قرار منع عمل النساء في المنشآت السياحية بشمال شرقي سوريا؛ منصف أم مُجحف؟
عمل النساء في المنشآت السياحية بشمال شرقي سوريا

هوشنك حسن/syriauntold- “فقدتُ زوجي برصاصة طائشة، وها أنا أفقد عملي بقرار طائش” هذا ما تقوله لموقع (لحكاية ما انحكت) خديجة التي أُعفيَت من عملها كـ “مُضيفة” ضمن أحد مطاعم مدينة القامشلي في أقصى الشمال الشرقي لسوريا، وذلك بعد قرارٍ من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي تُدير المنطقة، يمنع النساء من العمل كمُضيفات في المطاعم.

فما أسباب هذا القرار ودوافعه؟ وما هي البدائل المُتاحة للنساء اللواتي فقدن عملهنّ؟

 

كانت هيئة المرأة التابعة للإدارة قد أصدرت تعميماً في 18 شباط/ فبراير الفائت، منعت فيه تشغيل “المُضيفات في كافة المواقع والمنشآت السياحية”.

يبدو هذا التعميم مختلفاً ومتناقضاً مع ما صادق عليه المجلس التشريعي التابع للإدارة الذاتية في الثاني والعشرون من أكتوبر للعام 2014 وهو قانون المرأة، حيث تنصّ المادة رقم /2/ من المبادئ الأساسية للقانون على “المساواة بين المرأة والرجل في كافة مجالات الحياة”، كذلك تنصّ المادة رقم /8/ على “المساواة بين الرجل والمرأة في حقّ العمل والأجر”.

رئيسة هيئة المرأة، زينب صاروخان ذكرت في تصريحٍ خاص لحكاية ما انحكت، أنّ القرار “خطوة استباقية لتنظيم عمل المرأة وأتُّخِذ بعد تسجيل العديد من الحالات اللا-أخلاقية” بحسب قولها.

فقدت خديجة حسين عملها نتيجة القرار، وكانت قد فقدت زوجها قبل 7 أعوام نتيجة رصاصة “طائشة” عندما كان يعمل في مدينة حمص، وهي المُعيلة الوحيدة لابنها الذي لم يرى والده قط. وعن حاجتها إلى العمل، تقول السيدة العشرينية “في هذه الأيام الأخ لا يساعد أخته، لذلك هناك الكثير من النساء، ومن بينهم أنا ممن نحتاج إلى العمل”، وكانت خديجة تحصل على راتب قدره 80 ألف ليرة سورية أي ما يعادل حوالي 75 دولار أمريكي.

كما خديجة؛ تعمل ليلى (اسم مستعار) كمُضيفة ضمن إحدى الكافتيريات في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا. ليلى هي المُعيلة الوحيدة لعائلتها بُعَيد زواج شقيقاتها الأُخريات، وتؤمّن قوت عائلتها براتبٍ يبلغ 60 ألف ليرة سورية أو ما يعادل 56 دولاراً أميركياً.

تقول ليلى “تحديتُ العادات والتقاليد التي تنبذ عمل النساء وأعمل هنا لتدبّر أمور والداي، لكنّ هذا القرار يهدّد رزقنا”. تحدُّثنا ومن ثمّ تتجه لتسجيل طلب زبائن يجلسون في نهاية الكافتيريا، حيث لا تزال ليلى تعمل إلى الوقت الراهن، رغم صدور القرار منذ مدّة.

تعلّق الناشطة النسوية ناز حمي على القرار، بقولها “القرار خاطئ وله أضرار على المرأة أكثر من الفوائد حيث لابدّ من محاسبة المتحرّشين ووضع ضوابط وتوفير بيئة سليمة تمكّن المرأة من العمل”. وتطالب حمي الإدارة الذاتية، بأخذ وضع المرأة بعين الاعتبار ضمن قانون العاملين، وأن يكون حامياً لهنّ.

وحول السبب الرئيسي للقرار، تشرح صاروخان “وردتنا العديد من البلاغات عن حالات تحرّش واستغلال للنساء العاملات كـ مُضيفات”. لكنّ هيئة المرأة التي تديرها صاروخان نفسها لا تملك إحصائيات حول عدد النساء اللواتي تعرّضن للتحرّش أو العدد الكلّي للنساء العاملات كـ مُضيفات.

وحول القرار ذاته، يقول أبوديار (كما يعرّف نفسه)، والذي يملك مطعماً في الحسكة، بأنّ القرار مُجحف بحقّ النساء؛ كونه يمنعهنّ من العمل. واضطر أبوديار كما يقول لحكاية ما انحكت، لإعفاء إحدى مضيفات مطعمه بعد صدور القرار، ويُضيف “كانت قد اكتسبت خبرة العمل ضمن صالة المطعم، وباتت من أحد وجوهه، لكن سأضطر الآن لتوظيف شاب بدلاً منها”.

ويطالب السيد الذي اضطر هو الآخر للجلوس في منزله حالياً نتيجة حظر التجوّل المفروض، التراجع عن هذا القرار كونه غير مُنصِف، وينفي حصول أيّ حالات تحرّش ضمن مطعمه.

ديوان العدالة الاجتماعية التابع للإدارة الذاتية، سجّل 11 حالة تحرّش ضمن العام 2019، لكن هذا العدد هو للنساء اللواتي رفعن دعاوي، فيما هنالك الكثير منهنّ ممن لا يقُمن بذلك، بحسب إداريّةٍ في الديوان تحدّثت إليها حكاية ما انحكت، ولم تود الإفصاح عن اسمها.

لا تُخفي كلٌّ من خديجة وليلى تعرّضهن للتحرّش اللفظي، وتؤكّدان حدوث الأمر مرّات عديدة، لكنهنّ وفي سبيل عدم فقدان عملهنّ لم يخبرن مالكي المطعم بذلك، وتُشير خديجة إلى أنّ رقم جوالها طُلب منها لأكثر من مرة، وتقول ليلى “لم أكن أُبدي للأمر أيّة أهمية كوني كنت أركّز على عملي فقط”.

وتطالب نجاح أمين، المتحدّثة باسم “منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة”، بمحاسبة المتحرّشين وتوفير فرص عمل من قبل الإدارة الذاتية لهؤلاء النساء، وكذلك مراقبة أعمالهنّ كي لا يتم استغلالهنّ، بحسب قولها لحكاية ما انحكت. وتُضيف أنّ القرار من ِشأنه أن يقلّل من حالات التحرّش الحاصلة، ويسُدَّ الطريق أمام حصول حالات جديدة.

خديجة القلقة بشأن العشرين ألف التي لابد لها أن تدفعها نهاية كلّ شهر لمالك المنزل الذي تستأجره، تُطالب الإدارة بتوفير فرص العمل إذا ما كانت قد منعتهم من العمل كـ مُضيفات، وكذلك ليلى تُطالب بعملٍ براتبٍ أفضل وحل لمشكلة مئات النساء.

وفي هذا الخصوص؛ تقول رئيسة هيئة المرأة أنهم بصدد تنفيذ العديد من المشاريع التي من شأنها أن تتيح فرص العمل لآلاف النساء، وهذه المشاريع تتضمّن مشاغل للخياطة ودار للأيتام ومداجن وفرن للخبز، ما سيتيح فرص عمل لآلاف النساء، بحسب وصفها، لكنها لم تشر إلى موعد إطلاق تلك المشاريع.

بعد انتهاء فترة دوامها، تتهيّأ ليلى للعودة إلى المنزل بتغيير ثياب العمل، وتفكّر “بعد إعفائي من العمل هنا، هل سأضطر للعمل من دون ثياب؟”، وتمضي في طريقها إلى والديها اللذين لا يملكان غيرها.

(هذه المادة بتنشر بالتعاون والشراكة بين حكاية ما انحكت ومؤسسة شبكة الصحفيات السوريات)

عمل النساء في المنشآت السياحية بشمال شرقي سوريا

عمل النساء في المنشآت السياحية بشمال شرقي سوريا

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015