“ضيعتونا ضيعتونا.. اعطونا قانون يحمينا” ضحايا التحرش في موريتانيا
مريم ترفض ظهور وجهها

السالك زيد/ رصيف 22- “ضيعتونا ضيعتونا… اعطونا قانون يحمينا” هذا ما كانت عائشة حمادي ذات الـ23 سنة وصديقاتها يردّدنه في مكبر صوت، أمام مبنى البرلمان في العاصمة نواكشوط لمناسبة اليوم العالمي للمرأة منذ أسابيع.

“أطلقنا حراكاً سمّيناه حراكهنّ من أجل المطالبة بقوانين تحمي المرأة من أشكال العنف الجنسي”. بهذه الجملة، اختصرت الوقفة أمام البرلمان. لكنّ هناك أسباباً جعلت عائشة قائدة هذا الحراك.

خلال الأشهر الأخيرة من عام 2017، بدأ مُعد هذا التقرير إعداد تقرير حول التحرّش الجنسي في موريتانيا، في ظلّ غياب قوانينٍ تجرّمه، وصمت المجتمع عنه. ولكن الصعوبة بالنسبة إليه كانت تكمن في الوصول إلى ضحايا. ففي مجتمع تقليدي مثل موريتانيا، ما زالت موضوعاتٌ كثيرة تعتبر من التابوهات، التحرّش الجنسي منها. وضحايا التحرّش من الفتيات والنساء يشعرن بالخوف من نظرة المجتمع في الغالب، لذلك لا يتحدثن عن تجاربهنّ إلا في مجالس مغلقة بين الصديقات، أو إلى شخصٍ مقرّب يرمي الأسرار في قعر بئرٍ عميقة.

ولكي يصل إلى ضحايا العنف الجنسي، نشر استبياناً عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، يكفل للضحية التحدّث عن تجربتها بسريّة تامة، وباسمٍ مستعار إن أرادت، ويمكن أن تضيف وسيلة اتصال لها تمكّنه من اللقاء بها إذا كانت راغبةً في ذلك.

الضحايا يعانين بصمت  

عائشة حمادي كانت من بين المشاركات اللاتي كتبن أسماءهن الحقيقية، وأرقام هواتفهن. عندما التقى الكاتب بها لأول مرة أواخر العام المنصرم، قصّت تجربتها مع التحرّش، وأكّدت أنها مستعدّةٌ للحديث بوجهٍ مكشوف أمام الكاميرا.

“كنت ذاهبةً إلى مقر الولاية من أجل تصديق شهادة جنسية، سألت الحارس وكان يرتدي بزةً عسكرية عن مكان التصديق، قال لي تعالي سأريك إيّاه ثم طلب مني أن أتقدّمه، بعد ذلك شعرت بيده تلامسني من الخلف”.

وتضيف: “عندما عرفت أنه تعمّد فعل ذلك، نظرت إليه وقلت له ماذا تفعل؟ نظر إلي ببرود أعصاب، وقال لم أفعل أي شيء، فقلت له: أنت تحرّشت بي! نفى وأنكر ووقف الجميع معه ضدّي حتى من لم يروا الحادثة، واتهموني بابتزازه”.

عشراتٌ شاركن في الاستبيان، منهن من قلن أنهن يتحدثن للمرة الأولى عن الأمر، فيما رفضت كثيراتٌ اللقاء وجهاً لوجه، قبلت واحدةٌ أخرى أن نلتقي بها من دون إبراز وجهها أو اسمها الحقيقي، خوفاً على أسرتها. أسميناها مريم وهي في الـ26، وقد تعرّضت للتحرّش عندما كانت عائدةً من  الجامعة، وكانت حينذاك في الأشهر الأولى لزواجها.

“ركبت معه وتقدّمنا قليلاً بدأ يقول لي، أنت جميلة، أنت جذابة، يجب أن نلتقي، كنت جالسةً في الخلف متجاهلةً كلامه، إلى أن وصلنا إلى مكانٍ الحركة فيه قليلة، توقّف وحاول أن يلمسني من بين المقعدين الأماميين، طلبت منه مراراً أن يتوقف، لكنه استمر وأنا أقاوم، في النهاية فتح لي الباب وطلب مني النزول، فنزلت وأنا أبكي”.

تنوّعت حالات التحرّش التي تعرّضت لها من شاركن في الاستبيان واختلفت أماكنها، لكن الضحايا أجمعن على أنهن لم يخبرن أحداً.

تقول مريم: “اتصلت على أخي وقلت له أن يأتي فوراً، لكنني لم أخبر أحداً بالحادثة، خفت من ردّ فعله ومن ردّ فعل المجتمع، لكن الحادثة لا تفارق ذاكرتي”.

جريمة من دون عقاب 

عام 2015، حدثت ضجةٌ كبيرة في البرلمان والمجتمع الموريتاني بشكل عام، بسبب مشروع قانونٍ عُرِف باسم “قانون النوع” تمّ اقتراحه من المجتمع المدني. كان القانون الأول من نوعه الذي تتمّ مناقشته في البرلمان، حيث يعطي تعريفاً واضحاً للتحرّش وأشكال العنف الجنسي ويحدّد عقوباتٍ للمدانين بتلك الجرائم.

لكن البرلمان رفض مشروع القانون بحجّة مخالفة موادٍ منه الشرعَ، من بينها سجن من يزوج ابنته وهي تحت 18 سنة.

والقانون الجنائي الموريتاني ليس فيه أي مادة تتكلم عن التحرّش ولا يحدّد عقوباتٍ لمرتكبيه.

يقول المحامي محمد المامي ولد مولاي علي لرصيف22: “لقد طالبنا أكثر من مرةٍ بإفراد نصّ قانونٍ يفصّل ويقدّم تعريفاً لجرائم الاعتداءات الجنسية، وتحديد عقوبات رادعة، لكن حتى الآن لم يحصل أي شيء”. ويضيف: “ضحايا الاعتداء الجنسي يمكن أن يتقدمن بشكوى عند الشرطة أو وكيل الجمهورية تحت بند تعرضهنّ لانتهاك حرمات الله وفق ما تنص المادة 306 من القانون الجنائي”.

حراك نسوي يظهر على الساحة 

بعد ما يناهز الخمسة أشهر من لقاء الكاتب مع عائشة في مكانٍ عام، التقاها مرةً أخرى في وقفة الناشطات أمام البرلمان، وكنّ يطالبن بقانونٍ يحمي المرأة الموريتانية من الاعتداءات الجنسية. كانت عائشة حمادي تحمل مكبّر صوت في الوقفة وتردد شعاراتٍ تطالب البرلمان بسن قانونٍ يحمي المرأة فيما تردد المشاركات في الوقفة الشعارات خلفها.

الوقفات المطالبة بالقوانين كانت ظهرت بقوة عام 2015، عندما اغتُصبت فتاتان في مقتبل العمر وأحرقتا في منطقتين متفرقتين من نواكشوط. لكن تلك الوقفات التي شارك فيها عدد من الناشطين الشباب، وجابت شوارع نواكشوط، اختفت شيئاً فشيئاً إلى أن غابت تماماً.

هذه المرة، يظهر حراكٌ جديد ينشط على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى أرض الواقع، هدفه حماية المرأة ومساواتها مع الرجل.

تقول عائشة: “كان هذا أول نشاطٍ لنا وهو لمناسبة الثامن من مارس، أردنا نبعث برسالة إلى الدولة والمجتمع مفادها أنه حان الوقت للمساواة وحماية المرأة، وسنواصل نشاطاتنا”.

المجتمع المدني في موريتانيا، خصوصاً المنظمات التي تدافع عن المرأة لا تزال تعمل للضغط على الدولة من خلال البيانات والمشاركة في الندوات والبرامج التي تناقش هذه الموضوعات.

لا أرقام ولا مراكز للدعم 

طوال إعدادي هذا التقرير منذ نهاية عام 2017 وحتى الآن، لم أعثر على إحصاءاتٍ رسمية أو غير رسمية حول ظاهرة التحرش، فالضحايا لا يتقدمن بشكاوى، ولم أجد أيّ جهةٍ تقوم برصد الحالات سراً أو علانيةً، حتى مراكز الدعم النفسي التي تغيب عن المجتمع.

“ما زلت حتى الآن أستيقظ ليلاً مفزوعةً، وتراودني كوابيس بسبب تلك الحادثة”، بهذه الجملة اختممت مريم حديثها معي.

من طريق الاستبيان استطعت الوصول إلى 50 ضحية، وهو عدد المشاركات فيه، وقد أخبرتني كثيراتٌ بقصص صديقاتٍ لهن تعرضن لحوادث أكبر، إلّا أنهن رفضن المشاركة، وفضلن العيش مع سرّهن. وهنّ يرجعن ذلك إلى خوفهن من حكم المجتمع الذي يجعل ضحية الاعتداءات الجنسية غالباً هي المسؤولة عما حصل لها، لتكون بذلك ضحيةً مزدوجةً للاعتداء ولنظرة المجتمع بسب غياب القانون.

هناك أمل 

جاءت الشرطة إلى الوقفة التي كانت تشارك فيها عائشة بعد ثلاثين دقيقة من بدايتها، وأمرت المشاركات فيها بالتفرّق “لقد أوصلتن رسالتكن، الآن عليكن الرحيل فالوقفة غير مرخّصة.”، “لملمت المشاركات الشعارات التي كنّ يحملنها وغادرن ساحة مبنى البرلمان” تقول لي عائشة وهي تغادر المكان عينه قائلةً “الآن قمنا بخطوتنا الأولى، وحراكنا سيستمر حتى تتحقق المطالب، ولدينا أمل بتحقيق مطالبنا على أرض الواقع”.

وفي انتظار ذلك اليوم الذي تتحق فيه مطالب المرأة الموريتانية، تبقى ضحية التحرّش تعاني في صمتٍ وتبقى الأرقام مجهولةً، على الرغم من قول ناشطات المجتمع المدني أنها مرتفعة.

مريم ترفض ظهور وجهها

مريم ترفض ظهور وجهها

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015