صرخات أحلام: تأملات في اضطهاد المرأة وإهدار الإنسان العربي
العنف ضدّ المرأة العربية

سامح المحاريق/alquds- استيقظ الأردن على جريمة بشعة راحت ضحيتها امرأة أربعينية، في واحدة من ضواحي العاصمة، القاتل كان الأب، الذي قام بذبحها وانهال بحجر على رأسها لتحطيمه، وأثناء فترة احتضارها التي ترافقت بصرخات أليمة، كان الأب جالساً لمتابعة الأمر، وهو يحتسي كوباً من الشاي.

«الدم ما بصير شاي» كان الشعار الذي انطلقت تحته تحركات اجتماعية كان أكثرها صخباً حملة تطوّرت إلى اعتصام حاشد أمام مجلس النواب، للمطالبة بإلغاء أو تعديل جملة من المواد القانونية، التي تتيح لكثير من الجناة ثغراتٍ تمكّنهم من الإفلات من العقوبة، بما يشجّع ضمنياً على ممارسة العنف ضد المرأة، وعلى الرغم مما لاقته الحملة من تشجيع من أوساط كثيرة في المجتمع الأردني، إلا أنها أثارت أيضاً رد فعل يرفضها ويهاجمها ويشيطنها ويصر على إدانة الضحية في قضايا العنف الأسري.

لحظة المرأة الأردنية لا تختلف كثيراً عن غيرها في الشرق العربي، فالعنف والانتهاك ضدّ المرأة يكاد يصبح واقعاً يومياً، وتقترب الدول العربية في واقعها الراهن، بعد سنوات من الصعود الإيجابي للمرأة خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، من دول أخرى متشدّدة تجاه المرأة مثل باكستان والهند وأفغانستان، بما يجعل الأمر يستدعي كثيراً من التمهّل قبل إطلاق الأحكام حول أسبابه.

الكتلة التي تناهض تعديل القوانين، والتقدّم بمزيد من الإجراءات الحمائية تجاه المرأة المعنَّفة ليست كبيرة وحسب، ولكنها جسيمة أيضاً، بما يعني أن أي عمل ديمقراطي في اتجاه تعديل القوانين سيتم إجهاضه أساساً من خلال المشرّعين النيابيين، الذين يمثّلون الكتلة الأوسع، وهي الكتلة صاحبة الفعل السياسي، أما الطبقة الوسطى بكل استرخائها وعزوفها عن المشاركة، فالواضح أنها غير مستعدة أصلاً سوى لصراعها من أجل المحافظة على مواقعها، وتأمين شروط حياتها الاعتيادية، أين تكمن المشكلة، ومن أين يمكن المباشرة بالحل؟

الأردن وغيره من البلدان العربية، يُفرط في مخادعة النفس في ما يتعلّق بالمرأة، ويعتقد أن نظام الكوتا وتخصيص بعض مواقع المسؤولية للمرأة من شأنه أن يؤدّي إلى تحسين وضعية المرأة، مع أنّ ما يقدّمه من نماذج لا ترقى، من الأصل، لتمثيل المرأة ولإثبات جدارتها، فلم تترك سوى قلة من النساء المشاركات في هذه المواقع، ما يعزّز ثقة المجتمع في المرأة، وكغيره من الدول العربية أيضاً، فإنه ينصرف عن خوض عملية التغيير والإصلاح من القاعدة العريضة.

من بين عيوب كثيرة لأنظمة مرحلة الاستقلال العربي، يمكن التطلّع إلى وضع المرأة بوصفه إحدى الإيجابيات القليلة، ففي جزائر هواري بومدين وعراق عبد الكريم قاسم، حظيت المرأة بفرص واسعة للتعليم والعمل، والغطاء القانوني، الذي يحقّق للمرأة تقدّماً نوعياً بمقاييس ذلك العصر، ويدفع ذلك للتساؤل عن وجود المشروع الوطني الشامل الذي يمكنه أن يوحّد المجتمع أصلاً، وأن يجعله يمنح الثقة في رؤية السلطة، ومن دون وجود المشروع الوطني الذي يفتح باباً للمشاركة والانخراط، فإن السعي لتحسين الأوضاع سيقوم دائماً على أسس فئوية، فالمرأة ستطالب، والعمال سيطالبون، والمعلمون والأطباء، والإشكالية أن هذه المطالب قد تتعارض ويمكن أن تثير المجتمع لمزيد من الاستغلاق والتوتر.

يجب تعديل القوانين التي تتساهل مع العنف تجاه المرأة، ولكن لنصل إلى ذلك، يجب أن تزيد مشاركة المرأة السياسية، وذلك جزء من مشروع إصلاح سياسي أوسع، فالمرأة الممثَّلة بصورة حقيقية في المجالس التشريعية هي التي تستطيع أن تقود تغيير المشهد بأكمله، وللوصول إلى ذلك يجب تشجيع المشاركة السياسية، أما أن يكون ثمة انفصال بين البنية الفوقية، التي تمثّلها جموع النساء الناشطات في ما يمكن تسميته بحركة نسوية أردنية، أو عربية بشكل عام، والقاعدة العريضة من النساء المعرَّضات للعنف فذلك سيضر القضية بأكملها.

في واحدةٍ من أوجه الخلط التي تبدي خطورة ما يحدث، هو الاحتجاج على المجتمع الأبوي، مع أن أكثر المجتمعات العربية تحيّزاً للمرأة في تونس الحبيب بورقيبة كانت مجتمعاً أبوياً طغيانياً اعتيادياً، والحديث عن المجتمع الأبوي في هذه المرحلة يكاد يتزامن بطريقة، لنفترض حسن نواياها، مع انسحابية الدولة من دورها في الرعاية لتترك العالم إلى حلوله الفردية، وكأنه جزء من مشروع الليبرالية الجديدة، فالمجتمع الأبوي يتطوّر تجاه مجتمع ديمقراطي والمجتمع الديمقراطي في ظرفه الراهن، بقياس حجم المؤيدين والمعارضين لمزيد من القوانين التي تدعم المرأة، قد يؤدّي إلى مفارقة غريبة تضع المزيد من القيود على المرأة، فالمطلوب هو ديمقراطية كاملة تتعامل مع القاعدة المؤثرة، وتدفع بالمرأة المضطهَدَة والمهمَّشة للمطالبة بحقوقها من دون وسطاء أو وكلاء.

صرخات أحلام ستبقى شاهدة على استهانة مقيتة بالمرأة وعلى عنف لا يمكن، ويجب عدم تبريره، وقبل ذلك شاهدة على تغييب القانون بوصفه قيمة يجب أن تحضر في حياتنا، والإنسان بوصفه أسمى قيمة، وأحلام قضية مجتمع بأكمله، ثقافة بأسرها، شعوب بماضيها ومستقبلها، لا مجرد قضية نسوية.

شعوبٌ يجب عليها أن تنحاز للعمل والمعرفة لا أن تركن لمقولات «ما لهذا خلقنا» مع أنها في الوقت نفسه وللأسف تتغنّى «فنجهل فوق جهل الجاهلينا».. شعوبٌ يجب أن تناضل من أجل مكان تحت الشمس، فصرخات أحلام الموجعة هي التي وصلتنا، وغيرها ملايين من الصرخات تعلو وتكبت كل يوم، من دون أن نسمعها أو نلتفت لها.

العنف ضدّ المرأة العربية

العنف ضدّ المرأة العربية

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015