في تجربة الخوف وعنف العذرية
Credit…Franziska Barczyk

feministconsciousnessrevolution- لطالما كان جسدي كإمرأة موضع للتساؤلات والتفحّص والاعتراضات والحدود من الجميع، إلا مني. لم أسأل يومًا عن جسدي ولم أحاول اكتشافه خوفًا من فقدان عذريتي. العذرية كما يصورها المجتمع هي غشاء سميك مملوء بالدماء، إذا تساقطت هذه الدماء تتساقط قيم العائلة، وعاداتها، وتقاليدها، وشرفها، وهويتها.

عندما بلغت أخبرتني أختي بنبرة شديدة اللهجة محكمةً بيدها على جسدي، أن أتوقف عن اللعب والنط وأقوّض طاقتي وأراقب جسدي بشكل مستمر من أجل حماية غشاء البكارة؛ فحماية هذا الجزء من جسدي مرتبط بقبولي كامرأة وبعلاقة معقدّة مع الجنس الآخر يجب فيها أن أثبت حسن سيرتي وسلوكي.

عبر السنوات تراكمت المغالطات والمعتقدات حول عضوي التناسلي، فالمعرفة الجنسانية في الوعي الجمعي داخل المجتمعات الشرقية مُعيبة ولا تتم مناقشتها إلا في حدود ما يؤصل وجود غشاء البكارة وحمايته والمحافظة على عذريتي من خلاله. إحدى الأوهام التي علقت بذاكرتي هو حديث جدتي أن “غشاء البكارة سميك ولا ينفض إلا من خلال إيلاج عضو ذكري، والحديث عن عدم وجوده هو هراء يفقد المرأة حياءها “.

الإرث التاريخي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، يحيلّ بيني وبين معرفة جسدي أو حتى النظر إلى تفاصيله التشريحية بتمعنّ؛ فهذه الأنظمة الأبوية تأصل وتجذّر وجودهّا من خلال إحكام قبضتها على أجسادنا. في محاضرة علم التشريح أكدّت الدكتورة على وجود غشاء البكارة، تخصصها الدقيق في علم التشريح جعلنا نصادق على هذه الخرافة؛ فالنظام الصحي الأبوي أيضًا يشارك في إعادة إنتاج الإرث الثقافي المحلّي بطريقة لا علمية ولا أخلاقية. ويعيد صياغة وجودنا من خلال كشوفات العذرية التي تقسمّنا لأحياء أو أموات بجريمة اللاشرف، فالغشاء وحده يحدد قيمة حيواتنا.

غياب التربية الجنسانية وحضور المعتقدات الخاطئة في لا وعيي الذاتي، شكلّ نقطة محورية في علاقتي مع جسدي.

تقول الدكتورة نوال السعدوي في كتابها المرأة والجنس “الجهل لا يعني غياب المعلومات، لكن ترويج المعلومات الخاطئة أشد أنواع الجهل. وقد يكون من الأفضل للإنسان أن يواجه الحياة بلا معلومات على الإطلاق على أن يواجهها بمعلومات خاطئة”. فمشاعر العار والقلق والخوف من جسدي ماهي إلا مرآة لهذه المعتقدات والإجراءات التقليدية الخاطئة التي ترسبّت داخلي.

استمرّيت في حماية وتقويض ومحاصرة عضوي التناسلي، وأنا محمّلة بالخوف والعار والقلق منه. هل أنا وحدي أحمل هذا الشعور؟ أم أن أعضائي أيضًا محمّلة بالعار والذنب من وجودها؟ في حصة اليوجا طلبت مني المعلمة مراقبة مشاعري وربطها بالتشنج العضلي، لأنه إحدى الطرق التي يتم فيها تخزين مشاعر العار وذكريات العجز. شعرت بتشنج شديد في عضلة المهبل ومشاعر ثقيلة دفعتني لإيقاف الحصة خوفًا من أن تفقدني اليوجا عذريتي. أذكرّ تلك المشاعر بوضوح، إنها المرة الأولى التي أشعر بها بجسدي واستمع لتفاصيله الاحتجاجية بتمعنّ بعد سنين من الانفصال المتعمّد عنه. أخافني تمظهرّ مشاعر العار وعدم الارتياح والخوف من خلال التشنّج العضلي، ربما كان التشنّج هو صرخة احتجاج ضد القيود والمعتقدات التي أحملها.

كانت اليوجا هي بداية التحول الحقيقي في علاقتي مع جسدي، ففي الحصص التالية بدأت أشعر براحة وخفّة في عضلة المهبل لم أشعر بها من قبل؛ فأنا تعودّت على أن العضو التناسلي هو عبء أحمله معي. بدأ الفضول يدفعني للتعرف على جسدي، وإعادة تشكيل وعيي الذاتي نحوه. قرأت الكثير من المقالات والكتب والحقائق العلمية التي تنفي وجود غشاء البكارة، كنت أظن أنها هدمّت وهم غشاء البكارة في داخلي؛ ولكن اكتشفت بعد عدة سنوات أن وعيي الذاتي عصي على التغيير.

عند تصفّحي للإنترنت وجدت إعلان -لكوب الحيض-، وهو كوب من السليكون يتم إدخاله في المهبل أثناء الدورة الشهرية. ترددت كثيرًا في تجربته فهذا الكوب قطعًا سيفقدني -عذريتي- يبدو أن العذرية هي صدمة جماعية لا نستطيع الانفكاك عنها كشرقيات. بعد الشدّ والجذّب مع معتقداتي طلبت كوب الحيض، وكنت حريصة جدًا على تمارين الإطالة قبل استخدامه. سرعان ما غيرّت التجربة معتقداتي وأدخلتني في نوبة ضحك هستيري؛ فلم أجد غشاء سميك عصي على الفض ولا دماء ولا قيم تتساقط من فرجي. ولكن حتى بعد اختبار عدم صحة هذه المعتقدات ذاتيًا ما زالت أثآرها تحاوطني، فمع كل إعادة استخدام لكوب الحيض تتصاعد مخاوفي من فقداني لغشاء البكارة ومن علم عائلتي باستخدامي لكوب الحيض مع استعادة لشريط طويل من ذكريات القمع لحمايته.

Credit…Franziska Barczyk

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015