“سارة العظمة” تطالب أخوها بتصحيح ظلم الشريعة بقسمة الميراث للذكر ضعفي الانثى
صورة تعبيرية من الانترنت

الدكتور رفيق العظمة المحترم،

منذ سنوات تم تقسيم الإرث عن المرحوم والدنا بيننا، أنا الأخت، وأنتم الإخوة الثلاثة بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية فكان لكلّ منكم ضعفي حصتي أنا الأنثى.

أكتب لك اليوم لأطالب بتصحيح الظلم الذي وقع عليّ عند اتباع قانون نتج عن ظروف بيئة وزمن مختلف جملةً وتفصيلاً عن مجتمعنا وعصرنا.

أتوجه بمطلبي إليك تحديداً، الأخ الأكبر، دوناً عن أخوينا لأسباب تتعلق بالوضع المادي والأسري. أنت كجراح عام عمل سنوات خارج سوريا في دول الخليج والغرب مقتدر مادياً، كما أنك لا تتحمل مسؤولية أسرة. وأنا رغم ثقتي بأن مطلبي يفرضه العقل والمنطق والضمير بغض النظر عن الظروف الحياتية أختار ألا أتسبب بضغط مادي حقيقي على أخ، مهما كانت علاقتنا باردة ومشوّهة.

دكتور رفيق، نحن جيل جديد من عائلة عريقة، آل العظمة، عُرفتْ عبر أجيال بلعب أفرادها دور الريادة في تحديث المجتمع السوري. عمتنا المرحومة الدكتورة وحيدة العظمة كانت أول امرأة برتبة عسكرية في الجيش. تخصصت بطب الأطفال في فرنسا في زمن الملاءات بسوق الحميدية وانتشار الأمية بين نساء سوريا. أفراد في عائلتنا لعبوا أدواراً متميزة في حياة المجتمع السوري. فكيف نحمل نحن هذا الإرث العائلي والمسؤولية الاجتماعية باعتبارنا مثقفين حائزين على التعليم العالي وقد منحنا القدر فرصة العيش في مجتمعات مختلفة والتعرف على ثقافاتها؟ هل أصبح لدينا من اتساع الأفق ما يجعلنا أهلاً لتمهيد طرق جديدة؟ هل نتمكن من متابعة المشوار بالعقلية العابرة للحواجز الاجتماعية المصطنعة؟

ليس من الصعب العثور على مقالات ودراسات فقهية طويلة رافضة لأي تجديد في قانون الميراث، والعكس صحيح. ويكتب أحدهم د. خالد حنفي أستاذ في أصول الفقه ورئيس لجنة الفتوى بألمانيا أن المطالبة بالمساواة في توزيع الإرث بين الذكر والأنثى هو مطلب استشراقي( ويقصد متسمم بفكر غربي دخيل) ويرفض مبدأ فهم التشريعات الإسلامية ضمن الإطار التاريخي والمعطيات الاجتماعية لنشأة الإسلام زاعماً أن القول بتاريخية الأحكام يعني نهاية الدين.

هذا هو رأي الأكثرية من الفقهاء وتتبعهم الجموع مغمضة العيون كالعادة. ويحضرني سؤال مهم هنا: لماذ لم يؤدي إلغاء عقوبات الحدود، قطع يد السارق، رجم الزاني والزانية لانقراض الإسلام!! لماذا قام الفقهاء بتعديل هذه الأحكام دون الزعم منهم بأن هذا الاجتهاد اعتداء على النص القرآني؟ كفر بالله؟

لم نسمع زعيق أبواق الخطر بالنسبة لتوقف الدول الإسلامية عن أخذ الجزية من المسيحيين، أو لمنحهم مناصب قيادية. ماذا عن منع الإتجار بالبشر؟ منع الرق. السبي؟ ماذا عن سفر النساء يومياً بدون محرم؟ نظام البنوك الحديث؟
المنطق السليم يقول بوجوب تغيّر الأحكام المتعلقة بالحياة المجتمعية بتغير العُرْف والمصلحة وبتبدّل الأزمنة والأمكنة والأحوال، وهي أمور مختلفة في جوهرها عن أمور العقيدة الثابتة والأحكام التعبدية أي ممارسة العبادات والشعائر الدينية فرداً وجماعة.

ما جعل لزاماً عليّ التطرق لجوانب القضية من منظور فقهي ديني هو غياب التشريع المدني من قانون الأحوال الشخصية في سوريا واعتماده التام على الشرع الديني. لا يمكن لنسوية ساعية للعدالة الاجتماعية والمساواة كقيمة عليا تجنب انتقاد الجمود في تطوير الفقه عند طرح القضايا التي تخص وضع وحقوق المرأة السورية. هذا مسار بطيء جداً لأنه مرتبط بالدين الرافض للحركة بطبعه من جهة، ولأن مفاتيح القوة والسلطة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وحتى ضمن المنظومة الدينية هي بيد الرجل. والرجل فقط! والرجل اختار مبدأ “إن الدين يسر وليس عسراً” في كل ما يخص انخراطه بالحياة ويمنحه المزيد من الامتيازات. أما مجموعة القوانين التي تتعلق بالنظام الأسري و إلى حد بعيد بحياة المرأة وحقوقها من زواج وطلاق ورضاع وحضانة ونفقة وميراث، فلا يتحرك خطوة واحدة. قانون الأحوال الشخصية معضلة المجتمعات العربية اليوم.

من يملك القوة هو خصم وحكم في آنٍ معاً. الرجل. ولا أمل بأي تغيير ما لم تقم النساء بالاعتراض على الظلم الاجتماعي المحمي بسلطة القانون وتحت جناح العادات الأبوية الذكورية.

من لا تغطي عينيه غشاوة العجرفة الموروثة، وغبار التقاليد، يرى التناقضات بشكل واضح، وقد أصبحت كثيرة وظاهرة.

المجتمع السوري يتطور، دخلت المرأة كل ميدان وحقل تعليمي ومهني. علاوة على التغيير هذا في الداخل، فقد أصبح عدد السوريين والسوريات في المهجر بالملايين، وأغلبهم يعيشون في دول بأنظمة اجتماعية وقيمية مختلفة.

دعني أعطي وضعنا نحن الإخوة كمثال حي على الظلم الصارخ في قانون الميراث الحالي.

حصلتم كذكور على ضعفي حصتي من الإرث، التبرير القانوني الشرعي “الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم”. أي: سبب أو علة الامتياز هو واجب الإنفاق.

إعالة الأخت غير المتزوجة/ المطلقة/ الأرملة واجب على الأخ بمقتضى الفقه.

ولكنكم كغيركم تختارون التفضيل والامتياز وتتملصون مما هو مرتبط به منطقاً وشرعاً. أخذتم ضعفي ما أخذت، ولم أحصل منكم خلال حياتي كاملة على قرش، ولا حتى هدية رمزية. الناتج صفر في جانب الإعالة. صفر مكعب!
في هذه المعادلة خللٌ أضاع حقي، وأضاع وما يزال يضيع حقوق ملايين النساء السوريات في الوطن والمهجر.

كنسوية أرفض قطعاً مبدأ الإعالة الذي ينتقص من كرامة وقيمة المرأة. نحن لا نريد أن نُعال، بل أن نحصل على الحرية والعدل والفرص لنخلق الاكتفاء والاستقلالية المادية. النظام الاجتماعي القانوني ما يزال يختار طرف الرجال في الملعب، ولجنة التحكيم رجال.

الطريق طويل وشاق. ولكن القضية واضحة وعادلة. ولتكن هذه الرسالة قطرة تصب في ساقية التجديد.

دكتور رفيق العظمة،

أطالب بحق تم سلبه مني، حصة مساوية للذكر من الإرث، ومما يزيد من ثقل مطلبي هو حاجتي المادية الحقيقية.

ليست هذه الرسالة سفسطة فلسفية أو ترفاً لنسوية متفرغة حالمة، بل إنه مطلب ناجم عن ظروف الحياة من امرأة وأم تفهم أين يضغط الحذاء، امرأة تعمل وتعيل أسرتها ولا يعيلها أو يساندها أحد.

القانون ليس مقدساً. وأحياناً تكمن الفضيلة في خرق قانون جائر تمهيداً لولادة قانون جديد أكثر عدلاً وتماشياً مع معطيات العصر.

سأكون بانتظار ردك، وسأعتبر الصمت رداً بالرفض. وبما أن العلاقة الأخوية التي تنتمي للجو الخاص بيننا منتهية منذ ثلاثين عاماً فهذه قضية عامة فقط لا غير. وردك عليها سيكون إما مبادرة إيجابية لتحقيق العدالة ولعب دور القدوة الحضارية، أو مساندة للقوى الرجعية وتقوية للأفكار والممارسات التي تبقينا كسوريين عاجزين عن الالتحاق بركب الحضارة.

بما أنك رفضت تواصلي المباشر معك يتم تسليم رسالتي عن طريق أخينا مدير البحث العلمي في وزارة التعليم العالي الدكتور شادي العظمة.

وأنشر بدون تردد الرسالة إيماناً مني بالمقولة النسوية المشهورة: “الخاص هو أيضاً عام، وسياسي”.

الحياة الحقيقية بتناقضاتها هي محرك التاريخ وليس النقاشات المجردة.

سارة العظمة، ماجيستير في دراسات الشرق الاوسط

ستوكهولم ٢٠ آذار ٢٠٢٢

(تمّ نشر هذه الرسالة على موقع “مفكر حر mufakerhur” مرفقة بصورة عن الكاتبة، ونعيد نشرها على موقعنا)

صورة تعبيرية من الانترنت

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

2 تعليقان في ““سارة العظمة” تطالب أخوها بتصحيح ظلم الشريعة بقسمة الميراث للذكر ضعفي الانثى”

  1. يقول محمد العجيلي:

    الأخت سارة العظمة المحترمة . انت قد تكونين محقه في أن تطلبي من اخوتك أن يعاملوك بالارث مثلهم ربما لظروفك الصعبة او لان أحوالهم المادية جيدة ولا يحتاجون أن يأخذوا ضعف صحتك كما حددها الشرع . وتدور في النفس تساؤلات عديده ومشروعه ، اذ مادامت المرأه اليوم تعمل كالرجل وتدخل مالا للبيت كما الرجل فلماذا لا تتغير النصوص الشرعية نتيجة لتغير الظروف . لقد كان سيدنا عمر ابن الخطاب أجرا الصحابة على إيقاف العمل ببعض النصوص الواردة في التنزيل الحكيم مثل وقف قطع يد السارق عام الرمادة وايقاف الدفع للمؤلفة قلوبهم مع انهما نصان واضحان لا لبس فيهما في القرآن الكريم . ولو عاش في زماننا لفعلها لانه يدرك أن التشريع نزل ليخدم الإنسان لا ليقيده وان اي تشريع له أسبابه ومبرراته لكن أين سيدنا عمر . هؤلاء الفقهاء لا يجرؤون على تغيير مسألة صغيرة فكيف بالمسائل الكبرى . وهنا اقول مادام الفقهاء لا يجرؤون على خرق قاعدة قرآنية فليتبع اشقاءك قول الله تعالى( ولا تنسوا الفضل بينكم ) فإكرام الأخت واعطاءها فوق حقها الشرعي هي مكرمة يجب أن يتحلى بها كل مؤمن يحب الله ورسوله.

  2. يقول عابر سبيل من الشرق إلى الغرب:

    حاولت الأستاذة سارة تبرير المساواة في الميراث كما يلي: بما أن تعطيل جزء من شرائع الإسلام لم يؤد إلى نهاية الدين أوانقراض الإسلام، فما المانع من تعطيل جزء آخر منه لتغير الظروف الاجتماعية؟
    لعله قد غاب عن الكاتبة أمر مهم، وهو أننا لا نطبق الشريعة لنحفظها، بل ﻷننا مأمورون بذلك، فهي محفوظة بنا أو بدوننا (أو على الأقل هذا ما نعتقده كمسلمين).

    أما محاولة الأستاذة سارة الانقلاب على قانون الميراث الإسلامي من داخل المنظومة الإسلامية فمحاولة بائسة. الإسلام حزمة متكاملة، لا يصح أن نؤمن ببعض ونكفر ببعض. فمن أراد التغيير من الداخل لا بد أن ينطلق من القواعد المثبتة، وليس من قياس سطحي على هيئة: بما أن الفقهاء عدّلوا بعض الأحكام فهيّا بنا نعدل ما نشاء.
    والفقهاء – إن فعلوا ذلك فعلاً – فإنما لهم في ذلك سلف ودليل، ومنطلقات شرعية، لا نسوية.
    مجدداً، تحديد الهوية مطلوب، إما أن نكون مسلمين فنقبل بما حدده الله كحق لكل منا، فلا نقول قد سلب منا حق من الحقوق، وإما ألا نكون مسلمين وعليه فلا حاجة لدعوات تجديد الخطاب ولنجحد علناً !

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015