حرب المستبدّين الجدد على النساء
Edmon de Haro

ترجمة عن مجلة The Atlantic/ موقع DARAJ- عندما ينظر الأميركيون إلى الخارج هذه الأيام يرون دونالد ترامب في كل مكان، في البرازيل الذي يؤيّد رئيسها الجديد جاير بولسونارو التعذيب ويهدّد بالانسحاب من اتفاقية باريس للتغيّر المناخي ويرى أن بلاده كانت أفضل حالاً تحت الحكم العسكري. وفي الفلبين التي أشرف رئيسها رودريغو دوترتي على قتل آلاف من تجّار المخدرات المزعومين خارج نطاق القضاء وهدّد بفرض الأحكام العرفية في الدولة بكاملها. وفي المجر التي قمع رئيس وزرائها فيكتور أوربان الصحافة الحرّة ودعم وأثرى المقرّبين له وزرع الخوف والكراهية تجاه اللاجئين. وفي بولندا التي قوّض حزب القانون والعدالة فيها استقلال المحكمة العليا. حتى في إيطاليا، التي يشيطن قادتها اللاجئين ويهاجمون الاتحاد الأوروبي ويتسلّون بصحبة ستيف بانون.

لكن كلما تمعّنا أكثر في ظاهرة الترامبية العالمية، كلما وجدناها تخالف في حقيقتها السرديات المهيمنة على النقاشات في الولايات المتحدة. أُطلب من المعلّقين أن يشرحوا لك سبب الزلزال الذي ضرب السياسة الأميركية منذ 2016، سيجيبونك على الأرجح بشيئين، أولاً هي صرخة غضب من الطبقة العاملة التي فاقمت العولمة من سوء أوضاعها ودفعتها إلى منزلق الهبوط الاجتماعي. ثانياً، هي رد فعل عنيف من المسيحيين البيض الذين يخشون خسارة سلطتهم لصالح المهاجرين والأقليات العرقية والدينية.

لكن هذه النظريات غير مقنعة، فما هو منزلق الهبوط الاجتماعي؟

كما أشارت آن أبلباوم في هذه المجلة قبل عدة أشهر، “فإن الاقتصاد البولندي كان الأدوم نجاحاً في أوروبا خلال الربع قرن الماضي. حتى بعد الانهيار المالي العالمي عام 2008، لم تشهد البلاد أي ركود”. وفي الأعوام التي سبقت فوز دوتيرتي المفاجئ عام 2016 في الفلبين، عايشت البلاد ما سمّته الباحثة نيكول كوراتو، “نموّاً اقتصادياً استثنائياً”. كما أن نظرية رد الفعل العنصري والديني لا تفسر الكثير. لم تلعب الهجرة سوى دور هامشي في صعود دوتيرتي أو بولسونارو. ورغم سجل بولسونارو المليء بالتعليقات المعادية للسود، أظهرت استطلاعات الرأي السابقة للانتخابات تقدّمه في أوساط البرازيليين السود ومختلطي العرق. ولعبت العنصرية دوراً أقل أهمية من ذلك في زيادة شعبية دوتيرتي في الفلبين.

مكمن الخلل في السرديتين الأميركيتي المنشأ هو أن القومية السلطوية تزدهر في مجموعة متنوعة ومتباينة من الدول. بعضها تعاني الركود وأخرى ليست كذلك. لكن فضلاً عن معاداتهم للديمقراطية الليبرالية، يشترك مستبدو اليمين الذين يمسكون بزمام السلطة في أنحاء العالم في شيء مهم واحد؛ غالباً ما يلقى تجاهلاً في الولايات المتحدة، وهي رغبتهم في إخضاع المرأة.

ترى فاليري هادسون عالمة السياسة بجامعة Texas A&M، أنه لفهم الترامبية العالمية يجب علينا أن نتذكر العقد الذي أبرمه الحكام مع رعاياهم من الرجال على مدار أغلب فترات التاريخ البشري والذي، “وافق فيه الرجال على أن يحكمهم رجال آخرون مقابل حكم جميع الرجال على جميع النساء”. بدت هذه التراتبية بديهية بنفس درجة حكم البالغين على الأطفال، وذلك لأنها عكست تراتيبية السلطة في المنزل. لهذا ولآلاف السنين ربط الرجال وكثير من النساء هيمنة الذكور بالشرعية السياسية. يفكك تمكين المرأة هذا النظام. وكما يقول أشعيا آسفاً في التوراة “الشباب يقمعون قومي وتحكمهم النساء، يا قومي إن قادتكم يضلونكم”.

ولأن الهيمنة الذكورية مرتبطة بشدة بالشرعية السياسية، عمد الكثير من الثوريين وأرباب الثورة المضادة على توظيف شبح سلطة النساء لتشويه الأنظمة التي سعوا لإسقاطها. ثم ما إن يصلوا إلى السلطة بأنفسهم، حتى يعمدوا للحد من حقوق المرأة لتثبيت شرعيتهم. في ورقة نشرت عام 1955، لاحظ أرثر جلبيرت وجيمس كول من جامعة دينفر، أن الثوار الفرنسيين جعلوا من ماري أنطوانيت رمزاً للفساد الأخلاقي للنظام القديم وكذلك فعل الإيرانيون مع الأميرة أشرف، أخت الشاه “السافرة ذات النفوذ والسلطة”. وبعد الإطاحة بالملكية حظّر الثوار الفرنسيون مناصب التدريس العليا على النساء ومنعوا عنهنّ وراثة الممتلكات. وجرّم آية الله خامنئي حديث النساء في الإذاعة أو خروجهن سافرات إلى الأماكن العامة.

اتّبعت بعض ثورات الربيع العربي مساراً مشابهاً. ففي كتابهما الذي جاء بعنوان “عقيدة هيلاري” أشارت فاليري هادسون وباتريشيا ليدل إلى أن زعيم الإخوان المسلمين محمد مرسي فور خلافته للديكتاتور طويل العهد حسني مبارك في مصر، أعلن عن إلغاء نسبة المقاعد المقرّرة للنساء في البرلمان، ووقف ضد الحظر المفروض على ختان الإناث، وصعب على النساء إجراءات الطلاق من الأزواج الذين يسيئون معاملتهنّ. وبعد الإطاحة بمعمر القذافي كان أول قانون ألغته الحكومة الجديدة هو قانون حظر تعدّد الزوجات.

ترامب وبولسونارو ودوتيرتي وأوربان وأشباههم ليسوا ثوّاراً. لكن هم أيضاً يستخدمون النوع والجنس لنزع المصداقية عن نظام سياسي ومنحها لآخر. كل منهم يصف النظام الذي سبقه بأنه غير شرعي، فقد ادّعى ترامب أن باراك أوباما لم يولد في الولايات المتحدة وبالتالي لم يكن مؤهّلاً ليصير رئيساً وفقاً للقانون. واتّهم بولسونارو ودوتيريتي الحكومات التي سبقتهما بأنها تسامحت مع مستويات غير مقبولة من الجريمة. واتّهم حزب القانون والعدالة البولندي أسلافه بأنهم خضعوا لروسيا والاتحاد الأوروبي.

وفي كل حالة من تلك الحالات ربط ترامب ومن نحوّ منحاه الأيديولوجي افتقاد سابقيهم للشرعية بسلطة النساء. ورسخت جهود كل منهم في سبيل تحقير المرأة وإخضاعها لدى مؤيديهم إعتقاداً بأن الأمّة تقف على قدميها من جديد؛ بعد أن قلبت رأساً على عقب.

من السهل ملاحظة الفائدة التي جناها ترامب جراء هذا الخطاب. جعل من هيلاري كلينتون، وهي أول امرأة يشرحها حزب رئيسي في التاريخ، تجسيداً للنظام السياسي الفاسد في أميركا. ولكن بدلاً من أن يعد بتطهير أميركا من فساد المصالح السياسية، وعد مناصرية الذين قال العديد منهم في استطلاعات الرأي إن أميركا أصبحت أكثر تراخياً وأنوثة، بحكومة تخلو من فساد امرأة شريرة معينة.

وخارج المؤتمرات الانتخابية لترامب، بيعت قمصان مرسوم عليها ترامب عاري الصدر مرتدياً قفازات الملاكمة رافعاً يده منتصراً على هيلاري التي تظهر في أوضاع ذات إيحاءات معينة. تقول إحدى اللافتات في تلك المؤتمرات الانتخابية، “ترامب 2016. أخيراً شخص بخصيتين”. وتقول لافتة أخرى، “لا تكن ‘مهبلاً’ (أي جباناً). صوّت لترامب في 2016. وفي داخل تلك المؤتمرات، هتف الجمهور “احبسها”، وهي عبارة ساخرة لم توجه لأي من منافسي ترامب الذكور في مرحلة الانتخابات التمهيدية. ومراراً وتكراراً استجاب ترامب للنساء اللواتي تحدينه سياسياً مثل مذيعة قناة Fox News ميغن كيلي والمرشحة الرئاسية المنافسة كارلي فيورينا ومذيعة شبكة MSNBC ميكا بيرجنسكي، والنائبة عن الحزب الجمهوري إليزابيث وارن، بنعتهن بأنهن قبيحات. بعد المناظرة الثانية مع كلينتون، علق قائلاً إنها “مشت أمامي، وصدقوني لم تثر إعجابي على الإطلاق”. كان التلميح واضحاً، مهما ترقّت المرأة في المراتب تظل في النهاية جسداً ترتهن قيمته بما يحدّده الرجال.

يصف المعلّقون أحياناً تحالف ترامب مع اليمين المسيحي بأنه متناقض نظراً لتاريخه في التحلل الأخلاقي. لكن مهما كانت اختلافاتهم، يجتمع ترامب وداعموه من الإنجيليين على هدف تقييد سلوك النساء. برز هذا التحالف واضحاً جلياً خلال جلسة التصديق على تعيين القاضي في المحكمة العليا بريت كافانو، حين انتفض الجمهوريون غضباً ضد ديمقراطيي اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ متهمين إياهم بإهانة المجلس عبر تنظيم جلسة استماع علنية لكريستين بلاسي فورد التي اتّهمت كافانو بالتحرش الجنسي. وفي أحد المؤتمرات الانتخابية هاجم ترامب السيناتور ديان فينشتاين، النائبة عن كاليفورنيا ووصفها بأنها، “جميلة أخرى” وحينها بدأ الجمهور بالهتاف “احبسها”.

لا بد وأن تبدو هذه الأمور شديدة الألفة للبرازيليين والفلبينيين والمجر والإيطاليين والبولنديين. ترشح بولسونارو في الانتخابات الرئاسية في البرازيل عام 2016 على إثر الانهيار الاقتصادي (في 2016 انكمش اقتصاد البرازيل بأكثر من 3%)، والفضائح السياسية (سجن الرئيس السابق وإدانة خليفته وعزله عن السلطة)، وتصاعد معدّلات الجريمة (في 2017 شهدت البرازيل 64 ألف جريمة قتل، ما يقارب ضعف عدد جرائم القتل في الولايات المتحدة وأوروبا مجتمعين). ووعد بإعادة البلاد إلى ماضيها المجيد المزعوم. وأعلن قائلاً، “نريد برازيل مشابهة لتلك التي كانت لدينا قبل 40 أو 50 عاماً”. على الرغم من أن البرازيل كانت خاضعة لحكم عسكري استبدادي حينها.

ومثله مثل ترامب ربط بولسونارو هذه الثورة المضادة بثورة مضادة ضد النساء المتعجرفات. عندما صوّت بوصفه مشرّعاً لصالح إدانة أول رئيسة للبرازيل؛ ديلما روسيف والتي تعرّضت للتعذيب من قبل النظام العسكري البرازيلي في السنوات الأولى من سبعينيات القرن الماضي، أهدى هذا الصوت لواحد من أشهر جلادي ذلك النظام. في 2015 أخبر نائبة برلمانية برازيلية قائلاً، “لن أغتصبك لأنك لست جديرة بذلك”. وهتفت الجماهير في مؤتمرات بولسونارو الانتخابية بأنهم سيطعمون النسويات طعام الكلاب. ومثله مثل ترامب، يحظى بولسونارو بدعم السكان الإنجليين الذين يتزايد عددهم في بلاده الذين تعجبهم معارضته الشديد للإجهاض وحقوق المثليين.

في الفلبين، لم يكن لدى رودريغو دُوتيرتي حُجّة فساد أو أزمة اقتصادية لمساعدته في نزع شرعية النظام السياسي القائم. لكنه استغل الخوف من المخدّرات لوصف الفلبين -على حد قول عالمة الاجتماع نيكول كوراتو- بأنها، “أمّة على شفير كارثة”. وعلى حذو بولسونارو، وعد دُوتيرتي بإعادة القانون والنظام، اللذين يفترض أن بلاده تمتعت بهما خلال ماضيها الأوتوقراطي (الاستبدادي). وبعد بضعة أشهر من تولّيه الرئاسة، دفن رفات الديكتاتور طويل العهد فرديناند ماركوس -مع مراسم عسكرية تكريمية- في “مقبرة الأبطال” بمانيلا.

وعلى خطى بولسونارو أيضاً، هدّد باستخدام العنف ضد النساء. إذ أعلم الجنود الفلبينيين في عام 2017، أنه وبسبب إعلانه الأحكام العرفية في جزيرة مينداناو، يمكن لكل واحد منهم اغتصاب 3 نساء دون عقاب. وفي عام 2018، طلب من الجنود إطلاق النار على المتمرّدات في أعضائهن التناسلية، لأن هذا من شأنه أن يجعلهن “عديمات الفائدة”.

كما تضمّنت حملة دُوتيرتي الشرسة المناهضة للنسوية -مثل حملات ترامب وبولسونارو- نفس طقوس الإذلال للنساء القويات. فعندما طالبت السيناتور ليلى دي ليما بإجراء تحقيق في سياسة دُوتيرتي في مجال محاربة المخدرات، تعهّد بـ “جعلها تبكي”. اعتقلت الحكومة فيما بعد دي ليما بتهمة الإتجار بالمخدرات وسربتْ دليلاً من المفترض أن يُثبت -على حد قول دُوتيرتي- أنها كانت “تعبث مع سائقها” مثلما كانت “تعبث وتتلاعب بالأمة”. ومزح عضوٌ بمجلس الشيوخ والذي سيصبح في وقتٍ لاحق المتحدث الرسمي باسم دُوتيرتي بقوله أن دي ليما كانت تريد أن يكون مقر احتجازها في قاعدة للجيش، “لأن ثمة الكثير من الرجال هناك”. حتى ليني روبريدو نائبة الرئيس دُوتيرتي -وهي عضوة في حزب سياسي منافس- لم تسلم من تهكُّماته. إذ ذكر ببهجةٍ في مناسبة عامة في 2016، أن التنانير التي ارتدتها ليني لحضور اجتماعات مجلس الوزراء كانت “أقصر من المعتاد”.

يمكن للمرء أن يرى أوجه تشابه لما سبق في إيطاليا، التي شبّه نائب رئيس وزرائها، ماتيو سالفيني -حليف ستيف بانون المعروف بِنزعاته الاستبدادية- رئيسة مجلس النواب بالبرلمان الإيطالي بأنها دمية جنسية ضخمة عام 2016. كما تدعم الحكومة الإيطالية قانوناً يقول منتقدون إن من شأنه إلغاء نفقة الطفل، وقال متحدث باسم الحكومة، إن التشريعات المقبلة ستقاضي النساء اللواتي يَتّهمن أزواجهن بالعنف المنزلي في حال بُرئ الأزواج.

لكن لا يتبنى كل السلطويين الجدد هذا التوجّه الصارخ. لكنهم جميعاً يربطون بين النظام السياسي الجديد الذي يسعون إلى تأسيسه، ودورٍ أكثر تقليدية وثانوية للنساء. اقترح فيكتور أوربان -الذي اتّهم سابقيه بِالسماح للمهاجرين والغجر بتقويض الهوية المجرية- إجراء “اتفاق شامل مع النساء المَجريات” لإنجاب المزيد من الأطفال. كما تعهّد بتعليمٍ خالٍ من الأعباء المادية للنساء، فقط في حال كان لديهن ثلاثة أطفال على الأقل.

ومن جانبها، أطلقت حكومة بولندا الأوتوقراطية حملة إعلانية تحث فيها البولنديين على “التكاثر مثل الأرانب”، وحظّرتْ إمكانية الحصول على حبوب منع الحمل دون وصفة طبية. في أواخر عام 2017، بعد أن احتجت النساء البولنديات على القيود الصارمة الجديدة المفروضة على الإجهاض، داهمت الحكومة المكاتب التابعة للمجموعات النسائية.

بالنسبة للمدافعين عن حقوق المرأة، فهؤلاء السلطويّون المتحيّزون جنسيّاً يمثّلون لُغزاً. وتتطلّب هزيمتهم تمكين المرأة. لكن كلما أصبحت النساء أكثر تمكُّناً وقوة، زاد وصف الأوتوقراطيين اليمينيين لذلك التمكين باعتباره اعتداء على النظام السياسي الطبيعي. ليست صدفة أن يكون بولسونارو ودوتيرتي من المنتقدين المتحمّسين للرئيسات السابقات، أو أن النساء كُنّ من بين المعارضين الرئيسيين لدوتيرتي وترامب. ألهمت مزاعم كريستين بلاسي فورد النساءَ المتظاهرات لمَلئِ مجلس الشيوخ الأمريكي. إلّا أنّ صور النساء يصرُخن في أعضاء مجلس الشيوخ الذكور ربّما ساعدَت الجمهوريين على الاحتفاظ بأغلبية مجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفى لعام 2018. بمساعدة من الرقم القياسي لنساء الحزب الديموقراطي المُنتَخبات في هذا الخريف، فمن المُرجَّح أن تُصبح نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب مرة أخرى في يناير/كانون الثاني. لكن بيلوسي نفسها كانت منذ أمد بعيد هدفاً مناسباً للجمهوريين القلِقين من شبح القوة النسوية.

على المدى الطويل، يتطلّب التغلُّب على السلطويّين الجدد أكثر من مجرّد تمكين النساء سياسيّاً. إنه يتطلّب تطبيع هذا التمكين، بحيث لا يستطيع الأوتوقراطيّون أن يحوّلوا النساء -سواء اللواتي في مواقع القيادة، أو المُحتجّات- إلى رموزٍ للانحراف السياسي. ويتطلّب هذا مواجهة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء أن العديد من الرجال -وبعض النساء- ينظرون إلى القوة السياسية للمرأة باعتبارها أمراً غيرَ طبيعي: لأنها تقوِّض التسلسل الهرمي الذي يرونه في المنزل.

قالت لي فاليري هادسون “الفرق الأول [في الدور الاجتماعي للجنسين] الذي يُلاحظه الفرد هو الفرق بين الجنسين في بيته الخاص. هذا يضع النظام السياسي الأول، أو الكيفية التي يجب أن تكون عليها الأمور في البلاد. بالتالي، ليس من المفاجئ أن ينجح السلطويّون غالباً عندما تُهدِّد النساء -وخاصة النساء النسويّات- هيمنةَ الذكور على الحياة العامة في البلدان التي لا يزال فيها الرجال يسيطرون على الأمور في الحياة الخاصة.

قارن بين الولايات المتحدة والفلبين والبرازيل والمجر وبولندا وبين بلدان شمال أوروبا، حيث أصبحت السلطة السياسيّة للمرأة أمراً طبيعيّاً وعاديّاً أكثر. في عام 2017، شكّلت النساء حوالي 48% من البرلمان الأيسلندي. وفي السويد، كانت النسبة 44%؛ أمّا في فنلندا، فكانت النسبة 42%؛ وفي النرويج كانت 40%.  كانت المعدلات أقلّ في البلدان التي انتخبت مؤخراً استبداديّين رجعيّين فيما يخُص التمييز الجنسي، حيث تراوحت بين 31% في إيطاليا و10% في المجر. لا يعني ذلك أنه من المستحيل وجود أوربان أو بولسونارو في الشمال الأوروبيّ: فأوروبا الشمالية لديها أحزابها اليمينيّة المُتطرّفة. ولكن من الصعب على هذه الأحزاب استخدام فكرة اختلاف الدور الاجتماعي للجنسين من أجل نزع الشرعية عن النظام السياسي الحالي، لأن التمكين السياسي للمرأة لم يعد يبدو أمراً غيرَ شرعي.

لم يعد يبدو غيرَ شرعيّ، إلى حدٍّ بعيد، لأنّ المساواة بين الجنسين أصبحَت أمراً عاديّاً في البيت. في عام 2018 نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقريراً عن مقدار الوقت الذي تقضيه النساء والرجال يوميّاً في القيام بأعمال منزليّة غير مدفوعة الأجر، مثل التنظيف والتسوّق ورعاية الأطفال. لو قمنا بحساب الفجوة بين الجنسين في كلّ بلد، فسيظهر لدينا نمط ما. نجد علاقة مدهشة بين مقدار المساواة بين الرجل والمرأة في أعمال المنزل في بلد ما، ومدى التمثيل السياسي للنساء في نفس البلد. ولنأخذ مثالاً من السويد، حيث تصل نسبة النساء في البرلمان إلى 44٪. وهناك نجد الفجوةَ بين قدر العمل المنزليّ الذي يقوم به الرجال والنساء أقلَّ من ساعة في اليوم. أمّا في الولايات المتّحدة، حيث ستصل قريباً نسبةُ النساء في الكونغرس إلى 23٪، فنجد أنّ الفجوة بين الجنسين في العمل المنزليّ هي ساعة ونصف الساعة. وفي المجر، حيث تصل نسبة النساء في البرلمان إلى 10٪، تزيد تلك الفجوة عن ساعتين.

قد تجد النساء اللواتي يَسعَين لعزل ترامب أو بولسونارو في الانتخابات القادمة بعضَ الراحة في مثال شمال أوروبا. لا تتغيّر ديناميّات العائلة سنة بعد أخرى، بل جيلاً بعد جيل. ومع ذلك، تؤكد السلطويّة الجديدة على أهمية شعار نسوي قديم: الأمر الشخصي هو أمر سياسي. قد يُسهِم تعزيز ودعم مساواة المرأة في المنزل في إنقاذ الديمقراطية نفسها.

Edmon de Haro

Edmon de Haro

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015