سوريا.. نساءٌ لم يسمعنَ بيومهنّ “العالمي” وأخرياتٌ لا يكترثن له!
مخيم اليرموك 2018، سيدة سورية تنظرُ إلى بقايا منزلها

موقع (يوميات قذيفة هاون في دمشق) الإلكتروني- تشيحُ ريم كدّو بوجهها، وتُكمل عملها دون اكتراث فور سماعها عبارة “يوم المرأة العالمي” وتقول ساخرة “معرفتي لهذا اليوم لم يضف شيئاً لحياتي، حاله حال عيد الشجرة.. لا يعني لي أيّ شيء”.

تنحدرُ السيدة الأربعينية من مدينة دير الزور شرق سوريا، وعاشت فيها سنوات طويلة (بما فيها سنوات الحصار) قبل أن تنتقل للحياة والعمل في دمشق، لكن ذاكرتها عن نساء المنطقة الشرقية لم تكن مثقوبة، بل حملت الكثير من معاناتهم وقهرهم، وتقول ريم بنبرة واثقة “بكلّ تأكيد، كثير من النساء في الأرياف لا يعرِفن شيئاً عن هذا العيد، وبصراحة أنا والكثيرات من رفيقاتي لم نسمع بهذا اليوم إلا منذ أربع أو خمس سنوات”.

وازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي السورية خلال الأسبوع الماضي بمئات التغريدات والمنشورات التي تتحدّث عن “يوم المرأة العالمي”، معظمها دعم المرأة وشجّعها، وبعضها كان تهكّمياً أو ساخراً، بالإضافة إلى مقالات التنظير والتحليل والشرح التي تبيّن حقوق المرأة، وتقارن حالتها مع حالات النساء في البلدان المجاورة.

إلا أنّ هذه المقارنة مرفوضة بالنسبة لريم التي تعمل في أحد المراكز التعليمية لساعاتٍ طويلة، وتُعيل أسرتها وتربّي ابنها. وتصف وضع المرأة في أرياف البادية بالـ “مُزري” وغير القابل للمقارنة مع الرجل، وتقول “لا يوجد صراع بين النساء وبين الرجل في أرياف شرق البلاد، هنّ مستسلمات لقدرِهن ولم يصلن بعد لمرحلة المواجهة أو الصراع مع الرجل”.

حقّ العمل!

يختلف السوريون في تحديد حقوق المرأة ومساحتها باختلاف الجغرافيا والبيئة التي ينحدرون منها، فقد يجد البعض أنّها أخذت ما يكفي من حصّتها، ويرى آخرون أنّ طريق نضالها الطويل من أجل حقوقها لا زال في أوله. وبين هذا الجدال وذاك، نساءٌ سوريات خارج دائرة الاهتمام والضوء والتغطية، في أرجاء البلاد المترامية التي تقطّعت بفعل النزاع الدائر منذ سنوات، لا سيما في المناطق الشرقية التي عانت قبل العام 2011 من التهميش والتغييب، وتعاني اليوم من استمرار الحرب وعدم الاستقرار.

ولعلّ الصراع الدموي في البلاد قد حمّل المرأة أعباءً إضافية، فقد تكبّدت مشقّة العمل خارج المنزل، رغم أنّ “حقّ العمل” هو واحدٌ من الحقوق التي لطالما نادت بها نساء البلاد.

وترى مسؤولة التواصل في راديو سوريات، رنا الشيخ علي، أنّ عمل المرأة حالياً قد توسّع نتيجة الحرب، وليس تطوّراً فكرياً مجتمعياً، وتشرح “لا يُمكن أن نسمّي عمل المرأة الحالي هو تمكين، لأنه ليس خياراً لها، بل أمرٌ تضطرّ إليه لتعوّض غياب الرجل”.

وتمتهنّ المرأة السورية حالياً العديد من الأعمال التي لم يسبق لها أن خاضتها، مثل قيادة سيارات الأجرة، والمشاركة في عمليات البناء، ومحلات البيع المكتظّة، وحتى مهن إصلاح الشاحنات، وتؤكّد رنا أنّ المرأة لم تخرج إلى سوق العمل بل اقتيدت إليه مرغمةً في كثيرٍ من الأحيان.

أما في دمشق، فقد حظي عيد المرأة باحتفالٍ استثنائي، لكن على صفحات التواصل الاجتماعي، ولم يكن له أثرٌ حقيقي في الشارع، إلا من خلال أصوات مذيعات الراديو في السرافيس وبعض المحلّات أو المنازل.

كما خصّصت وسائل الإعلام المحلية فقراتٍ عديدة للاحتفاء بالمرأة، واستقبلت العديد من الناشطات والحقوقيّات للحديث عن النساء وحقوقهنّ، بطريقةٍ شكّلت استفزازً للبعض، وكأنّ للمرأة يوم واحدٌ فقط في السنة!

ففي هذا اليوم “الاستثنائي”، لم تجد المُدَوّنة يارا توما خيراً من أن تتعاطف مع “الرجال”، وكتبت في منشور على صفحتها على فيسبوك ”بهاليوم، أنا -كامرأة – أكتر تعاطفاً مع كل رجل.. خسر وظيفتو أو مصدر رزقو أو شقا عمرو بالأزمة، وخسر معهن كلمتو بالبيت.. أو طلع الصبح مع قنّينة غاز فاضية، ورجع فيها المسا.. فاضية”.

وتُعاني الكثير من الأمهات والأخوات والحبيبات من فَقْد رجالهنّ نتيجة الهجرة أو اللجوء أو توزّع الشباب على جبهات القتال.

ماذا ينقصُ المرأة السورية؟

تنظرُ فرح سلامة إلى عيد المرأة على أنّه انتقاصٌ من قدرها، وليس تكريماً لها، وترفضُ أن تحتفي فيه لأنّها أنثى، وتمنّت لو أنّ هناك “عيدٌ للإنسان بغضّ النظر عن كونه أنثى أو ذكر”.

وتشرحُ فرح التي تقطنُ في منطقة القصّاع بدمشق “ما تحتاجه المرأة السورية، هو ما يحتاجه أيّ مواطن سوري، لظروف إنسانية أفضل، ولحياة كريمة، كلّنا بحاجة لبيئة صحية وآمنة، ليس فقط النساء”.

وأما عن ما ينقص النساء السوريات تقول فرح (33 سنة) بدون تردّد “الرجال.. ما ينقصنا اليوم هو الرجال.. لقد أكلت الحربُ كثيراً منهم”.

مخيم اليرموك 2018، سيدة سورية تنظرُ إلى بقايا منزلها

مخيم اليرموك 2018، سيدة سورية تنظرُ إلى بقايا منزلها

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015