فنانات وطبيبات وربّات بيوت سوريّات يبدعن في تدوير الأقمشة
مشروع خلايا النحل - تدوير الأقمشة المستعملة

نضال قوشحة/ alarab- عبر التاريخ، كان للمرأة دور في بناء المجتمع الإنساني، وكانت شريكاً للرجل في تحمّل الأعباء، ومما كانت تقوم به الأمّهات والجدّات أنهنّ يجمعن ما يزيد عن الحاجة ويتلَف من الملابس والأقمشة، يقُمن بتقطيعه ثم إعادة تصنيعه ليكون غرضاً جديداً يعيش في البيت سنواتٍ أخرى.

عندما تبدع المرأة يكون للحياة شكل آخر، فهي الكائن الذي لا حدود لطاقته، وهي بما تمتلكه من مواهب وقدرات تستطيع أن تكيّف كلّ الظروف لإيجاد حلول لمصاعب الحياة اليومية. فهي القادرة على أن تكون ليّنة في وقت وقويّة في وقت آخر. ففي سوريا التقت مجموعة من النساء ليشكّلن فريقاً قاوم الحرب بفنّ التدوير، وكنّ مصرّاتٍ على مواصلة إرادة الحياة، فكان مشروعهنّ “خلايا النحل” وسلاحهنّ إبرة وخيط.

مع بداية سنوات الحرب في سوريا، والظروف المعيشية الصعبة التي عاشتها عائلات سورية نتيجة عمليات التهجير والنزوح، راودت مجموعة من النساء فكرةُ إحياء حرفة تدوير الأقمشة  لمقاومة تلك الظروف العصيبة. قمصان وسترات شتوية وأغطية، يمكن أن تتحوّل إلى وسائد أو بساط أو حشوات في لُحف سميكة تساهم في ردّ برد الشتاء، بل قد تتحوّل إلى لوحات جدارية تزيّن الغرف.

كانت البداية مع طبيبة الأسنان سحر البصير، التي قامت بتنفيذ الفكرة وإعطائها الشكل القانوني المناسب لكي تكون فاعلة في المجتمع السوري، وسمّت المشروع “خلايا النحل”.

أول التحديات أن تستخدم النسوة  في أعمالهنّ الإبرة والخيط فقط، فممنوع استخدام أي آلة في عملية إعادة التدوير.

وبدأت النسوة بالتجمّع والعمل بإمكانيات بسيطة، فكانت البداية في بعض مراكز الإيواء في دمشق، ثم تطوّر النشاط لاحقاً، وبدأت أولى الورشات في قاعة تدريبية في أحد المراكز الثقافية الحكومية، وتتالت الدورات وعدد ورشات العمل حتى صارت للمجموعة فروع في أكثر من منطقة ومحافظة. وقد أقامت المجموعة في المركز الثقافي العربي – أبورمانة معرضها الفني الأخير الذي تواصل على مدى عدة أيام واختُتم في الثامن والعشرين من أكتوبر.

تقول صاحبة الفكرة والمسؤولة عن المعرض سحر البصير: “كان الهدف الأول من المشروع دعم المرأة السورية في ظلّ ظروف الحرب لتجد لها مورداً مالياً تعتاش منه بعيداً عن تلقّي المساعدات، فعندما تكون المرأة منتجة ستكون أقوى”.

تدوير القماش أمر معروف في التراث السوري، كانت الجدّات يقمن به منذ زمن بعيد وله مسمّيات مختلفة حسب المنطقة، تقول سحر: “في مشروعنا ‘خلايا النحل’ أردنا تجديد هذا النشاط المليء بالمعاني الإنسانية، كونه يقدّم خدمة اجتماعية كبرى لكل أطرافه”.

وتؤكّد في حديثها “حرصت العديد من النساء على الانضمام إلى المشروع، نحن نتطوّر يوماً بعد آخر، ونُثري مفاصل عملنا دائماً بكوادر وأفكار جديدة، ما زال يلزمنا جهد في التسويق، ونحن نعمل على تطويره دائماً، لكي تعود الفائدة على جميع المشارِكات، ويحقّق المشروع هدفه الأبعد في إحياء حرفة قديمة وأصيلة وتكوين مورد مالي أهلي مجتمعي قادر على أن يساهم في دعم الاقتصاد”.

وعن البدايات التي وُلِدَ منها المشروع والظروف التي أحاطت به، تقول طبيبة الأسنان سحر: “البداية كانت من خلال العمل على شغل اليد، وكان ذلك في أول الأزمة في سوريا، ثم انضممتُ إلى فعالية ‘جدايل سورية’، حيث كنّا نقوم بعمل لوحات جماعية كبيرة مصنوعة بالإبرة والخيط، مضيفين إليها شَعر السيدات المقصوص، ثم تطوّرت الفكرة من خلال الجولات في مراكز الإيواء ومشاهدة أحوال النساء وأطفالهنّ، فوجدتُ أن فكرة العمل على تصنيع اللحاف والدُمى ضروري، لأنّ النساء كنّ بحاجة إليها هنّ وأطفالهن”.

وتضم المجموعة نساء من بيئات وأعمار مختلفة، فهنالك سيدة كانت مترجمة في السفارة الفرنسية بدمشق، وسيدة أخرى كانت مدرّسة، وبعضهن ربّات بيوت وطبيبات وفنانات.

ما جمع هؤلاء هو الرغبة في القيام بنشاط إنساني بعيداً عن إضاعة الوقت والجهد في التنقّل بين البيوت في زيارات نهارية عديمة الجدوى أو قضاء أوقات طويلة أمام شاشات التلفزيون. وتؤكّد المشارِكات أن ما يقمن به من عمل أعاد لهنّ قدراً كبيراً من النشاط بعد أن وصلن إلى سنّ التقاعد الوظيفي، وكأنّ روح الشباب ما زالت متوقّدة فيهنّ، كما تؤكّد أنهنّ يمتلكن الكثير من الطموح في المشروع للوصول به إلى آفاق أرحب.

خلال عمرها الذي يقلّ عن عشر سنوات بقليل، استطاعت هذه المجموعة أن تشكّل حالة اجتماعية هامة في المشهد الدمشقي خصوصاً والسوري عموماً، فمن يقارن بين بدايات المجموعة وحاضرها، يلمس حجم التطوّر الكبير الذي شهده عملها، وصارت مجموعة معروفة من قبل المجتمع السوري.

المعرض الأخير الذي أقامته شدّ جمهوراً عريضاً من المتابعين، حيث زاره مهندسو ديكور وفنانون تشكيليون ونقّاد وصحافيون، كذلك حضره جمهور عادي غير مختص، كما تابع الإعلام اهتمامه بالمعرض والمجموعة بشكلٍ لافت. ويبدو جلياً أن لهذا المشروع آفاقاً كبيرة في المجتمع السوري.

ويبدو مشروع “خلايا النحل” طموحاً من خلال معرفة بعض جوانبه الاقتصادية؛ فمن خلال طبيعة مصدر مواده الأولية يبدو أن سعر التكلفة زهيد ولا يستهلك المشروع إلا القليل من الخيط فحسب، ولكن القيمة الكبرى تكون فيه للجهد الفني الذي تقدّمه المبدعة وهو الذي تتراوح أرقامه بين أثر وآخر حسب حجمه وساعات العمل التي استغرقها.

وفي كل الحالات فإن الأرقام المالية التي تحوم حولها أسعار بعض المنتجات لا تتجاوز المئة دولار، وهو رقم بسيط بالنسبة إلى الجهد الكبير الذي تبذله المشاركات في العمل الشاق والطويل، وهنالك بعض المنتجات البسيطة التي يقلّ ثمنها عن ذلك.

ورغم عدم وجود موارد مالية مجزية حتى الآن، تبدو المشاركات مصمّمات على متابعة هذا المسار الذي يزداد رسوخاً يوماً بعد آخر وهو الذي يقدّم لهنّ على الأقل ما يملأ الفراغ بالعمل.

مشروع خلايا النحل - تدوير الأقمشة المستعملة

مشروع خلايا النحل – تدوير الأقمشة المستعملة 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

تعليق واحد في “فنانات وطبيبات وربّات بيوت سوريّات يبدعن في تدوير الأقمشة”

  1. يقول نجاة خلف:

    المرأة السورية كانت ولا زالت تعمل ك خلية نحل متكاملة (لا تكل، ولا تمل ) تعمل وتساعد وتساند عاءلتها وبالتالي مجتمعها . . . وفي كل الظروف ، ،ولكن ظهر دورها ، بارزا وعطاءها سخيا في أوقات ألضيق والحرب ،،، وهي ك طاءر الفيلق لا تدفن رأسها تحت الرماد. ولا تستجدي ولا تستعطي …بل تحتاج ال عقول مدبرة وايد حنونة . لتبدأ وتبدع وتستفيد . .. .. الله يبارك اعمالكم. والى المزيد من النجاح والتوفيق . .

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015