عندما تفكّر المرأة خارج الصندوق
التفكير خارج الصندوق

يمينة حمدي/ alarab- يعود تاريخ الحركات النسوية المطالبة بالمساواة مع الرجال إلى القرن التاسع العشر، وبرغم مرور أكثر من قرنين من الزمن، إلا أن حال النساء اليوم لا يكاد يختلف كثيراً عن الماضي، وربما الفارق الوحيد بالنسبة لمعظمهن هو اختلاف الزمن ليس إلا، بل على الأرجح كمّ الضغوط قد ازداد عليهنّ وأصبحن يعشن في دوامة من اللهاث من أجل أن يعطين انطباعاً بأنهن مُعاصِرات، ولا ينقصهنّ أي شيء لينلن ما يحظى به الرجال من امتيازات.

والأمر اللافت هنا أنهنّ يعشن دورةً حياتية مليئةً بالضغوط من أجل الالتحاق بالعمل يومياً، والقيام بشؤون المنزل والعناية بالأطفال، والتفكير المتواصل في كيفية المساهمة في دخل الأسرة، والبحث بشكلٍ دؤوب عن حلولٍ للخروج من الأزمات الاقتصادية والمالية لعائلاتهنّ، وكل هذا يُلقي بالمسؤولية وبشكلٍ غير عادل على عاتقهنّ ويجعلهنّ عاجزاتٍ عن الاستمتاع بحياتهنّ كما يجب.

ليس هذا غريباً على أيّ حال، فنحن جميعاً نعلم أنّ الصور النمطية عن أدوار الجنسين تترسّخ في أذهان الأطفال منذ الصغر، ما يجعل النساء أكثر إخلاصاً للأفكار والتقاليد التي نشأن عليها، وولاءً لدورِهِنّ الأُسري والاجتماعي.

يُنسب إلى الكاتبة الفرنسية الراحلة سيمون دو بوفوار المعروفة بأفكارها النسوية مقولة شهيرة طالما أثارت الجدل “الإنسان لا يولد امرأة؛ بل يصبح كذلك لاحقاً!”، وهي هنا لا تحاول التركيز على الكيان البيولوجي للمرأة، بل على تكوينها النفسي والاجتماعي.

ما أرادت دو بوفوار قوله هو أنّ المرأة تخضع لعملية قولبة تجعلها تفكّر داخل صندوق الهوية الاجتماعية التي يعرفها بها المجتمع كامرأة، ولا تريد أن تتجاوز الحدود التي رُسِمَت لها كأنثى.

الكثيرون يعتقدون أنّ الرجال هم أبرز ما يعوق المساواة بين الجنسين، لكنهم لا يأخذون في عين الاعتبار مسؤولية المرأة في توجيه علاقة الذكر بالأنثى، وكيف تكون المرأة نفسها أحياناً ضالعةً في جعل الرجل يتبنّى أفكاراً وتوجّهات سلوكية مُعَادية للأنثى، ومن الحتمي أن يؤثّر ذلك على الطريقة التي يُعامل بها الرجال المرأة في العمل، أو يخلّف تأثيراً على مسيرتها المهنية وعلى حياتها بأكملها، وخصوصاً عندما يتربّى الأطفال على ثقافة التسلّط على الأنثى منذ نعومة أظفارهم.

معظم النساء يفترضن دائماً أن حياتهنّ وتجاربهنّ وتجارب أبنائهنّ، لن تكون شبيهةً بالتجارب الأخرى التي يمر بها غيرهم في المجتمع ومع ذلك، فالتجارب ترتبط ببعضها، وهو ما يعني أنّ المرأة التي تربّي بناتها على القيام بأعمال التنظيف والطبخ، من دون أن تفعل الأمر نفسه مع أبنائها الذكور، وتميل إلى السيطرة على تصرفات البنات بنسبةٍ تفوق كثيراً ما يحدث مع الذكور، فهي بذلك توجّه رسالة قوية لأبنائها الصغار؛ تعزّز الكثير من الصور النمطية المُتَرسّخة منذ أمٍد طويل بشأن الفروق بين الجنسين، وقد يُخلّف ذلك انطباعات دائمة في عقولهم.

فلا عجب إذن أن تصاب النساء بالإحباط ويقرّرن التخلي عن طموحاتهنّ المهنية بسبب التضييق الذكوري عليهنّ.

المرأة مطالبةٌ أكثر من الرجل بتنقية العلاقة بين الجنسين، من شوائب ثقافة التسلّط والاستقطاب الجنسي الذي يشوّه العلاقة بين الجنسين ويجعلها عدائية، بدل أن تكون مُكَمّلة، كما يُفتَرَض أن تكون.

وإلى أن تتخلّى النساء عن التقسيم التقليدي للأدوار بين أبنائهنّ الذكور والإناث، الذي خلّف تأثيرات على رؤى الأطفال ووجهات نظرهم في ما يتعلّق ببلورتهم توجّهات تنطوي على تحيّز جنسي، ستستمر معاناة الكثير من النساء من التمييز على أساس الجنس.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.  

التفكير خارج الصندوق

التفكير خارج الصندوق

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015