مشكلات المرأة المعاصرة
لوحة للفنانة تغريد البقشي

محمد عبد الكريم يوسف/wonews- يتأرجح وضع المرأة المعاصرة بين مد وجزر. فالمرأة العربية في بداية القرن العشرين، وخاصةً في سورية ولبنان وفلسطين والعراق ومصر، كانت تتمتع بحقوق عديدة فقدتها بالتدريج مع نهاية القرن.

والآن وخلال عام 2020، نجد أنّ المرأة حقّقت تقدّماً ملحوظاً على المستوى الرسمي في العديد من الدول. فالمرأة السورية رئيس برلمان ونائب ووزير ومستشار وقاضٍ وطبيبة ومهندسة، ونسب مشاركتها عالية في العديد من المستويات الرسمية. وفي الولايات المتحدة الأمريكية حقّقت المرأة تقدّماً استثنائياً فقد ترشّحت لأول مرة لسباق الرئاسة الأمريكية، وهي رئيس لمجلس الشيوخ، وتبوّأت العديد من المراكز الهامة في دنيا المال والأعمال.

لكن المرأة، رغم مكاسبها الكثيرة في بعض البلدان، لا زالت تواجه تحدّيات عديدة تهدّد مستقبلها؛ منها:

غياب النساء عن مناصب السلطة:

يُلاحظ دائماً وجود نقص في حضور المرأة في العديد من مواقع السلطة العليا في الدول على المستوى العالمي. وتناضل المرأة باستمرار للوصول إلى المساواة بين الرجل والمرأة في مناصب السلطة العليا ومجالس إدارة الشركات والمحاكم القضائية والقيادة السياسية. ولا يزال نقص النساء في المناصب العليا يعيق التقدّم في القضايا من الأجور إلى المساعدات الإنسانية إلى التمييز بجميع أشكاله.

وكلّما فهمنا مبكّراً أنّ نقص المرأة في الأدوار القيادية يعيق ليس فقط النساء، ولكن جميع الناس، كلّما تمكّنّا من النهوض بالمجتمع ككل.

تحدّيات النظام الأبوي:

إنّ التحدّي الأكبر الذي يُواجه النساء في العالم اليوم هو سلطة النظام الأبوي. ويتضح ذلك بشكلٍ خاص في عالم السياسة.

وبغض النظر عن تجربة المرأة أو تعليمها أو قدراتها، فإنّ الطبيعة الأبوية للمجتمع تعزّز التصوّر بأنّ النساء أقلّ تأهيلاً وأقلّ كفاءةً من الرجال. وقد أقنع النظام الأبوي الناس بأنّ المرأة القوية والذكية بحدّ ذاتها مشكلة؛ فهي تعطّل النظام الاجتماعي، بدلاً من أن تكون جزء لا يتجزأ منه.

كما أن التغطية الإعلامية المتحيّزة للسياسيات، التي تركّز على أزياء المرأة وتنظّر في تفكيرهنّ بالسياسة، تؤكّد هذه المسألة. ولذلك فليس من قبيل المصادفة أنّ الكثير من الدول لا تتماشى تماماً مع التقدّم في منظومة تطوير حقوق المرأة، وخاصةً عندما يتعلّق الأمر بانتخاب امرأة رئيسة.

لقد وصلت النساء إلى أعلى منصب قيادي في سورية وليبيريا والهند والمملكة المتحدة ودومينيكان وفي العديد من الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم.

عدد النساء المتمكّنات لا يكفي:

ليس من الممكن تحديد تحدٍّ واحدٍ فقط أمام المرأة؛ بدءاً من الاقتصاد إلى تغيّر المناخ إلى إصلاح العدالة إلى الأمن القومي. وجميع هذه القضايا هي قضايا المرأة – ولكن المؤكّد أنّ المفتاح لمواجهة التحدّيات التي تواجهها المرأة هو التأكيد على أنّ المرأة المتمكّنة حاضرة دائماً وعددها يكفي.

إن وجود المرأة في موقع اتخاذ القرار يصبغ السلطة بمنظور آخر. وبدءاً من عام 2018 خطت المرأة خطوات جيدة غير مسبوقة في الترشّح للمناصب القيادية في العديد من الدول.

والمؤكّد أن هناك نقطة تحوّل كبيرة في وضع المرأة نحو الأمام، وعلى المرأة أن تدرك جلياً أنها يمكن أن تكون الأولى، ولكن عليها أن تتأكّد أنها ليست الأخيرة.

التحيّز الجنسي والعنصرية وعدم المساواة الاقتصادية:

هناك مزجٌ قوي للغاية بين التحيّز الجنسي والعنصرية وعدم المساواة الاقتصادية على المستوى الداخلي والخارجي للعديد من البلدان، محليّاً وعالميّاً. وقد لاحظت الاستقراءات وجود التمييز بين الرجل والمرأة ناحية الدخل ولنفس العمل، حتى في دولٍ تصف نفسها بالعالم المتحضّر، مثل ألمانيا واسبانيا وهولندا.

هناك خللٌ وتحيّز في المدفوعات بين الرجل والمرأة وعلى أكثر من صعيد.

معضلة الأنوثة:

ربما كان التهديد الأقوى لحريّة المرأة هو معضلة الأنوثة. فالأنثى تستخدم أنوثتها سلاحاً في حياتها كلما دعت الضرورة، سلباً وايجاباً. والضرر هنا من الثوابت الإنسانية.

النساء الأمريكيات من أكثر النساء في العالم شعوراً بالأمان والحرية والصحة والغنى والتمتّع بالفرص، وتتفوّق على الرجل في كثيرٍ من المجالات في الشركات والجامعات.

ولكن المشكلة هي أنّ المرأة تتعلّم باكراً أنها ضعيفة وهشّة ولا تتحمل الأخطار، ولهذا السبب لا تحاول التساوي مع الرجال وتتيقّن بأنّ العالم الذي تعيش فيه هو عالم الرجال لا عالم النساء.

تكافؤ الفرص:

تتحمّل المرأة الكثير من المسؤولية في حالات الأزمات والصراعات، وتفكّر بغيرها عندما تطلب شيئاً، فالمرأة تطلب لبنتها أو طفلها، قبل أن تطلب لنفسها، كما تُحاول أن تؤمّن فرصاً للأطفال حُرِمَت منها في مرحلة الشباب.

المؤكّد هو أنّ المرأة لا تحصل على نفس الفرص التي يحصل عليها الرجل في عددٍ من البلدان. وتفتقر كثيرٌ من البلدان إلى القوانين التي تؤمّن الفرص المتساوية في المسؤوليات والواجبات بين الرجل والمرأة.

وعلى الرغم من عقودٍ من التقدّم الملحوظ، في الداخل والخارج، فإن الحقبة التي لا يتمّ فيها تحديد الفرص حسب الجنس لم تتحقّق بعد عالمياً. والأكثر إثارةّ للقلق أنه في أماكن كثيرة حول العالم تُمارس النساء حقوقهنّ الأساسية بشكلٍ يُفسَّر على أنه تحدّ مباشر ومُزَعزِع للاستقرار لهياكل السلطة القائمة.

تحاول بعض الأنظمة الآن التراجع عن الحقوق التي حصلت عليها النساء والفتيات بشقّ الأنفس؛ ولهذا السبب يتوجّب على الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، إعادة تنشيط السياسات وإعادة الاستثمار في السياسات، وكذلك الأطر القانونية والاجتماعية التي تحقّق المساواة بين الجنسين والاندماج في جميع أنحاء العالم.

عدم الاحترام عند تقديم الرعاية:

تُمارس المرأة العمل بوظيفتين في دوامٍ كامل في معظم دول العالم، فهي تعمل خارج البيت وتعمل داخل البيت في رعاية الأطفال والآباء والزواج أو الأشقاء. وتُنافس المرأة الرجل الذي يقوم بعملٍ واحدٍ فقط.

من يُقنع الرجال بتقديم المساعدة والعون للمرأة؟ يبدو أنّنا بحاجة لثورة حقيقية غامرة في القيم والمفاهيم، حتى نتمكّن من إعادة تعريف الرعاية والتوجيه والتواصل والإرشاد وتوزيع الحصص على المرأة والرجل في آنٍ واحد.

تُعاني المرأة في معظم دول العالم وخاصةً في الدول النامية والدول متوسّطة الدخل مشكلةً أكبر، حيث يعتبرها المجتمع ملكيةً من أملاك الرجل، وفي حالاتٍ أفضل؛ يعتبر الرجل وليَ أمر المرأة في التسجيل في المدرسة والسفر والعمل والزواج.

لهذه الأسباب وغيرها لا تزال المرأة مجبَرةً على الخضوع قانونياً واجتماعياً للرجال، من دون وجود أي احتمال للحصول على الاستقلال المالي أو الاجتماعي.

وهنا يجب خلق الظروف القانونية والاجتماعية التي تتيح للمرأة الحصول على فرص متساوية مع الرجل.

الأمومة:

هناك تناقض واضح بين دور المرأة كأم وبين عملها خارج المنزل. الأمومة لا تنتهي بالحمل والولادة. وهناك أيضاً تبعات تربوية وصحية تلحق بالولادة من عناية بالطفل وتربيته والاهتمام بالبيت. وفي الحقيقة، تعيش الأم في حالة طوارئ مستمرة حتى يبلغ الطفل سن النضوج.

تشكّل الأمومة وتبعاتها حالة ضغط على الأم العاملة خارج المنزل. وتميل معظم النساء إلى التوقّف عن إحدى الوظيفتين لأسباب نفسية ومادية. والملاحظ عالمياً أنها تتوقّف عن ترف الأمومة لصالح العمل؛ بسبب الضغوط المادية التي تتعرّض لها الأسرة في معظم دول العالم.

إنّ التحدّي الأكبر الذي يُواجه المرأة على الصعيد الدولي هو عدم المساواة الأساسية في الفرص السياسية والاقتصادية التي تواجهها غالبية النساء في العالم. ويجب أن تعمل الحركة النسائية في القرن الحادي والعشرين على توسيع حقوق الإنسان والحريات السياسية والفرص الاقتصادية التي تتمتّع بها المرأة في الشرق والغرب، لتشمل النساء على مستوى العالم.

زيادة معدّلات الوفيات بين الأمهات:

تُشير الدراسات إلى أنّ أكبر التحدّيات التي تُواجهها النساء في العالم اليوم هي زيادة معدّلات وفيّات الأمهات. وفقاً لمنظمة الصحة العالمية؛ تموت 830 امرأة كل يوم نتيجة “أسباب يمكن الوقاية منها، وتتعلّق بالحمل”.

هذه الإحصائيات أكثر إثارةً للدهشة في البلدان النامية وبين النساء الملوّنات، فالمرأة الملوّنة على وجه الخصوص هي الأكثر تضرراً، ونسبة وفاتها تصل إلى 25.1 وفاة لكل 100000، وفقاً لمجلة “تعليم الظروف المحيطة بالولادة”؛ حيث تذكر المجلة أن معدّلات وفيّات النساء السود لم تتحسّن بين 1980 و 1990، وهذه المعدّلات ليست أفضل بكثير اليوم.

يعتقد البعض أنّ مثل هذه الفوارق تحدث بسبب مجتمع منقسم عنصرياً، تُعاني فيه النساء السود مستوياتٍ أعلى من الإجهاد والتهميش، مما يؤدّي إلى عدم الاعتراف بالكثير من مخاوفهنّ الصحية، وهذا يؤدي إلى وفيّات يمكن تجنّبها في حال تدخّل المجتمع أو السلطات.

حملات الكراهية للنساء:

هناك من ينظرُ للمرأة بكراهية في معظم دول العالم، ويعتبرها همّاً لا ينتهي، ويُمارس بحقّها “الوأد الفكري”. وتعتبر حملات الكراهية للنساء من التحدّيات الكبرى أمام المرأة المعاصرة، والتي تسبّب لها الإعاقة في التقدّم في العمل والحياة والمجتمع.

لقد مارس الرئيس دونالد ترامب الكراهية ضدّ النساء، وسبّب لهنّ الأذى من خلال تعليق القانون الاتحادي الأمريكي الذي يسدّ الفجوة في الأجور بين الرجل والمرأة، كما فرض أيضاً قيوداً على حرية الإنجاب.

وعلى الصعيد العالمي، ربما كانت أهم قضية بالنسبة للمجتمع الدولي هي تمكين أصوات النساء. فالنساء والفتيات تواجه في كل مكانٍ الآن مجموعةً كبيرة من التحدّيات، تبدأ في عدم القدرة على الحصول على الغذاء والتعليم والعمل، والعنف القائم على نوع الجنس.

يجب أن تساعد وجهات نظرهنّ وتجاربهنّ في تشكيل مستقبلنا الجماعي. وإذا أردنا صياغة أفضل الحلول لتوسيع السلام والأمن الدولي والمجتمعي للمضي قدماً، فإننا بحاجة إلى منح المرأة الذكية والديناميكية والقوية مقعداً على طاولة صنع القرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

تشكّل القضايا الاقتصادية الأساسية عبئاً كبيراً على النساء وأسرهِنّ. إذ يذهب عدد أكبر من الشابات إلى الجامعات أكثر من الرجال ويتخرّجن قبلهم، ولكنّ الأجور غير المتكافئة؛ تجعل من الصعب عليهنّ ممارسة العمل والحياة الطبيعية. كما يزداد عدد النساء العاملات بأجرٍ أدنى من الرجال، مع العلم أنّ الحدّ الأدنى للأجور لا يُبعِدُ الأم وطفلها عن خط الفقر.

علينا جميعاً المساهمة في إعادة النظر في واقع المرأة في معظم دول العالم، حتى المتحضّر.

التحرّش:

تتعرّض المرأة في معظم دول العالم للتحرّش حتى على وسائل التواصل الاجتماعي. ويُساهم اعتبار المرأة سلعة ووسيلة من وسائل المتعة في استمرار تعرّض النساء للتحرّش في العمل والمجتمع والشارع.

التحرّش بالمرأة سلوكٌ مَرَضي يُعيد الرجل إلى مرحلة الصيد الأولى، ويحطُّ من إنسانية الإنسان ويُلغي تاريخه المتحضّر ومدنيّته. وفي هذا السياق تتعرّض المرأة لذئبية الرجل في العديد من المجتمعات المتحضّرة مثل الولايات المتحدة والهند وباكستان وبعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقي. أما في الدول الأوروبية فتتعرّض المرأة لممارسة تجارة الرقيق وبيع الجسد لأسباب مادية يفرضها واقعها المريض تحت مسمّيات مختلفة.

الخِتان:

يعدّ الختان من حالات الاعتداء الموصوفة على حرية المرأة وهي صغيرة في العديد من دول العالم. وتتعرّض بسببه للألم والموت والمعاناة التي لا تنتهي. ينتشر الختان في العديد من دول العالم في أفريقيا وأسيا والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية، ويدخل في الثقافة المجتمعية المُتوارَثة حتى ضمن الأسر المتعلّمة، الأمر الذي يشكّل مصدر خطر دائم للمرأة واعتداء صارخ على حريّتها وكرامتها.

هذه التحدّيات وغيرها تجعل من الضروري على كلّ عالمٍ لبيب أريب أن يساهم بأخلاقية في إعادة النظر بالقوانين الحاكمة والعادات السائدة والأعراف البائدة، وسنّ قوانين بديلة تُنصِف المرأة وتمنحها حقوقاً تُوازي ما تقدّمه من خدمات مجتمعية وعملية وأهلية.

لوحة للفنانة تغريد البقشي

لوحة للفنانة تغريد البقشي

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015