مجتمعٌ لا تملك المرأة فيه حريَّتها؛ سيظلُّ الجميع فيه عبيداً
يوم المرأة العالمي

نضال منصور/ موقع (الحرة) الإلكتروني- نور عز الدين إعلامية أردنية صدمتني وأيقظتني في تعليقٍ لها على فيسبوك صبيحة الثامن من آذار/مارس ذكرى اليوم العالمي للمرأة بقولها:

“من طلب الاحتفال بي؟

أنا لم أطلب من أحد الاحتفال بي، ولا أنتظر من أحد أن يحتفل بي،

تحتفلون بي من أجل ماذا؟”.

تواصل عز الدين، وهي تقيم في إسطنبول، استنكارها لاحتفالات العالم العربي بيوم المرأة العالمي قائلةً “من أجل حروبٍ لا زلت أخوضها يومياً في الشارع العام وأنا أضع سماعات الأذن كي لا أسمع نداءات التحرّش الجميلة، وأنا أركب سيارتي وأخشى أن أرفع صوت الموسيقى ريثما أقف عند الإشارة الضوئية كي لا يرمقني رجلٌ قدير تملؤه الأخلاق بنظرةٍ مزرية”.

وتكمل “وأنا استيقظ في صباحاتٍ دموية شهرية، تشلّ قدرتي على الذهاب للعمل، وأخشى أن يعلم زملائي بها، وطاقتي تصل حدّ الصفر لأن المؤسسات العمالية لم تصل لمرحلة التقدّم بعد لتحرير إجازةٍ شهرية للمرأة، وأنا أرى صغيراتٍ في عائلتي يتزَوَجن في عمر الطفولة، ولا أستطيع تغيير الأمر لجهل أهلها وجهلها هي أيضا، وأنا أرى صديقتي التي تحمّلت مرارة الأمومة والحمل وكافة هذه الهرمونات الصاعدة والهابطة ليأتي زوجها المِغوار ويأخذ أطفالها منها، عن أيّ عيدٍ أتحدّث وإن تعب ابني في الأردن وأريد عمل عملية جراحية له في مستشفى لن أتمكّن دون موافقة أبيه”.

وتختتم القول “لطفاً لا أحد يحتفل بي، فعندما نتمكّن من أخذ حقوقنا البسيطة البديهية قبل الكبيرة وتنتهي أبسط المشكلات التي نتعرّض لها بشكل يومي تحتفلون بنا”.

فعلاً لماذا يحتفل العالم العربي باليوم العالمي للمرأة، هل هي طقوسٌ ليُداري خيبةً مريرة، أم تنميطٌ جديد لصورة المرأة لا تتعدّى يوماً واحداً في العام؟

منذ سنوات تسعى مؤسسات الأمم المتحدة للتذكير أنّ العالم لن يشهد نهضةً دون أن تأخذ المرأة مكانتها، وتستعيد حقوقها التي سلبتها سلطة الذكور، وكرّستها سلطة سياسية مُستَبِدة، مهما كان اتجاهها وأيديولوجيتها.

“اليونسكو” مثلاً أطلقت مبادرة رمزية في وسائل الإعلام تتلخص بأن تُسنَد رئاسة التحرير أو الإدارة لامرأةٍ ليومٍ واحد، واستخدمت مؤسسات الإعلام العربي هذا التقليد والطقس، وبات مضحكاً وسمجاً لا يُغيّر في الواقع، ويكرّس حقيقة أنّ المرأة في الإعلام ليست أكثر من زينة و”فترينة” تُستَخدم لتجميل الصورة، وواقع الأمر أنّ هناك إعلاميات عربيات كنّ وما زلن يقدّمن نموذجاً ريادياً في الدفاع عن الحقيقة مهما كلّف الثمن، والذاكرة تزخر بإعلامياتٍ سقطن شهيداتٍ للمهنة، وأخرياتٍ عشن لأعوام خلف القضبان لأنهن تجرّأن على اقتحام المسكوت عنه، والاقتراب من “التابوهات”، وبعضهن تعرّضن للتهديد فتركن أوطانهن وعشن في المنافي.

بالتأكيد معاناة النساء ممتدّة على خارطة العالم، وأكثر التقارير مؤلمة، ما يؤكّده المنتدى الاقتصادي العالمي حين يُشير بوضوح أن النساء يحتجن لقرونٍ من الزمن لتحقيق التكافؤ في جميع أنحاء العالم.

نفس التقرير يُطالِعنا بأرقامٍ تخلق غصّة، فالعالم يحتاج 108 سنوات لردم الفجوة بين الجنسين، وإلى 202 سنة لإزالة جميع الفوارق.

تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يغطّي 149 دولة ويركّز على التعليم، الصحة، الفرص الاقتصادية والتمثيل السياسي، يدقّ جرس الخطر لتعرّض حقوق المرأة لانتكاساتٍ في هذه المجالات بدل التقدّم وتحقيق تحسّن مضطرد.

إذا كان واقع المرأة في العالم يواجه تحدّيات ومصاعب، فإنّ الصورة الأكثر تخلّفاً وبؤساً ستكون حتماً في الشرق الأوسط وخاصة العالم العربي.

في بلادنا تقع النساء تحت ضغوط و”تابوهات مقدّسة” تحاول الخلاص منها، فتجد نفسها أكثر تكبيلاً.

المشكلة الأكثر تعقيداً؛ من يستطيع أن يرفع الصوت ليُجاهر أنّ توظيف الدين في الحياة يحاصر ويسجن المرأة، ويبقيها تحت سلطة الرجل؟ وإن وجدت اجتهادات تنويرية فإنّ بعض “أصحاب العمائم” يكفّرون بفتاويهم من يحاولون الخروج على سلطتهم.

توظيف الدين لإبقاء النساء سجينات عباءات سوداء، لا يقلّ كبحاً منه موروث اجتماعي ـ عادات وتقاليد ـ أصبحت شبكةً عنكبوتية من الصعب التحرّر من خيوطها، وصارت عبئاً وأكثر طغياناً من سلطة الدين والقانون.

صندوق النقد العربي يبشّر وسط هذه الحالة المُتشائمة والسوداوية بأنّ التمكين الاقتصادي للمرأة يحقّق أهداف التنمية المستدامة، وأنّ المساواة بين الرجال والنساء، يُساعد على زيادة الناتج المحلي في العالم العربي من 12 إلى 28 ترليون دولار بحدود عام 2025.

وينبّه الصندوق إلى أنّ خفض نسب الفقر مرتبط بشكل أساسي في إدماج وتمكين المرأة في سوق العمل، مشيراً إلى أنّ ارتفاع معدّل الخصوبة وزيادة الإنجاب يؤثّر بشكل عكسي على مشاركة المرأة بسوق العمل، في حين يؤثّر الالتحاق بالتعليم الجامعي في زيادة فرصها للانخراط بسوق العمل وتوفير فرص أفضل لها.

ومثلما تتذيّل الدول العربية مؤشرات الحريّات، فإن منظمة العمل الدولية تكشف عن انخفاض نسبة مشاركة المرأة العربية في سوق العمل مقارنةً بالمتوسّط العالمي، حيث تبلغ 18.9% نسبة مشاركة النساء من إجمالي الإناث في سن العمل وفق إحصائيات لعام 2017، في حين تبلغ النسبة 48.7% للنساء في العالم، وتتماثل النتائج لمعدّلات البطالة لتبلغ بين النساء العربيات 16.7% وفي العالم 6% فقط.

دراسة البنك الدولي تقول إنّ أدنى مرتبة بمؤشّر المساواة بين الجنسين كانت من نصيب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبلغت 47.37%، وتخلص الدراسة للقول “لو يُتاح للنساء فرص متساوية لأصبح العلام أكثر عدلاً وازدهاراً”.

الفجوة الجندرية والتمييز ضدّ النساء مرعب، فالأرقام تشي أنّ 2.7 مليار امرأة ممنوعة قانوناً من الحصول على فرص العمل التي يحقّ للرجال الحصول عليها.

وكالعادة فإنّ النساء في الشرق الأوسط أكثر حرماناً من حقوق قانونية متساوية، وتتقدّم المؤشر بالمساواة القانونية دولٌ مثل بلجيكا، وفرنسا، والسويد، ولاتفيا وتحصل على العلامة الكاملة.

تناضل النساء في العالم العربي من أجل حقوقهن دون طائل، وإذا ما استثنينا تونس التي حقّقت الريادية في تمكين النساء، وآخر المواقف والقضايا التي أثارت “زوبعة” عربية مساواة النساء بالرجال بالإرث، وسبقها منع تعدّد الزوجات منذ عهد الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة. إذا ما استثنينا هذه الحالة المشرقة فإن السائد عربياً أن لا تملك النساء الحق بمنح أولادهنّ وأزواجهنّ جنسيتها، وبعض الدول لا تعطيهم الحقّ بالإقامة الدائمة، في حين يُعطي الدستور والقانون الرجال العرب الحقّ بمنح الجنسية لزوجته حتى وإن تزوّج أربع نساء، ولكلّ أولاده مهما بلغ عددهم، ومهما كانت جنسية الأم.

يتباهى كثيرٌ من الرجال العرب بأنّه حصل على الجنسية الأميركية أو الأوروبية لأنّه تزوّج من مواطنة تتبع هذه البلدان، ويفخر أن أولاده حازوا على جنسية أمهم فوراً، بل أنّ بعضهم يذهب خفيةً وزوجته حامل ليُنجِب في بلاد الغرب ليحصل ابنه المولود هناك على الجنسية فوراً، بعض هؤلاء “الذكور” لو سألتهم رغم ما أخذوه من حقوق ومكتسبات في بلاد الغرب؛ فإنهم ينكرونها على النساء في أوطانهم دون أن يشعروا حتى بتأنيب الضمير.

تمرّدت النساء في العالم على حكم الرجال والسلطة المُستبِدة التي أنتجوها، واستطاعت أن تكسر الأغلال التي قيّدتها، إلا في العالم العربي فما تزال تُذبح النساء تحت ستار وكذبة الشرف، ويتواطأ المجتمع ليقدّم الحماية للقاتل باعتباره “حمى شرف القبيلة”.

عالمٌ كهذا؛ لا تملك المرأة فيه حريَّتها، سيظل الجميع فيه عبيداً مهما تفاخروا بحريّةٍ هم لا يملكونها أصلاً.

يوم المرأة العالمي

يوم المرأة العالمي

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015