عمل المرأة غير مدفوع الأجر
عمل المرأة غير مدفوع الأجر

كريستالينا جورجييفا & كريستيان ألونزو & إيرا دابلا & كالبانا كوشهار/ aleqt- نحو نصف العمل الذي يؤديه العاملون حول العالم عمل غير مدفوع الأجر، والجانب الأكبر منه تقوم به النساء. ولا يقتصر هذا الخلل على حرمان المرأة من الفرص الاقتصادية، بل إنه مكلفٌ أيضاً للمجتمع من حيث انخفاض الإنتاجية وضياع فرص النمو الاقتصادي.

وبالتالي فإن التوزيع العادل للعمل غير مدفوع الأجر لن يعود بالنفع على المرأة فحسب، لكنه سيؤدي أيضاً إلى زيادة كفاءة القوة العاملة وتقوية الاقتصادات. ولهذه الأسباب، فإن الحدّ من الاختلالات الجنسية هو أحد عناصر “أهداف التنمية المستدامة” التي وضعتها الأمم المتحدة.

ومن أمثلة العمل غير مدفوع الأجر الطهي والتنظيف وجلب الطعام والمياه ورعاية الأطفال والمسنين. ولا تُعدُّ هذه المهام جزءاً من النشاط الاقتصادي نظراً لصعوبة قياسها استناداً إلى القيم السوقية. غير أن قيمتها الاقتصادية كبيرة، حيث تراوح قيمتها التقديرية بين 10 و 60 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.

وفي دراستنا نهاية عام 2019، خلصنا إلى تراجع العمل غير مدفوع الأجر مع ازدياد التطور الاقتصادي، وهو ما يرجع على وجه الخصوص إلى قلة الوقت المتاح للقيام بالأعمال المنزلية. وقد تتسبب المؤسسات والقيم الاجتماعية في تقييد إعادة توزيع العمل غير مدفوع الأجر بمنع الرجل من اقتسام أعباء العمل المنزلي.

لا يخفى على أحد أن المرأة تتحمّل الجانب الأكبر من العمل غير مدفوع الأجر. لكنّ الأمر غير المفهوم كما ينبغي هو عدد ساعات العمل غير مدفوع الأجر التي تمضيها المرأة في اليوم الواحد أكثر من الرجل. فالمرأة حول العالم تعمل 4.4 ساعة من العمل غير مدفوع الأجر في المتوسط، بينما لا يمضي الرجل سوى 1.7 ساعة في هذا العمل.

وهناك فروق كبيرة بين البلدان المختلفة؛ ففي النرويج نجد الفجوة ضيّقة، حيث تعمل المرأة 3.7 ساعة من العمل غير مدفوع الأجر، بينما يُسهم الرجل بعدد ثلاث ساعات. ومن الناحية الأخرى، تُمضي المرأة في مصر 5.4 ساعة يومياً في العمل غير مدفوع الأجر، ولا يمضي الرجل سوى 35 دقيقة فقط. وفي الولايات المتحدة، تُمضي المرأة 3.8 ساعة في العمل غير مدفوع الأجر، ويمضي الرجل 2.4 ساعة.

إن عدم إشراك المرأة مشاركة كاملة في قوة العمل يؤدّي بالاقتصاد إلى سوء توزيع موارده، حيث يجعل المرأة تؤدّي المهام منخفضة الإنتاجية في منزلها بدلاً من الاستفادة من إمكاناتها الكاملة في السوق. كما يخسر الاقتصاد أيضاً فرصة الاستفادة من علاقة التكامل بين الرجل والمرأة في موقع العمل. وتكون نتيجة ذلك انخفاض الإنتاجية وانخفاض معدّل النمو الاقتصادي.

هذه الفجوة بين الجنسين في العمل غير مدفوع الأجر لا تتسم بانعدام العدالة فحسب، بل إنها تتسم بانعدام الكفاءة على نحوٍ واضح. ومن المؤكّد أنّ هناك بعض الأعمال غير مدفوعة الأجر تتم بمحض الاختيار، ولا يمكن لأحدٍ أن يعترض على القيمة التي تعود على المجتمع من تربية الأطفال. لكنّ أكثر من 80 في المائة من ساعات العمل غير مدفوع الأجر يخصّص للأعمال المنزلية، بخلاف رعاية الأطفال والمسنين. وينتهي الأمر بالمرأة في أغلب الأحيان إلى تحمّل تلك الأعباء المنزلية بسبب القيود التي تفرضها الأعراف الاجتماعية، أو عدم توافر الخدمات العامة والبنية التحتية، أو غياب السياسات الداعمة للأسرة.

قد تختار المرأة البقاء في المنزل أو المشاركة في نظام العمل كجزءٍ من الوقت إذا كانت الأجور في سوق العمل منخفضة جداً وغير معبّرة عن مبدأ الأجر المتساوي مقابل العمل المتساوي.

يمكن أن تساعد السياسات على الحدّ من العمل غير مدفوع الأجر وإعادة توزيعه، ففي الاقتصادات النامية تمثّل تدابير تحسين إمدادات المياه والصرف الصحي والكهرباء، ووسائل المواصلات مطلباً حيوياً لتحرير المرأة من القيام بالمهام منخفضة الإنتاجية.

وتشير تقديرات منظمة اليونيسف إلى أنّ النساء حول العالم يمضين 200 مليون ساعة يومياً فقط لمجرّد جلب المياه، والمرأة في الهند تُمضي أكثر من ساعة واحدة كلّ يوم في جمع الحطب، كما ساعد تحسين فرص الحصول على الكهرباء والمياه والأجهزة المنزلية الأقل تكلفة على زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة في المكسيك والبرازيل، وكذلك من شأن توسيع فرص الحصول على خدمة الإنترنت لتشمل جميع السكان، أن يساعد النساء على الاستفادة من “اقتصاد العربة” وترتيبات العمل المرنة.

ويتعيّن على الحكومات ضمان حصول النساء على التعليم والرعاية الصحية، فمن دون رأس المال البشري السليم ستكون فرص المرأة محدودةً في سوق العمل. ووفقاً لبيانات منظمة اليونيسكو؛ هناك أكثر من 130 مليون فتاة في سنّ الدراسة لم يلتحقن بالمدارس، فالأمر لا يقتصر على توفير الخدمة فقط بل أيضاً ضمان استخدامها، وهناك عائلات كثيرة في باكستان تختار عدم إرسال بناتها إلى المدارس بسبب المخاوف الأمنية.

من شأن ترسيخ حقوق المرأة في القانون أن يساعد على إعادة تشكيل المؤسسات والقيم الاجتماعية التي تحول دون حصولها على التعليم والرعاية الصحية.

تسهم أسواق العمل الكفؤة والمرنة في إعادة توزيع العمل غير مدفوع الأجر، ومن شأن سياسات سوق العمل الفعالة، كتلك المطبقة في سويسرا تسهيل الاتساق بين المهارات واحتياجات سوق العمل. كما نرى أن ترتيبات العمل المرنة تقترن عادةً بانخفاض نسبة عمل المرأة غير مدفوع الأجر ويترتب عليها تحسين التوازن بين العمل والحياة الشخصية.

كذلك من الممكن أن تكون السياسات الداعمة للأسرة مفيدة، فهناك كثيرٌ من بلدان الشمال الأوروبي تستثمر إلى حدٍّ كبير في برامج تعليم ورعاية الأطفال في مراحل العمر المبكرة، ما يسمح بزيادة معدّلات الالتحاق ويعزّز من قدرة المرأة على العودة إلى العمل بعد الولادة.

وأيضاً من شأن زيادة المساواة في سياسات الأمومة والإجازات الوالدية، أن ترفع نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة بتسهيل عودة المرأة إلى العمل ومشاركة الآباء في أنشطة رعاية الطفل في مرحلة مبكرة. وتعدّ آيسلندا مثالاً جيداً على ذلك، حيث تحدّد مدة الإجازة بتسعة أشهر وتخصص ثلاثة أشهر لكلّ من الوالدين.

ويمثّل الحد من العمل غير مدفوع الأجر وإعادة توزيعه ضرورةً اقتصادية، ولا بد للحكومات أن تتخذ إجراءات حاسمة في هذا الشأن. كما ينبغي للقطاع الخاص المشاركة في هذا المسعى للاستفادة من المكاسب الكبيرة المحتملة.

عمل المرأة غير مدفوع الأجر

عمل المرأة غير مدفوع الأجر

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015