكن أدرك المغزى أو المقصود منها، لكن كلّ ما كنت أفهمه أنّ أخي لا يتلقّى نفس التحذيرات.. فقط نحن البنات.

وكبرت قليلاً لأتلقّى الصدمة الأكبر؛ صدمة البلوغ والدورة الشهرية، الدماء المؤلمة كلّ شهر، استأت أيضاً عندما عرفت أننا فقط من نحيض ونتألّم دون الرجال. وتوالت التطوّرات سريعاً، لتبدأ علامات البلوغ الأخرى بروز الثديين ونمو الشعر، وازدادت تحذيرات أمي وانهالت علينا التعليمات ”ارتدي الحجاب .. اختاري ملابس واسعة .. ابتعدي عن مرافقة الصبيان .. لا ترفعي صوتك بالطرقات .. لا تضحكي بصوتٍ عالٍ ..” وبالطبع أهمّ التحذيرات ”لا يَلْمُسْ أيُّ شخصٍ مهما كان جسدَكِ“.

تطوّراتٌ مربكة ترتبط جميعها بجسدي الآخذ في النمو دفعتني لكراهيته لفتراتٍ طويلة وتمنّي لو كنت ولداً مثل أخي، لا يُسأَلُ عند عودته عما إذا اقترب منه أو ضايقه أحد، لا يُعنّف على التأخير خارج المنزل، لا يُخشى عليه من مرافقة أيّ شخصٍ حتى لو كنّ فتياتٍ.. ولا يتلقّى تحذيراتٍ متكرّرة ومملّة قبل خروجه كلّ مرة.

ربما كانت والدتي شديدة القلق علينا وربما لا تفعل جميع الأمهات نفس الشيء، لكنه تكرّر أمامي كثيراً في بيئتي المحيطة، ودفعني للتساؤل: هل فعلاً جسد المرأة نقمةٌ ويجلب لها المتاعب؟

يحقّ لكلّ امرأةٍ وفتاة أن تعتبره كذلك خلال فترات الحيض أو الحمل والولادة التي تشعرها بآلامٍ وتقلباتٍ نفسية شاقّة للغاية، وأتفهّم أن يُراودها نفس الشعور عند تعرّضها للمعاكسة أو التحرّش اللفظي أو الجسدي بسبب شكل الجسد هذا، أو عندما يخذلها هذا الجسد الضعيف عند تعرّضها للعنف فلا تستطيع الدفاع عن نفسها.

يحقّ لها كراهيته عندما يُعرّضها للانتقاد عندما تتزيّن وتبدو بأفضل حالٍ؛ فيتهمها البعض بأنها تهدف لإغواء الرجال، أو عندما تُولَد بقدرٍ أقلّ من الجمال؛ فيعرّضها للتهكّم والتمييز، أو عندما يعرّضها لأحكام المجتمع الجائرة مثل الختان.

لكن، عندما نضجتُ أصبحتُ أؤمنُ جداً بأنّ ”كلٌّ ميسّر لما خُلِقَ له” وأنّ كلّ شيءٍ له إيجابياته وسلبياته، فجسد الأنثى يمنحها قوةً لا يُستهان بها إذ يجعلها محط اهتمام الآخرين، فتأثيره على الجنس الآخر فائقٌ، كما أنّه أكثر مرونةً لتحمّل جهدها اليومي في المنزل والعمل.

كما تستطيع كلّ امرأةٍ أن تستخدم جسدها بالشكل الأنسب، لكن هذا يحتاج منها للإيمان أولاً به.. فإذا كانت أزمتك مع جسدك في ضعفه؛ فالحل يكمن في تعلّم رياضات الدفاع عن النفس، أما إذا كانت أزمتك في إثارته للآخرين؛ فهذا ليس عيباً فيه بل هي ميزةٌ وفطرةٌ طبيعية له.

عزيزتي الأنثى، من قديم الأزل اهتمّ العالم بحضاراته المختلفة بجسد المرأة، كتبوا عنه وأفردوا مجلداتٍ وقصائد لوصف أجزائه والتغزّل به، حتى مشايخ العرب وقضاتهم الشرعيين كتبوا عنه، هذا لا يعني سوى أنّه مصدر إلهامٍ لهم.

عزيزتي؛ الفروق التشريحية أو التكوينية والوظيفية بين جسدك وجسد الرجل، لا تجعل من أيّ الجسدين أعلى مكانةً أو أقلّ منزلةً، فرغم أن الكثير من القيود المجتمعية تدفع باتجاه تقييد حريّة جسدك وتسبّب غضبك منه، إلا أنّ خيار التمرد والإيمان بقيمة جسدك متروكٌ لكِ أنتِ أيضاً.

 

(امرأة من ذهب) لوحة للرسام غوستاف كليمت

(امرأة من ذهب) لوحة للرسام غوستاف كليمت

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015