عن المرأة والسياسة في سورية
لافتة تمّ رفعها خلال إحدى التظاهرات ضد النظام في سوريا

جريدة الحياة- يُعتبر تحرّر المرأة ومشاركتها السياسية في المجتمع مقياساً لتحرّر ذاك المجتمع وانفتاحه. إلّا أنّ تلك المشاركة سلاحٌ ذو حدين، قد تُستخدم بالضدّ من مصلحتها الحقيقية، فتغدو مشاركتها شكلانيَّةً لا تخدم دورها وفعاليَّته بقدر ما تعزز غيابه.

في سورية رفع البعث شعار تحرّر المرأة وثبّت حقوقها بالدستور الذي اعتبرها مساويةً للرجل في الحقوق والواجبات. إلّا أنّ الواقع الفعلي لم يكن يرقى لمستوى الشعارات المرفوعة حينها، فالسلطة لم توقِّع على اتفاقية «السيداو» حتى 2002 ومع تحفُّظها على الكثير من النقاط بما جعل الاتفاقية فارغة المضمون، والمرأة لا يمكنها السفر من دون موافقة زوجها. وكذلك فإن الاتحاد النسائي الذي تشكَّل باسم الدفاع عن حقوق المرأة وتعزيز دورها لم يكن سوى واحدٍ كغيره من النقابات والمنظمات في عهد البعث: وسيلةً جديدة لدعم السلطة وضبط وتأطير الحركات المطلبية تحت رقابتها بدل إغناء سياساتها. وبذلك كان وجودها لمجرد تقديم السلطة بصورة حضارية للعالم. وأكثر ما يُظهر ذلك هو النسبة الثابتة في عدة دورات متتالية لمشاركة المرأة في المجالس البلدية، حيث كانت دوماً 3 في المئة، وكأنها مثبَّتة بقرار سياسي بعيد عن الواقع، كذلك كانت مشاركة المرأة في مجلس الشعب تأتي ضمن قوائم الجبهة والتي تفوز دوماً برجالها ونسائها، لا لفرادة فيهم بل لكون كل من فيها، أياً كان جنسهم، مجرد أشخاص موكلين بحجز كراسي المجلس لرفع يد الموافقة حين طلبها.

بذلك كان من السهل على البعث أن يحدد النسبة التي يشاء من النساء في المجلس طالما أنها على تلك الصورة الشكلية، والتي توضَّحت أكثر بمثال عابر حين طالبت إحدى النائبات الشيوعيات ببعض القضايا المتعلقة بالمرأة فقام رئيس المجلس بإسكاتها بطريقةٍ فظة وكأنها فتاة مراهقة خرجت عن تقاليد العائلة.

في المقابل لا توجد امرأةٌ في رئاسة مجلس بلدية من مجالس المدن في انتخابات 2003، وهذا مقابل 0.6 في المئة للقرى و1.6 في المئة للبلدات، وفقاً لدراسة للدكتورة مية الرحبي، وهو ما يدل على غياب المرأة عن الواقع الفعلي ووهمية ارتفاع نسبة مشاركتها في مجلس الشعب.

بعد انطلاقة الثورة في 2011 خرجت المرأة كما الرجل من موقعها النمطي الذي وُضعت فيه، وبرزت مشاركتها منذ الأيام الأولى في التظاهرات والحركات الاحتجاجية، ولاحقاً في التنسيقيات والاتحادات الحرة المتشكِّلة، وساهمت بدورٍ فاعل في الإغاثة ونقل المواد الغذائية والطبية، وقد خاطرت الكثيرات منهن في سبيل ذلك، ودفعن أثمان دورهن في الاعتقال والتعذيب والاستشهاد.

غير أنّ انعكاس ذلك الدور لم يكن ظاهراً في التشكيلات السياسية المعارضة القائمة. ففي حين كانت مشاركة المرأة في المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنية ثلاث نساء من أصل 25 عضواً، لم يكن هناك أي مشاركة لهنَّ في المكتب التنفيذي للمجلس الوطني، وهذا بينما شاركت ثلاث نساء في الأمانة العامة للمجلس من أصل 42 عضواً. وحين تشكَّل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ضمَّ ست نساء في الهيئة العامة من أصل 117 عضواً، وضمّت الهيئة السياسية ثلاث نساء من بين 24 عضواً، كما تولَّت منصب نائب الأمين العام امرأة.

لا يتطلب السير في قضية المرأة وحقوقها بالضرورة وجودها في الصفوف السياسية، وفي السياق نفسه ليس مطلوباً من امرأة في منصبٍ سياسي ما أن تحمل قضية المرأة من موقعها ذلك بقدر ما هو مطلوب منها القيام بوظيفتها كممثلة لذلك المنصب، ولا أن يكون وجودها في ذلك المنصب وجوداً شكلياً. وعليه ولكي تصبح مشاركة المرأة حقيقيةً وليست مجرد تطعيم للتشكيل السياسي، يجب أن يتم فسح المجال أمام نموها السليم بطريق تحقيق ذاتها تمهيداً لوصولها للمنصب الذي تستحق من دون وجود عقبات تُعيقها لمجرد كونها امرأة. حينها فقط يصبح مدى مشاركتها في الصفوف السياسية معياراً واقعياً لا وهمياً.

لقد أشرك النظام المرأة في صفوف المظليات وتم فتح كلية عسكرية للبنات، ولكن كل تلك النشاطات لم تكن لتعزيز دورها بقدر ما هي لتعزيز دور السلطة الحاكمة البطريركية. (والموضوع ذاته سنلاحظه في صفوف المقاتلات الكورديات لاحقاً، أي ما يراه البعض تعزيزاً لدور المرأة وقبولها بدور المقاتلة، بغض النظر عن القضية التي تقاتل لأجلها، ومدى تبعيتها للسلطة).

من هنا نرى أن لا معنى في المشاركة السياسية للمرأة إلى جانب رجلٍ غير فاعلٍ سياسياً، إذ لا حرية لامرأة إلى جانب رجلٍ مُقيّد. حيث أن تشكيلاً سياسياً تابعاً ولا يحقق ذات أيّ من أعضائه الرجال والنساء، لا يختلف عن تشكيل سياسي لا يتضمن امرأة من بين أعضائه ولا يُقيم اعتباراً لحقوقها. ففي التشكيل المُصادَر لسلطة ما قد نحصل على إشراك للمرأة كديكورٍ لا أكثر، بحيث يقول المفكر جاد الكريم الجباعي «إن في سورية ضرباً من إشراك المرأة في الحياة السياسية، وليس فيها مشاركة سياسية للجنسين على حد سواء».

فهل سيتغيّر منحى ومضمون تلك المشاركة في سورية المستقبل والتي قالت الشعارات الأولى من ثورتها «تاء التأنيث لم تعد ساكنة»، لتصل اليوم وبعد سنوات من الصراع إلى «ذات إنسانية عاجزة» لم تعد تملك المبادرة، الشيء الذي بات يصح في الرجل كما في المرأة؟

لافتة تمّ رفعها خلال إحدى التظاهرات ضد النظام في سوريا

لافتة تمّ رفعها خلال إحدى التظاهرات ضد النظام في سوريا

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015