شرعنة السلطة الأبوية على المرأة تؤسّس للزواج القسري
الزواج القسري

أميرة فكري/ alarab- خلصت دراسة صادرة قبل ثلاث سنوات عن الاتحاد النسائي العربي بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أنّ أكثر من نصف الفتيات العربيات أصبحن يخترن من يتزوجن، وعكس ذلك وقتها حجم الارتفاع في منسوب الوعي الأسري حول مزايا حرية المرأة في اختيار شريك حياتها بحثاً عن مستقبل آمن وحياة عائلية مستقرة.

وأثار مؤخراً قانون الأحوال الشخصية المصري الذي يمنح الأب أو وكيل المرأة حقّ المطالبة قضائياً بفسخ عقد زواجها إذا زوّجت نفسها شخصاً غير كفء دون العودة إلى أُسرتها، جدلاً واسعاً في صفوف النساء، خاصةّ وأنه لم يحدّد تدقيقاً للمقصود بالكفاءة، ولم يمنح القانون الجديد أي سلطة للفتاة للاعتراض على قرار ولي أمرها أمام القضاء، أو الطعن في مبرراته.

واليوم تواجه الحكومة المصرية غضباً نسائياً ضد نصوص قانون الأحوال الشخصية الذي قدّمته إلى مجلس النواب أخيراً، ويتضمن مادة تتيح لولي المرأة أو وكيلها أوالمسؤول عنها المطالبة قضائياً بفسخ عقد زواجها إذا زوّجت نفسها شخصاً غير كفء دون العودة إلى أسرتها للحصول على صكٍّ بالموافقة؛ لمجرد أن عائلتها قالت إنه لا يناسبها.

ويُفضي الربط بين الدراسة والقانون إلى حقيقة مفادها أنه في أحيان كثيرة تكون التشريعات عائقاً أمام تحقيق الاستقرار الأسري، لمجرد أن ما جرى يُخالف الأعراف والعادات والتقاليد السائدة في مجتمعات عربية يُجاهد فيها الشباب والفتيات للتحرّر من الهيمنة الأبوية على قراراتهم، خاصةً في ما يتعلّق باختيار شركاء حياة مناسبين.

ويجعل وضع مادة خاصة في قانون مصيري مثل الأحوال الشخصية تجعل اختيار الزوج حقاً أصيلاً للأسرة لا للفتاة. النصّ يفتقد للحد الأدنى من الرشادة، لأنه يجعل المرأة أسيرةً لقرار وليّ أمرها في انتقاء من ترتاح له في حياتها الزوجية ويكون أميناً عليها.

ومعضلة النصّ المثير للجدل أن السلطة الأبوية على المرأة عند اختيار شريك حياتها تنتقل من العُرف إلى التشريع بقانون، فكثير من الفتيات يؤيّدن الاستقلال بقرار الزواج ولا يملك أيّ فرد التدخّل في ذلك.

ويمنح النصّ القانوني وكيل المرأة مبررات واهية يستند عليها في تعطيل زواجها من أيّ شخص تقبل أن يكون شريك حياتها، كأن يكون غير كفء دون وضع تعريف محدد ومعايير واضحة لمسألة الكفاءة مادية كانت أم اجتماعية، وعلى أي أساس يمكن أن يحدّد الولي الأمّي الذي لم يتعلم كفاءة الشخص الذي اختارته فتاة جامعية واعية.

ويرى متابعون للجدل الدائر حول القضية أن الرفض الواسع لتكريس السلطة الأبوية على المرأة عند اختيار شريك الحياة بنصّ قانوني، لا يعني تحريض الفتيات على أسرهن، بقدر ما يهدف الضغط إلى إلغاء المادة من القانون كليّاً وترك المسألة بين المرأة وعائلتها قائمة على التفاهم، لا امتلاك كلّ طرف أوراق ضغط على الآخر وتحويل العلاقة بينهما إلى عناد وصراع.

ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن إرغام الفتاة من جانب عائلتها على الزواج من شخص لم تختره أو تقبل العيش معه، لا يمكن أن يؤسس لحياة أسرية مستقرة، لأن العلاقة الزوجية يفترض أن تكون قائمة على التفاهم والتوافق النفسي والعاطفي والاستعداد للتضحية من أجل حياة سعيدة، وهي معايير لا تتوافر عند إجبار المرأة على الزواج.

قالت عبير سليمان، وهي ناشطة حقوقية في قضايا المرأة، لـ(العرب) إنّ “جعل الحياة الزوجية للفتاة رهينة لوجهات نظر أسرتها تكريس للزواج القسري. وانتقال معايير كفاءة شريك الحياة من صاحبة الحقّ الأصيل إلى وكيلها، ومنحه حرية التصرّف في فسخ العقد يفتح باباً واسعاً للمكايدة واستهداف النساء وسلب حرية انتقاء أزواجهنّ، والإجبار على الزواج بشخصٍ بعينه؛ يكرّس الاغتصاب الزوجي وقد يدفع إلى الخيانة”.

والمعضلة الأكبر أن معايير كفاءة الزوج عند أغلب الأسر العربية، لا المصرية على وجه التحديد، تخضع إلى مسائل اقتصادية واجتماعية بالأساس بدعوى تأمين حياة الفتاة مستقبلاً، وانتقاء شريك حياة تكون لديه مقدرة مادية على توفير احتياجاتها، ويكون منتمياً لعائلة تعيش في مستوى اجتماعي معقول أو مثالي كنوع من الوجاهة والتفاخر.

ولا تُعير الأسر المسائل العاطفية والراحة النفسية اهتماماً، وهناك عبارة تكاد تكون ثابتة على ألسنة الآباء والأمهات لتبرير مواقفهم بأن “الحبّ سيأتي بعد الزواج”، أيّ أن المعايير التي صارت أغلب الفتيات تحدّدها في شريك الحياة تتناقض بشكل كلي تقريباً مع تلك التي تضعها الأسر بشأن الزوج الذي سيوافقن على قبوله، وهنا مكمن الخطورة في القانون.

وحدّد التشريع الجديد شرطاً واحداً يُعيق ولي المرأة عن فسخ عقد الزواج؛ وهو أن تكون حاملاً أو أنجبت أطفالاً، وهنا يُطرح سؤال ماذا لو حدثت مشكلة بين الأسرتين بعيداً عن الشاب والفتاة، واختلفتا لأيّ سبب؟ كيف يمكن حماية الزوجين من بطش “الولي” إذا قرّر اللجوء إلى القضاء لفسخ العقد بدعوى أن خطيب أو زوج ابنته ليس (كفء)؟

ولم يمنح القانون الفتاة أيّ سلطة للاعتراض على قرار وليّ أمرها أمام القضاء أو الطعن في مبرراته، في تكريسٍ لفرض الولاية على المرأة حتى بأهم قراراتها وهي الزواج، رغم أن دار الإفتاء المصرية ومؤسسة الأزهر قالتا صراحةً إن إجبار الأنثى على الارتباط بشابٍ بعينه يجعل عقد الزواج مطعوناً فيه ولا يكتسب الشرعية الإسلامية التي حدّدها الدين.

وإذا كان الرأي الديني صريحاً في رفض الوصاية الأبوية على اختيار الفتاة لزوجها، فهناك موروثات دينية متشدّدة زرعها متطرّفون معروفٌ عنهم العداء المطلق لتحرّر النساء من العادات والتقاليد البالية، كأن تجد أباً يبرّر تشدّده في اختيار رجلٍ بعينه لابنته، بأنّ الله أمره بانتقاء الأصلح لها، وسوف يُحاسب عنها يوم القيامة.

وأكّدت سليمان، وهي أيضاً محامية في القضايا الأسرية، أنّ كفاءة الزوج حقٌّ أصيل لأيّ فتاة، وإلا تحوّلت الحياة الأسرية إلى حلبة صراع تمهّد الطريق للطلاق، والمرأة التي تعلّمت وانخرطت بين ثقافات كثيرة ومرّت بتجارب عديدة إلى حين بلوغها أو تخرّجها من الجامعة، بإمكانها التمييز بشكل جيد بين ما هو في مصلحتها وبين ما لا يناسبها ولايتقاطع مع شخصيتها.

ويخشى متخصصون في العلاقات الأسرية أن يكون تكريس السلطة الأبوية في اختيار شريك الحياة سبباً في تصاعد لجوء الفتيات إلى الزواج السرّي، بذريعة وضع الأسرة أمام الأمر الواقع، حفاظاً على مصلحتهنّ، ولتجنّب أن يحملن لقب مطلَّقات وهنّ في سنٍّ صغيرة، وهناك حوادث كثيرة لذات الأسباب بطلاتُها فتياتٌ في مدارس وجامعات.

صحيح أن بعض الزيجات التي تأسست على علاقات عاطفية متسرّعة انتهت بالطلاق، لكن فكرة احتكار الأسرة للرأي بعيداً عن وجهات نظر الفتاة ومشاورتها في القبول أو الرفض أو الضغط عليها وترهيبها بالحرمان من الميراث والطرد والمقاطعة لإجبارها على شابٍ بعينه، ستجعل حياتها تعيسة.

والأَولى سنُّ تشريعٍ يُعاقب العائلة على ذلك؛ لا أن يقوّي شوكتها ويكرّس وصايتها على النساء.

وهناك من يهوّن من خطورة ذلك، لكن تكفي الإحصائية التي صدرت مؤخراً عن محاكم الأسرة المصرية للوقوف على التداعيات السلبية لسلب الفتاة الحقّ في اختيار زوجها بحرية من جانب ولي أمرها. فقد بلغت نسبة المطلَّقات اللاتي أقدمن على الانفصال بسبب الزواج بالإكراه 52 في المئة، وهي كفيلة بحتمية تغيير قناعات العائلات تجاه احترام قدسية قرار الزواج.

الزواج القسري
الزواج القسري

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015