ما القضايا المشتركة بين النساء العربيات؟
هموم مشتركة للنساء العربيات

صدق من قال “كلنا في الهم شرق!”، وتتسق المقولة أكثر مع الوضع النسائي إذا ما رمنا التحقيق في واقع المرأة العربية.  اختلاف المشاغل لا يجعلنا نتغافل أيضاً عما هو مشترك، فللنساء العربيات همومٌ مشتركة رغم اختلاف الأنساق الاجتماعية القطرية، والوجع النسائي واحد وإن تعدّدت أشكاله وطبيعته وطرائق تمثيله في المجتمع وكيفية ”تضميده” وطبعاً تختلف التشريعات التي سُنَّت للحدّ منه.

مجلة ميم- على امتداد الرقعة الجغرافية العربية من المحيط الى الخليج، تختلف أنظمة الحكم تماما كما تتعدد الأنساق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكذلك تتمايز البلدان في مجال الإرث الحضاري والتاريخي. وهذا بالتأكيد يؤثر في المعيش اليومي للأفراد ويتجلى في ممارساتهم وفي تشريعاتهم ونمط حياتهم وفي تمثلهم لقضايا المرأة وأشكال تعاطيهم معها. كما أن المشترك بين بلدان العام العربي مهم وكبير ولا يمكن إغفاله، فالتاريخ والدين واللغة التي تشكل مرتكزات الهوية هي عنصر محدد في كل بلد إلى جانب وحدة المصير والتحديات المشتركة. وكلها مسائل تستوجب دراساتٍ وبحوثٍ معمّقة إذا ما رمنا مقاربتها، ولكن ما يعنينا في هذه المساحة هو وضع النساء .. وهذا يحتم علينا الانطلاق من أسئلة مركزية بهذا الخصوص:

إلى أي مدى تتماثل التحديات التي تواجهها النساء العربيات وما هي العراقيل التي تحول دون فرص تمكينها من تحقيق الذات؟

وهل يمكن الحديث عن خصائص قطرية لواقع المرأة العربية بعيدا عن المشاغل المشتركة؟

وما أوجه الاختلاف والتقارب بين سقف طموح المرأة في الأقطار العربية؟

سيكون من المهم في هذه المقاربة الانطلاق من الواقع التونسي، باعتبار أن التونسيين يعيشون هذه الأيام ومنذ 13 من أوت أغسطس الماضي جدلاً لم ينته حتى اللحظة، بعد مبادرة رئاسية مفادها تمكين المرأة من المساواة في الإرث وتمكينها من حقّ اختيار القرين، بغضّ الطرف عن ديانته؛ وهذا ما خلق انقساماً حاداً بين التونسيين في هذا الشأن. على أساس أن هناك من يتماهى مع هذه الفكرة وبشدّة ويستميت في الدفاع عنها، فيما يرى اخرون فيها تعارضاً صريحاً مع النصوص القرآنية.

والحقيقة أن النخبة التونسية تفخر دوماً بالريادة في مجال حقوق المرأة وتعتبر ذلك ظاهرةً تاريخيةً بالعودة إلى اشتراط أروى القيروانية على زوجها أبي جعفر المنصور عدم الزواج عليها، ثم ما أملاه الصداق القيرواني من ضمانات للنساء في ذلك العصر.

وفي التاريخ المعاصر لاشك أن مجلة الأحوال الشخصية التي شكلت منعرجاً حاسماً في تاريخ التشريع التونسي تعد علامةً فارقةً، باعتبارها منعت تعدّد الزوجات وألغت الطلاق الشفوي وجعلت هذا الأمر بيد القضاء، إلى جانب مكاسب أخرى عديدة.

وفي الراهن والعالم يتحدث باهتمامٍ بالغ عن القرار الملكي القاضي بالسماح للنساء السعوديات بقيادة السيارة، وهو الأمر الذي شكل مشغلاً من مشاغل المرأة في المملكة منذ فترة طويلة وحفّز الحقوقيين في العالم للتطرّق لهذه القضية، تحتفي النخبة التونسية بقانون تجريم العنف ضد النساء بمختلف تجلياته وهو الذي صادق عليه البرلمان التونسي مؤخراً.

ورغم أن البون يبدو شاسعاً هنا إذا ما نظرنا إلى الواقع الخليجي عموماً والوضع السعودي على سبيل المثال وليس الحصر، وبين ما هو مطروح في تونس سواءٌ من خلال التشريعات التقدميّة لفائدة النساء، أو في ما يتعلّق بالقضايا المطروحة للجدل في الفضاء العام. وإذا ما رمنا الغوص بعيداً في الخصائص القطرية لشواغل المرأة المخصوصة في كل بلدٍ عربي، فإن عديد الظواهر والوقائع تستوقفنا وهي جديرةٌ بالدرس والتمحيص.

فعلى سبيل المثال لازالت قضايا جرائم الشرف مطروحةً وبحدّة في عديد المجتمعات التي تقتل فيها المرأة بدعوى “أن الشرف الرفيع لا يسلم حتى يراق عليه الدم”، وأحياناً لمجرد شبهةٍ أو حديث نميمةٍ مُغرِض، كما في الأردن مثلاً.

أما تزويج القاصرات، فهو من القضايا الحارقة التي تعيش على وقعها بعض الشعوب العربية التي تنتزع فيها الطفلة من أحضان والديها ليلقى بها في أحضان زوج يكبرها بعقودٍ من أجل المال، كما هو الحال في اليمن مثلاً.

كما أن مواضيع، من قبيل ختان البنات والطلاق الشفوي واضطهاد المرأة، تطرح بشدّة على المجتمع المصري الذي يرتهن فيه مصير النساء بلفظة ”أنت طالق!” من زوج غالباً ما يكون في لحظة غضب أو تحت تأثير عوامل غير طبيعية.

كما يتم الزواج بثانية أو ثالثة ورابعة دون موافقة الزوجة أو طلب اذنها، وفي أغلب الحالات دون علمها، وهو ما يشي بذروة الإذلال وامتهانٌ لكرامة للنساء.

ولازال موضوع الختان هناك من قبيل “التابو“ أو المسكوت عنه الذي يُروى في غرفٍ مظلمة، ويحكي وجع النساء ومعاناتهن التي لن تنتهي.

طبعاً لن ننسى الوجع الفلسطيني وما تعيشه النساء من وطأة الاضطهاد في مواجهة الكيان المحتل ويتضاعف عذابهن بالمقارنة مع الرجل، خاصةً عندما يستشهد الزوج أو الأب أو الابن أو يتم أسرهم وتواجه المرأة مصيراً قاتماً.

وينطبق الأمر وبأشكال مختلفة عن النساء العربيات اللاتي يعشن في دول تفتت أوصالها الحروب والنزاعات المسلحة، على غرار ليبيا واليمن والعراق وسوريا.

ولأن مجمل هذه القضايا معلومةٌ للجميع، فإنه ليس حتمياً تفصيلها، لكن اختلاف المشاغل لا يجعلنا نتغافل أيضاً عما هو مشترك. فالوجع النسائي واحد وإن تعدّدت أشكاله وطبيعته وطرائق تمثيله في المجتمع وكيفية ”تضميده” وطبعاً تختلف التشريعات التي سُنَّت للحدّ منه.

فإذا كانت مدونة الأسرة المغربية التي تمت المصادقة عليها سنة 2006 قد سعت إلى حماية حقوق المرأة وحقوق الطفل، فإنها كما يقول المغاربة لم تغيّر الشيء الكثير في واقع المرأة التي تشترك فيه مع باقي النساء العربيات، وهو ما ينطبق أيضاً على وضعية النساء التونسيات اللاتي مازلن يتعرّضن إلى الاضطهاد والعنف وثمة أرقام مفزعة عن النساء اللاتي يفقدن حياتهن جراء ”العنف الذكوري” المُسَلَّط عليهن.

أما بالنسبة إلى الواقع الاقتصادي، فبالنظر إلى تفاقم الأزمة المحتدّة والتي أفرزت تدني مستوى العيش، فإن النساء هنّ الأكثر تضرراً في هذا المجال، وهنّ الأكثر عرضةً إلى الاستغلال الفاحش، سواءٌ كان هذا في مصر أو تونس أو المغرب أو لبنان وغيرها.

الحقيقة هي أن النساء هنّ الحلقة الأضعف إذا ما تعلّق الأمر بضراوة ظاهرة الفقر وارتداداتها الحادة التي تتجلى بأشكالٍ مختلفة، تبدأ باستغلال المرأة في العمل، دون تمكينها من الأجر الذي تستحقه، كما يحدث في الأعمال الفلاحية وفي بعض الشركات والمعامل الكبرى، وتصل إلى ممارسة المرأة لأعمال مهينة وغير قانونية، وصولاً إلى الاستغلال الجنسي للنساء وعمالة الأطفال من الإناث خاصةً في البيوت وهي من الظواهر الخطيرة.

هذا بالنسبة إلى المعطيات الاجتماعية والاقتصادية، أما بخصوص المشاركة السياسية والإسهام في الشأن العام فإن حضور النساء لازال محتشماً ودون المأمول ويتساوى في ذلك أولئك الذي يمتلكون تشريعات مُحفِّزة على ذلك ومن يفتقرون لها. وذلك يفسر بغياب تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في الحقل السياسي وغياب تمكين المرأة من الإسهام الفاعل في صناعة القرار وتبوأ مكانةٍ مهمةٍ في المشهد العام.

يحدث هذا رغم التشريعات التي تتعارض مع كل ما أسلفنا ذكره في بعض البلدان، على غرار تونس ومع ذلك فثمّة بونٌ شاسعٌ بين التشريع والممارسة.ولازالت المرأة العربية تتطلّع إلى واقعٍ أفضل تتساوى فيه مع الرجل بعيداً عن كل مظاهر التمييز الاجتماعي والاقتصادي والقانوني، وتطمح إلى أن يكون لها دورٌ فاعلٌ في المسار التنموي على أساس قدرتها وكفاءتها.

هموم مشتركة للنساء العربيات

هموم مشتركة للنساء العربيات

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015