د. حسّان عبّاس: المواطنة ضمانة العيش المشترك بكرامة لجميع الناس بلا أي تمييز
حسان عباس

Kamila Dahha/ sl4c-

– يتصدّر مفهوم المواطنة وقيمها المشهد بقوة في أوقات الأزمات. في أزمة كورونا، ما هي المواطنة الحقيقية؟ 

  • صحيح جدا أن الأزمات تذكّر الناس، أو لنقُلْ المهتمين بالشأن العام منهم أو المواطنين الفعّالين، بالمواطنة وبضرورتها. وليس هذا سحراً أو مصادفة لأن المواطنة ضمانة العيش المشترك بكرامة لجميع الناس بلا أي تمييز. عندما تنفجر أزمات ما في المجتمع، وخاصة تلك التي تُصيب الكرامة الإنسانية أو تفرز شكلا من أشكال التمييز أو الظلم، يستدعي الناس بمخيلتهم المخلّص الذي يؤمنون به ويعتقدون أنه سيرفع عنهم الرزايا. أما المواطنون الفاعلون في المجتمع، الواعون أن قضايا الأرض يحلها أهل الأرض، فيستذكرون المواطنة ليس كقوةٍ خفية أو إيمان أو معتقد وإنما كوضعٍ يقدرون على بنائه وترسيخه عبر الفعل والنضال. لاحظي ما جرى مثلا في بيروت بعيد انفجار الرابع من آب حيث هبّ اللبنانيون أفراداً ومبادرات ومنظمات مدنية من مختلف المناطق اللبنانية وتوجهوا إلى المناطق المتأثرة بالانفجار لمساعدة المتضررين، ولا يزالون حتى اليوم يعملون على مساعدة هذه الأحياء وسكانها، بل لاحظي أيضا كيف رفعت الثورات العربية شعارات المواطنة في كل مكان قامت به الحراكات ضد الاستبداد. 
  • في أزمة الكورونا لا يختلف الأمر كثيرا. كشف الوباء خللين في حال المواطنة في الدول التي انتشر فيها.

– الخلل الأول تمثل في فشل الحكومات، سواء في الدول الاستبدادية أم الديمقراطية، في تأمين الحق في الرعاية الصحية، وهو حق أصيل من حقوق المواطن، بشكل متساوٍ للمواطنين، وفي ضعف المشافي الحكومية في التعامل مع الوباء. 

– الخلل الثاني برز في تراجع قيم المواطنة لدى شرائح من الناس. فقد انتشرت أخبار عن دول يقوم فيها مواطنون بأفعال بعيدة كل البعد عن قيم المواطنة مثل الوعي المدني (كأن يرفض بعضهم الامتثال للنصائح الطبية الرامية إلى تخفيف الانتشار)، أو مثل التضامن والكياسة (كأن يهجم بعضهم على المواد الغذائية والأدوية ليحتكر أكبر قسم منها دون التفكير بحاجة غيره إلى حصة من هذه المواد).

لكن، في مقابل هذه الصورة السلبية، أظهر انتشار الوباء حالات من المواطنة الفعالة الجديرة بالاهتمام، فحكايات التضامن المواطني أكثر من أن تحكى في جميع المجتمعات، سواء حكايات معارضة التوجهات اللامواطنية للحكومات أم حكايات الأفراد أم حكايات المبادرات المجتمعية، إلخ. هذه الحكايات تقدم الإجابة الواقعية على سؤالك عن أي مواطنة في زمن الكورونا: إنها المواطنة الفعّالة، المناضلة، الساعية إلى تحقيق العيش بكرامة لجميع المواطنين.

– ما هو المطلوب اليوم لرصد انتهاكات المواطنة لا سيما مع انشغال الحكومات بهذا الوباء؟

رصد انتهاكات المواطنة في أزمنة الأزمات لا يختلف عنه في الأزمنة العادية إلا في الزخم وفي شدة التيقّظ. فانتهاكات المواطنة لا تتوقف، والأخبار تحمل لنا يوميا نماذج عن هذه الانتهاكات في شتى البلاد: قطع رأس أستاذ في فرنسا، حجب الأموال المودعة في المصارف عن أصحابها في لبنان، الانتخابات الصُوَرية في سوريا، التضييقات المستمرة على المواطنين الفلسطينيين من قبل سلطات الاحتلال، تلاعب كارتيلات الصناعات الدوائية في إنتاج اللقاح ضد كورونا، وغيرها وغيرها. عدد الانتهاكات وشكلها لا حدود له، وهذا ما يستدعي، بالدرجة الأولى، التيقظ والتنبّه الشديدين من قبل الناشطين المنخرطين في النضال من أجل المواطنة. لكن، في واقع الكورونا، وأمام الانتشار العالمي له، وأمام تأثر شرائح كبيرة من المواطنين في كل العالم به وبنتائج الإجراءات المتخذة للحد من قوّته، لا يكفي الجهد المبذول من الأفراد، أو من المجموعات، في فضاءات وطنية أو حقول قطّاعية ضيّقة. الوضع اليوم يستدعي تفعيل مبدأ التشاركية بين الناشطين في كل مكان سواء لخلق شبكات أكثر فعالية في التعامل مع الآثار السلبية على الناس (كما تفعل بعض المنظمات العاملة في لبنان ومنها الرابطة لتقديم مساعدات عينية على شكل سلل غذائية وصحية للاجئين السوريين، أو كما تفعل بعض المؤسسات الثقافية التي تطلق برامج جديدة تساعد المبدعين على تحمل خساراتهم بسبب الوباء) أم لتشكيل جبهة مقاومة مواطنية تكشف الانتهاكات وتفضح المنتهكين وتضغط لتحقيق قدْرٍ أكبر من الكرامة للناس.

ما هي التحديات التي تواجهها الرابطة اليوم في ظل أزمة كورونا؟

    هناك بالطبع التحديات “العادية” أي التي لا ترتبط بالكورونا مباشرة وإنما تعود من جهة إلى طبيعة المجتمع المدني الذي تعمل الرابطة في إطاره، وأقصد المجتمع المدني العامل على الشأن السوري من خارج سوريا، وإلى الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه البلد الذي تتواجد الرابطة فيه والذي يعيش حالة انهيار متسارعة تؤثر على كل الناس. أما التحديات “الاستثنائية” المرتبطة بالحالة الطارئة التي أوجدها الوباء فيمكن القول إن ثمة تحديين رئيسين اثنين:

1- التأقلم مع الشروط التي استلزمتها محاولات حصر الوباء ومنع انتشاره، مثل التباعد الاجتماعي وحظر التنقّل والسفر وتخفيف التجمعات… فالرابطة لم تعد قادرة، مثلها مثل العديد من المنظمات الأخرى، على إقامة ورشها التدريبية، وجلسات الحوار والنادي السينمائي.. بالشكل الطبيعي الذي كانت تقام به. نحاول أن نتأقلم إذن مع هذه الشروط سواء عبر الاستعاضة عن اللقاءات المباشرة بالتواصل “أن لاين”، رغم ما لأشكال هذا التواصل من سلبيات. ونحاول أحيانا الاستعاضة عن نقل المتدربين من أماكن وجودهم بنقل المدرّب.

2- الحفاظ على السمت: منذ انطلاقة الرابطة ركزت جهودها على نشر ثقافة المواطنة لأكبر شريحة ممكنة من المواطنين، غير أن تطور الأوضاع في سورية وضع أمامنا مهمّات جديدة لا يمكن الالتفاف عليها لمن يعمل على المواطنة، مثل قضايا الإغاثة وقضايا المغيبين قسريا وقضايا الحفاظ على الذاكرة، وأخيرا قضية الوباء وكلها قضايا مواطنية طارئة ومُلحّة فانخرطنا في قسم كبير منها دون أن نحيد ببصرنا عن السمت الأساسي الذي وضعناه أمامنا، وهذا ما نحاول المحافظة عليه إبان أزمة الكورونا الحالية. وهذا هو التحدي: أن نتفاعل مع القضايا الطارئة دون التخلي عن هدفنا الأساس.

حسان عباس
حسان عباس

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015