رسالة تخويف إلى النساء.. تداعيات جريمة “فتاة الحسكة” على السوريات
#فتاة_الحسكة

سامية علام/raseef22- قبل أيام، فُجع المجتمعان السوري والعربي بجريمة قتل عيدة الحمودي، التي اشتهرت بـ”فتاة الحسكة”، على أيدي 21 من أفراد عائلتها لهروبها من منزل ابن عمها الذي زُوجت منه قسراً. تصوير الجناة لجريمتهم وتباهيهم بنشرها عبر الإنترنت كان صادماً على نحو خاص.

وفي غضون يومين فقط، استفاقت الحسكة على جريمة أخرى مفزعة – الطفلة آية (15 عاماً) التي قتلها والدها بعدما اغتصبها نجل عمها. نعم، عاقب الطفلة على جريمة ارتكبت بحقها وافتخر بـ”تطهير العرض” ولم يُمَسّ المجرم بسوء.

منذ بداية العام، سُجّلت خمس جرائم قتل لنساء بذريعة “الشرف” في سوريا، علماً أن هذا المصطلح لم يعد مستخدماً في القانون السوري. لكن الدائرة الأوسع لضحايا العنف الأسري والعنف القائم على النوع الاجتماعي هناك أوسع بكثير. ولعل وفاة الطفلة نهلة ابنة الست سنوات جوعاً وعطشاً في السلاسل الحديدية التي قيّدها بها والدها أبرز مثال.

كل مغذّيات العنف حاضرة

إقبال القادري، الاستشارية والخبيرة في العنف القائم على النوع الاجتماعي منذ 20 عاماً بسوريا، تقول لرصيف22 إن جرائم العنف ضد النساء وضد الفئات المهمشة عموماً والعنف القائم على النوع الاجتماعي تزداد في أوقات الحروب والكوارث الطبيعية والأوبئة، مبينةً أن العنف ضد النساء والفتيات والأطفال خلال الحرب يتزايد في سوريا بسبب ضعف الأمن والأمان، وخاصة في ظل جائحة كورونا إذ انصب التركيز على النظام الصحي وحمايته.

وتعتبر القادري تردي الظروف الاقتصادية في سوريا عاملاً مغذّياً لهذا العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات والأطفال، وتقول “سابقاً، لم تكن جرائم الشرف تحدث بهذه الوتيرة وقد لوحظ ازديادها في سوريا منذ الحرب”.

وتستدرك: “فتاة الحسكة واحدة من الجرائم التي علمنا بها. لكن المعروف أن جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي التي لا نعلم بها أكثر بكثير”، منبهةً إلى أن “جريمة فتاة الحسكة هي جريمة كاملة وليست ‘جريمة شرف‘ إذ لم يعد هناك ما يسمى بجرائم الشرف”.

وتضيف أن العادات والتقاليد البالية والأعراف الاجتماعية والقوانين والنظم التربوية من العوامل الأساسية لهذا النوع من جرائم العنف، شارحةً أن العنف القائم على النوع الاجتماعي يقوم على ثلاثة عوامل جوهرية:

  • التمييز بين الجنسين في الأعراف والتقاليد والقوانين وغيرها من المرجعيات الاجتماعية. لاحظنا وجود تمييز صارخ بين الجنسين في بيئة الطفلة.
  • عدم احترام حقوق الإنسان. لا يوجد في جريمة فتاة الحسكة أي احترام لحق اختيار شريك الحياة ولا لحق الحياة نفسه ولا لأي حق من حقوق الطفل.
  • إساءة استخدام السلطة. وهذا واضح تماماً في جريمة فتاة الحسكة إذ أُسيء استخدام سلطة الأب وسلطة الأخوة. بدلاً من توظيف هذه السلطة في حماية الطفلة من الانتهاك من ابن عمها، حدث العكس وقتلت الطفلة باستخدام السلطة الوالدية.

وتصف القادري بقية العوامل، مثل الحرب والأوبئة والفقر والجهل والإدمان وغيرها، بأنها “عوامل ثانوية” تساعد على توسيع دائرة العنف لكنها لا تظهره، منوهةً بأن “هناك فقراء وأُميين كثراً لا يرتكبون مثل هذه الجرائم. لكن كل انسان سواء أكان فقيراً أم غنياً، أميّاً أم متعلماً، يميز بين الجنسين ولا يحترم حقوق الإنسان ويسيء استخدام السلطة سيرتكب حتماً جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات والأطفال”.

وهنا، تبيّن القادري أن غالبية جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي في سوريا تقع في إطار الأسرة وليس على أيدي غرباء بسبب توزيع الأدوار الاجتماعية واستغلال السلطة الأبوية فتتحول معه الأسرة والمؤسسات الاجتماعية مرتعاً لتلك الجرائم. “نحو 95% من جرائم الاغتصاب تحدث في المنازل الآمنة، من الأب أو الأخ أو النسيب. 99% من الزواج الإجباري يتسبب فيه الأب أو الأخ. جرائم الحرق بالأسيد والاعتداء الجنسي بما فيها تشويه الأعضاء التناسلية تحدث في إطار الأسرة”، تقول.

وتضيف: “أعمل بقطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي منذ 20 عاماً تقريباً، لم تأتِني حالة تُجبر على زواج من رجل غريب كصاحب عمل مثلاً إلا نادراً جداً”. وهي تصر على أن “تكريس السلطة في يد الذكر وإساءته استخدام هذه السلطة بطبيعة الحال” هما العاملان الرئيسيان في تفشي جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي في نطاق الأسرة السورية.

وتضرب القادري أمثلةً لأشكال أخرى للعنف القائم على النوع الاجتماعي على نطاق أوسع بالمشاركة السياسية للنساء ومنح الجنسية لأبناء وأزواج السورية، والاستغلال الاقتصادي، والاتّجار بالجنس، وهي التي تتطلب تعديلات في القوانين السورية للحد منها.

تداعيات جريمة “فتاة الحسكة”

وترى القادري أن “فتاة الحسكة” هي في حقيقة الأمر “ستار لأربع جرائم: تزويج قاصر، والزواج الإجباري، والقتل المتعمد، وترهيب الفتيات والنساء الأخريات بمعاقبة المغدورة على أنها رسالة وجّهت لنا جميعاً”.

وتشدّد على أن “فتاة الحسكة” قُتلت لرفضها “الاغتصاب المتعمد” في صورة “الزواج الإجباري” الذي نتائجه “على الصعيد النفسي والاجتماعي، وحتى الصحي الجسدي وعلى الصحة الإنجابية، أخطر من الاغتصاب”.

كما تنوّه بجريمة خامسة محتملة في تلك الحادثة تتمثل في “الإتجار بالبشر” إذ “يبيع الأب أو الأخوة الطفلة/ الفتاة في الزواج الإجباري بسعر معيّن تحت مسمى ‘المهر‘”.

على بشاعتها، تحذّر القادري من أن تداعيات جريمة فتاة الحسكة والنتائج المترتبة عليها ستكون أخطر، وأبرزها أن “جميع الفتيات القاصرات وحتى الراشدات هناك سيرتعبن ويقبلن الزواج الإجباري خوفاً على حياتهنّ من القتل الجماعي المتعمّد والتشهير بهنّ كوصمة عار اجتماعية، وسيقبلن اغتصابهنّ تحت مسمى الزواج الإجباري وعدم المطالبة بأي حقوق لهن لينقذن حياتهنّ”.

وتزيد أن “لمثل هذه الجريمة أثراً ضخماً على حياة المجتمع ويتسع نطاق تأثيرها على الضحايا المحتملات الأخريات في بيئة الضحية، علاوة على الأطفال الذكور الذين يتربون على معايشة مثل هذه الجرائم وهم مشاريع مجرمين محتملين في حوادث مشابهة”. 

وتستطرد القادري: “هذه جريمة واحدة علمنا بها وفعلت ما فعلت من استنزاف للمجتمع وتعطيله وتهميش المرأة الموجودة هناك وتخويف النساء والفتيات الأخريات وأضرار لحقت بعوائل المجرمين والضحية من نساء وفتيات وأطفال. كل هذه الآثار الضخمة تدل على أهمية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء والفتيات، لأن هذا التمييز لا يؤدي إلى جرائم كبرى فقط وإنما أيضاً يستنزف طاقات وقوى المجتمع في المجالات كلها”.

سبل مناهضة هذا العنف

تعتبر القادري أن مناهضة جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي أمر ضروري في سوريا الآن. وترى في محاولات توجيه الرأي العام عبر السوشال ميديا، كما حدث في قضية فتاة الحسكة، أحد أشكال هذه المناهضة، ولها “دور إيجابي ليس فقط لنساء وفتيات سوريا بل لجميع النساء والفتيات في أرجاء العالم كـ”قضية إنسانية عامة”.

وتلفت إلى أن المعنيين بقضايا جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي لا يزالون في طور “المناهضة من أجل الحد من هذه الجرائم” ولم يصلوا بعد إلى مرحلة وقفها بشكل نهائي، متابعةً أن “الجريمة مشكلة اجتماعية لها ارتباطات شتى مع غيرها من الظواهر الاجتماعية. الجريمة لا تلغى لكن يحد منها من خلال سيادة القانون”.

“إتاحة المجال للقضاء، عبر سيادة القانون وليس سلطة الفرد كأب أو أخ، من شأنها أن تكشف خفايا جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي”، نوهت متساءلةً “كم من فتاة اغتصبها والدها أو أحد إخوانها أو أحد أقرباؤها ثم قُتلت تحت مسمى ‘جريمة شرف‘ مع غريب! كم من فتاة قُتلت بتهمة أنها خرجت مع رجل غريب لكنها فعلياً قُتلت للاستيلاء على ميراثها أو ثروتها وغيرها الكثير من الخفايا”.

إلى ذلك، توضح القادري أن القانون لن يكون حلاً شافياً أيضاً إذ “حتّى لو تصورنا أن حقوق المساواة بين الجنسين أُقرت في أنحاء العالم، فسيبقى هناك أشخاص ينتهكون القانون. لكن وضع قوانين مساواة بين الجنسين في الحقوق وحماية هذه الحقوق وملاحقة الجناة هي خطوات رئيسية في الحد ومنع الانتشار وتطور هذا النوع من الجرائم”.

وتختلف “الخطوات المساعدة” لمكافحة هذا العنف بحق النساء، برأي القادري، لكنها توصي بتعزيز حق المرأة في الحياة وحقها في اختيار شريك الحياة وإلزام أجهزة الشرطة والمحاكم بتمكينها من ذلك، علاوة على دور المنظمات الأهلية في المساعدة في مواجهة العادات والتقاليد البالية، وهو ما تؤكد أنه “ليس بالأمر السهل”.

وتشير في هذا السياق إلى أن أغلب النساء والفتيات في سوريا لا يعلمن عن الأرقام الساخنة التي يمكنهن الاتصال بها ولا يعلمن بشأن الجمعيات التي تُعنى بحماية النساء والفتيات المعرضات لجرائم العنف، وإن اعترفت بأن قطاع مناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي بشقيه العلاجي والوقائي في سوريا “لا يزال في بداياته وضعيف بخدماته وانتشاره ويعاني معضلات مالية وقانونية ويحتاج إلى الدعم في كثير من جوانبه”.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

#فتاة_الحسكة

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015