“سفيرة خليل” تقود درّاجة ناريّة في الريف السوري وتحطّم القيود النمطية
سفيرة خليل تبيع المنتجات على دراجتها (snacksyrian)

snacksyrian- هناك في ريف طرطوس البعيد تقود “سفيرة خليل” درّاجتها النارية غير آبهة بكونها ربما المرأة الوحيدة في هذا الريف التي تفعل ذلك في ظلّ حالة نمطية لطالما منحت دور “القيادة” للرجل، حتى ولو كانت “قيادة درّاجة نارية”.

قبل 32 عاماً بدأت “خليل” رحلتها كسفيرة لقيادة المرأة عبر درّاجة هوائية؛ كانت تستخدمها لتأمين احتياجات المنزل من السوق التجاري البعيد، وكذلك من نبع الماء الذي اعتادت النسوة حمل “جرارهن” نحوه وملئها والعودة بها على أكتافهنّ المتعبة من العمل الزراعي.

ربما لم تكن “خليل” تدرك أنها تكسر الصورة النمطية لدور المرأة ومهامها، لكنها فعلت ذلك بالفعل عندما انطلقت في عام 1995 على درّاجتها النارية وكسرت كلّ قيدٍ ممكن أن يُفرَض عليها.

سفيرة المثقّفة والبيئة المنفتحة

حصلت “سفيرة عبد الحميد خليل” على الشهادة الثانوية الفرع الأدبي عام /1980/، وكانت بانتظار الخوض بغمار الحياة الجامعية. لكن الظروف كانت أقوى من قدرتها على التحمّل، فوسائل النقل في قريتها “كاف الجاع” بريف القدموس كانت شبه معدومة، ولا يمكنها تحمّل مصاريف الإقامة في المدينة قرب الجامعة.

تقول خليل في حديثها مع سناك سوري: «علّمني أخي قيادة الدراجة الهوائية، لتخفيف معاناة تأمين حاجيات المنزل من السوق البعيد، وكذلك بالنسبة لتأمين مياه الشرب وتبديل أسطوانة الغاز. وبعدها قرّرت شراء درّاجة نارية (سنفور) ليسهل عليّ عمليات التنقّل وتأمين الحاجيات، وأذكر أني دفعت ثمنه /5000/ ليرة، ولم ألقَ معارضة من أحد نتيجة التحرّر من القيود الاجتماعية البالية والثقة بشخصيتي».

لقد وجدت خليل في مهارة القيادة التي تتقنها فرصة عمل لها، تُساهم فيها بتوفير دخل أفضل لأُسرتها وأُسرة أخيها المؤلفة من 11 فرداً. وذلك عبر العمل في تصريف منتجاتها الزراعية مستخدمةً الدرّاجة النارية.

لا تُخفي السيدة الستينة سعادتها بهذا العمل الذي تقوم به ولا تراه فقط وسيلة لتأمين الدخل بل تنظر له كرسالة إنسانية تتجاوز الحالة المادية وفق حديثها مع سناك سوري. فدورها تعدى أسرتها ليشمل عائلتها فقد كان لها مساهمة كبيرة في مساعدة أسرة شقيقها “رزق خليل” الذي يصفها بحديثه مع سناك سوري بالأم الثانية التي كان لها الفضل الكبير في نشأة الأبناء.

حظيّت “خليل” بدعمٍ كامل من عائلتها المنفتحة فكرياً وثقافياً وقبولها لقرارها بتحدّي جميع أشكال الحياة النمطية، بدايةً من الحصول على الثانوية العامة ضمن أقاصي ريف مدينة القدموس عام /1980/. إلى تجاوز صعوبات الحياة وصولاً إلى خلق فرصة عمل منتجة مختلفة عما هو شائع، وذلك بقيادة الدراجة النارية منتصف التسعينيات وتوظيفها لإيصال حاجيات وطلبات أهالي القرية.

تقول “خليل” لـ سناك سوري أنها في بداية عملها كانت تقوم بنقل  المنتجات الزراعية من أرض أُسرتها، كالعنب والتين والكرز والتفاح والجوز والخضار بمختلف أشكالها وبحسب مواسمها. وكان عملها محصوراً ضمن أحياء القرية القريبة منها وبلدة “القدموس” التي تُعدّ مركزاً تجارياً ريفياً لجميع القرى المحيطة.

وهكذا نشطت في عملها وبات يتطوّر بهدوء ليشمل تلبية حاجيات الناس من غير منتجاتها الزراعية، وتُشير إلى أنها كانت الوحيدة على مستوى المنطقة التي تقوم بهذا العمل وخاصةً قيادة الدرّاجة النارية.

تعمل “خليل” حالياً مع شقيقها في محلٍ تجاري يبيع المنتجات الريفية على طريق “القدموس مصياف”، وتبيع السمن البلدي والبيض ضمن سندويشة بخبز التنّور، كما تصنع الفطائر وخبز التنّور للمارّة.

وتضيف:«أقوم بايصال الطلبات على دراجتي دون خجل، وأتلقى طلبات الناس على الهاتف وأقوم بايصال حاجياتهم بزمن قصير وبتكاليف بسيطة لا تتعدّى قدرة الناس المادية. وغالباً أترك لهم حرية دفع القيمة التي يرونها مناسبة؛ فالبعض يدفع المال والبعض الآخر يدفع ما يتوفر لديه من منتجات زراعية أو غيرها كالبيض أو السمن البلدي. فالأمر بالنسبة لي لا يتعلّق بمجرد أداء عمل، وإنما هو عمل أقرب إلى الإنساني كشفاعة لي».

تروي لنا السيدة الستينية بعض المواقف التي مرّت معها :«أذكر من المواقف التي حدثت معي أنّ عجلة الدرّاجة النارية تعطّلت إحدى المرات بمنتصف الطريق. وتوجّب عليّ جرها مسافة طويلة للوصول إلى الكومجي. وهنا كان البعض يمر بجانبي ويعرض المساعدة بالجر بكوني أنثى ولكني لم أقبل. ولذلك تعلّمت صيانة أي عطل ميكانيكي مفاجئ بكل سهولة؛ كي لا يتكرر الموقف معي».

«لم تؤثّر أزمة المحروقات الحالية على عملي» تقول “خليل”: «لأنّ الدرّاجة اقتصادية جداً وقد حصلتُ لها على بطاقة تكامل، ليسهل عليَّ عملية شراء البينزين. لذلك عندما أجد فائض من المنتجات الزراعية، أقف وسط حديقة القدموس على الدراجة، وأبيعها دون أي حرج. على العكس تماماً؛ أتغاضى عن كلّ النظرات العابرة أو الكلمات المؤثّرة. وكذلك أجمع طلبات الزبائن بطلب واحد؛ لتخفيف الأعباء المادية عليهم، علماً أن الأسعار التي أتقاضاها رمزية جداً».

تحلّت “سفيرة خليل” خلال الحديث معها بالمحبة والابتسامة الجميلة والروح المرحة والصوت العذب الذي أضفى كل الجمال على ما ورد في مقالنا أعلاه ونرجو فيه رؤية مسيرة هذه السيدة المناضلة المخلصة لما أمنت به.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

سفيرة خليل تبيع المنتجات على دراجتها (snacksyrian)

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015