لماذا يتصاعد العنف الجنسي في مصر؟
التحرش والعنف الجنسي في مصر

القاهرة/رصيف22- اغتصاب رضيعة عمرها 18 شهر. اغتصاب وسرقة سيدة سبعينية. عصابة التوربني وعصابة البرنس تغتصب وتقتل عشرات الأطفال. جرائم في مصر تسابقت وسائل الإعلام في نشر تفاصيلها حتى باتت مشهداًً مألوفاً في صحافة القاهرة وفضائياتها. فقد تصاعدت معدلات تلك الجرائم التي تشمل الاغتصاب والتحرش الجنسي وهتك العرض وزنا المحارم بصورة مفزعة تؤرق المصريين، ولا سيما بعد أن ارتبط الكثير من جرائم العنف الجنسي بالقتل، وتطورت ملامحها بشكل مخيف لتنال من الأطفال على يد بعض الفئات المقربة منهم مثل الأقارب والمعلمين.

وبينما يرصد المختصون أسباباً متعددة لتصاعد تلك الجرائم بشكل يهدد أمن المجتمع المصري وسلامته، تبقى سبل المواجهة غائبة عن بلد ال90 مليون نسمة.

العنف الجنسي مرعب بالأرقام

بحسب دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بالقاهرة، فإن 20 ألف حالة تحرش واغتصاب تقع سنوياً، 85% من ضحاياها من الأطفال، ويتعرض 20% من الضحايا للقتل بطريقة بشعة.

رصدت إحصائية أجراها المجلس القومي للأمومة والطفولة بالقاهرة 1000 حالة اغتصاب للأطفال في أول عشرة أشهر من عام 2014، وأكدت معظم الدراسات أن العديد من حوادث التحرش بالأطفال لم يتم التبليغ عنها لأسباب عائلية وخوفاً من الفضيحة الاجتماعية.

أعلنت وزارة الداخلية أن عام 2006 شهد أكثر من 52 ألف جريمة تحرش واغتصاب، أكدت وقوع 120 ألف جريمة جنسية عام 2008.

وبعد مرور حوالي عقد على هذه الأرقام، صرحت إدارة مكافحة الآداب بوزارة الداخلية المصرية أن عام 2016 سجل حوالي 21 ألف حالة تحرش جنسي وشهد أكبر عدد من حوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال.

كما كشفت إحصائيات حديثة ارتفاع حالات الاغتصاب خلال الـ5 سنوات الأخيرة، وأن في 85% منها يكون المغتصب معروفاً للطفلة، وفى 45% ينهي المغتصب العملية الجنسية في الدقائق العشر الأولى ويتبعها بالإيذاء النفسي والبدني للضحية، وقد يتطور الأمر إلى قتلها، فيما تفاقمت ظاهرة زنا المحارم لتصل إلى 7 آلاف دعوى قضائية.

وشهد شهر مارس الماضي تطوراً جديداً في حالات اغتصاب الأطفال، وأصبحت تستهدف الأصغر سناً وهو ما تمثله واقعة رضيعة لم يتعد عمرها 18 شهراًً فقط، بحسب التقرير الشهري للمؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة.

وكان عمر ضحايا الاستغلال والعنف بمختلف أنواعه يراوح ما بين 1إلى5 سنوات.

أسباب انتشار جرائم الانحراف الجنسي

“الجرائم الجنسية في مصر باتت ظاهرة تستحق الدراسة باستفاضة نظراً لتداعياتها الخطيرة”، يقول الدكتور رشاد عبد اللطيف، أستاذ تنظيم المجتمع بجامعة حلوان، لرصيف22. ويعدد أسباب تصاعد وانتشار جرائم الانحراف الجنسي بمصر في السنوات الأخيرة، فيذكر الضغوط الحياتية والاجتماعية المتزايدة على المصريين، وضعف وتراجع دور الدين. وقد أصبح ارتكاب تلك الجرائم شيئاً اعتيادياً للغاية وانتشر بصورة واسعة دون أن يجد من يلقي عليه الضوء بشكل مدروس ويحذر من خطورته.

كما يمثل “الهاتف النقال” وتكنولوجيا الاتصالات وشبكات التواصل، برأي عبد اللطيف، عاملاً في انتشار الجرائم الجنسية أيضاً، مضيفاً: “الإنسان قد يحمل عوامل فنائه في يده” والاستخدام غير الرشيد للتكنولوجيا يؤدي إلى ممارسات السلوك المنحرف. والمخدرات التي انتشر تعاطيها بين المصريين تعد عاملاً قوياً في ارتكاب بعض الجرائم الجنسية الغريبة كاغتصاب الأطفال والرضع والإقدام على زنا المحارم.

 

بلد محروم فيها الشباب من الجنس

يؤكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، لرصيف22، أن الشعب المصري لديه مشاكل جنسية، فمصر ثاني دولة عالمياً في التحرش الجنسي، ويمثل فيها التحرش سلوكاً عدوانياً ضد المرأة، كما أن مصر ثاني دولة في مشاهدة المواقع الجنسية.

ويرجع صادق ذلك إلى وجود المدارس المنفصلة وعدم الاختلاط بين الأولاد والبنات خلال الدراسة، بما يجعل الولد ينشأ وينظر للمرأة كسلعة جنسية ولا يتعامل معها كزميلة، وينتهي الهوس بها إلى ممارسة عدوانية ضدها وشتائم مقززة.

ويصف صادق مصر بأنها بلد محروم فيها الشباب من الجنس ويعيش على المواقع الإباحية “أصبح لدينا أزمة جنسية في المجتمع، صنعها الإعلام الذي بحث عن الإثارة، ورجال الدين والشيوخ الذين يتكلمون في الجنس”، يقول صادق لرصيف22.

ويضيف “أدى ذلك إلى تحذير كثير من دول العالم للسائحات عند النزول إلى مصر من التعامل مع المصريين لأن لديهم هوساً جنسياً”. كما يشير صادق إلى أن عدم تعليم الجنس في المدارس من خلال الكتب والدراسات جعل المصريين يعرفون الجنس من خلال مواقع “البورنو” بما ما تحمله من صور خاطئة رسخت في أذهان المصريين أن كل امرأة أجنبية عاهرة.

الثقافة الذكورية السائدة

يرجع أستاذ علم الاجتماع، ارتفاع معدلات الجرائم الجنسية، إلى سيادة الثقافة الذكورية، وتصوير المصريين الجنس كأنه غزو وفتح عسكري، ونتيجة تلك الثقافة يتناول المصريون كماً كبيراً من المنشطات الجنسية بسبب معاناتهم من أمراض ضغط الدم والسكري والسمنة وقلة ممارسة الرياضة، مما يتسبب لهم في ضعف ومشاكل جنسية يغطون عليها بالشتائم والعنف ضد المرأة، وهذا المجتمع الذكوري يمكن أن يتقبل شخصاً ملحداً لكنه يرفض بشدة أي شخص مريض جنسياً ويعتبر ذلك بمثابة كارثة.

ويؤكد صادق أن الإحصائيات المعلنة بشأن الجرائم الجنسية في مصر، لا تعبر عن الحقيقة مطلقاً ولا يوجد ثقة فيها، لأن أغلب تلك الجرائم غير معلن وغير موثق، ولا سيما تلك الجرائم المتعلقة بالاغتصاب من قبل الأقارب والمحارم، التي يتم التكتم على الغالبية الساحقة منها لأن الإعلان عنها فضيحة وعار بل قد يستتبعهما قتل الجاني وربما المجني عليها.

ويقر صادق بمشكلة اغتصاب الأطفال وتزايد معدلاتها بشكل مخيف مشيراً إلى أن 50% من جرائم الاغتصاب يتم ممارستها ضد أطفال.

ومع تزايد العنف ضد المرأة والنظر إلى السيدات نظرة جنسية، وانتشار الجوع الجنسي في مصر، تنامت ثقافة مجتمعية تعتبر العدوانية ضد المرأة تعبيراً عن الرجولة، حتى انتشرت مقولة “أنا أتحرش إذن أنا رجل”.

ثورة ثقافية وجنسية لا بد منها

الحل في رأي صادق يكمن في ثورة ثقافية واجتماعية وجنسية، وتغيير الإعلام والتعليم وتسهيل أمور الزواج. فالنساء في شوارع مصر مرتعبات من التحرش الذي ينالهن حتى من المراهقين، وفق ما يقوله صادق، في حين يكتفي الناس بالمشاهدة السلبية دون التدخل لإنقاذ المرأة الضحية ونتيجة هذا الهوس الجنسي، تضررت السياحة كثيراً في ظل غياب الأمان.

وعلى عكس عبداللطيف، لا يرى صادق أن المخدرات مسؤولة عن الجرائم الجنسية في مصر، مُرجعاً تلك السلوكيات المنحرفة إلى التركيبة النفسية لمن يرتكب مثل تلك الجرائم.

ويصف صادق المجتمع المصري بأنه مجتمع مريض نفسياً، لكن لا أحد يريد أن يعترف، والمصريون لديهم نزعة استكبارية لا تجعلهم يعترفون بأنهم مجتمع مريض يحتاج إلى العلاج.

وفي رأي صادق، فإن تقويم السلوك يحتاج إلى الأسرة والمدرسة والإعلام والمؤسسة الدينية والمؤسسة الأمنية والقضائية، ولكن تلك المؤسسات في مصر مختلة والأجهزة فاسدة، ومن ثم تحتاج إلى تقويتها أولاً كي تنضبط سلوكيات المجتمع.

هل يكفي تشديد الإجراءات الردعية؟

أرجع الدكتور عادل عامر، الخبير القانوني ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية لرصيف22 تضاعف معدلات العنف الجنسي إلى انخفاض مستوى المعيشة وغياب الوعي لدى الآباء والأمهات.

فهناك من يسكنون مثلاً في منازل ضيقة وغرفة واحدة تسمح للأطفال برؤية الوالدين أثناء ممارسة العلاقة الحميمة، وهو الأمر الذي دفع الأطفال إلى تقليد ذلك سواء مع أحد أفراد الأسرة، أو التحرش بالنساء خارج الأسرة، حيث يعاني الأطفال نفسياً من البلوغ المبكر.

وشدد عامر على أن اغتصاب المحارم والأطفال وهتك العرض والاغتصاب الجماعي، والعنف الجنسي المقترن بقتل الضحية تم رصده من قبل عدد من الجهات المعنية في مصر كظاهرة تصاعد انتشارها أخيراً.

ولا يرى عامر أن تشديد الإجراءات الردعية كافٍ وحده في التقليل من الجرائم الجنسية، مستشهداً بتجارب السعودية والصين وإيران التي تسجل أرقاماً هائلة في أحكام الإعدام، دون أن تنجح في الحد من ارتفاع معدلات الجريمة.

برأيه، المجتمع المصري محافظ، يسارع دائماً بإلقاء اللوم على الفتاة أو السيدة وتحميلهما دائماً مسؤولية جريمة التحرش والاغتصاب دون محاولة لمعالجة الأسباب الحقيقة أو دون مراعاة لمشاعر الضحية ومحاولة إعادة دمجها في المجتمع.

ويلفت إلى أن إدارة مكافحة جرائم الآداب ضبطت خلال السنوات العشر الأخيرة أكثر من 451 ألف قضية آداب سنوياً، وقد ارتفعت جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب إلى أكثر من 521 ألف قضية في الفترة ذاتها.

وتشير بضع دراسات، وفق عامر، إلى أن مصر تسجل 120 ألف حالة اغتصاب وتحرش جنسي سنوياً، بمعدل حالتي اغتصاب كل ساعة، وأن 90 % من مرتكبي تلك الجرائم عاطلون عن العمل.

وقد تغيرت ملامح الجرائم الجنسية في السنوات الأخيرة، فإلى جانب الاغتصاب تضاعفت حالات التحرش الجنسي الجماعي، وخاصة في المناسبات والأعياد، كما تسبب انتشار العشوائيات حول القاهرة في ارتفاع معدلات تلك الجرائم، وخاصة زنا المحارم.

التحرش والعنف الجنسي في مصر

التحرش والعنف الجنسي في مصر

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015