معلمةٌ سورية تروي كيف أصبحت من النساء الأكثر تأثيراً
المعلِمة السورية أحلام الرشيد

هديل عطالله/ مجلة ميم- لم يكن حذيفة شابا عاديا؛ في روحه اتقد الطموح والجد والاجتهاد؛ قرر أن يكون الأول على سورية عام 2006 فوقفت إلى جانبه معلمته “أحلام الرشيد”؛ مساندة إياه في دروس اللغة العربية حتى بعد أوقات الدوام المدرسي. ألقت فيه بذرة الثقة بالنفس وهي تردد على مسمعه مراراً وتكراراً: “ستصبح طبيبا لا مثيل لك؛ وسوف أكون أول المُراجعات عندك”؛ أما هو فضحك ببراءة قائلاً: “بعيد الشر عنكِ يا آنسة”؛ وفي الثانوية العامة حصد ما أراده من تفوق والتحق بــ كلية الطب.

تقول المعلمة السورية: “لم تتسع الدنيا لفرحتي به؛ درسَ حذيفة سنواته الست؛ وفي العام الأخير وقبل تخرجه بأشهر أرسل لي رسالة صوتية؛ يقول فيها: “كيفك يا إمي”؛ كم فرحت أنه لم ينس الفضل لأنه أهل له؛ وكانت تلك هي المرة الأخيرة التي أسمع فيها صوته؛ يا للأسف لقد اعتقل ومات في غياهب السجون؛ وبقيت ذكراه وطموحه لا تفارقان مخيلتي”.

إنها بدايةٌ حزينة لقصة جميلة صاحبتها ناشطة سورية سطع نجمها؛ تقدم المساعدة للنازحين السوريين عن طريق مركز تدريب وتعليم افتتحته على الحدود السورية التركية؛ ودربت فيه الآلاف؛ إذ تعمل في حقل التعليم منذ عام 1991؛ وتشرف على المراكز النسائية في عدة منظمات.

قلّةٌ من يسبقون أحلام في العطاء والطموح؛ ففي مقتبل عمرها انتزعت حقها في التعليم رغماً عن قسوة الظروف؛ و اندفعت بأقصى قوتها تعمل في مصانع البسكويت والمثلجات؛ ليتسنى لها تسديد الرسوم الجامعية؛ لم تأبه لثلاثة حروب عاصرتها؛ بدءاً بالحرب الأهلية في لبنان ومروراً بحرب الخليج بين العراق والكويت ومن ثم الحرب المندلعة في سوريا الآن؛ والأهم أنها لم تقف مكتوفة اليدين بعد نزوحها وعائلتها من “معرّة النعمان”.

هزمت إرادتها الفولاذية كل شيء؛ وكلما قطعت شوطاً همست لنفسها: “لقد اقترب وقت القطاف”؛ وها هي اليوم تعيد الحياة إلى “براعم الورد”؛ فــ “تاء التأنيث” هي مشتل الياسمين الذي تهواه؛ وهكذا استحقت أحلام أن تختارها قناة BBC، من ضمن 100 امرأة الأكثر تأثيراً في عام 2017.

تجيد هذه السيدة إدارة الوقت بالرغم من تعدد مهامها؛ وكل ما يهمها رفع مستوى الوعي لدى المجتمع؛ لذا هي لا تتردد في مساعدة النساء والفتيات في المخيمات؛ عبر عقدها دورات لمحو الأمية وجلسات للدعم النفسي؛ بالإضافة إلى تعليمهن الحرف مما وفر للكثيرات مصدر رزق لاحقاً؛ وقد امتد نشاطها إلى تدريب فِرق الشرطة النسائية وطواقم الهلال الأحمر.

“هايدي” تحت ضوء القمر

ترعرعت أحلام الرشيد في قرية “حاس” التي لم تتخطى فيها الفتيات المرحلة الإعدادية؛ إنها السمة العامة لحقبة الثمانينيات في الأرياف السورية؛ التي قوقعت الفتاة في إطار لا يتجاوز الزواج والحمل والولادة وطاعة الزوج العمياء.

تتحدث عن تلك الأجواء التي عايشت تحدياتها: “تمنت العديد من الفتيات إكمال تعليمهن لكن ذلك عارض رغبة معظم الأهالي تماماً كحال عائلتي؛ ففي ذلك الحين ساد الفقر والجهل وعادات وتقاليد بالية أساءت فهم الدين؛ كانت مهمة الأنثى أن تعمل في الأرض وحسب”.

وقفت أحلام في وجه الرياح العاتية؛ تستعيد تلك الأيام بقولها: “في البداية كان لا بد وأن اتقن فهم الدين كي أستطيع أن أحاجج به من يحاول تكسير مجاديف سفينتي؛ حفظت الكثير من القرآن والأحاديث وتعمقت بفهم موادي الدراسية؛ كنت كثيرة المطالعة والثقافة كي أقاوم الجهل في مجتمعنا”.

أختها الأصغر منها؛ تزوجت في سن السادسة عشر شأن العديد من الفتيات آنذاك؛ ولم تجدِ محاولات أحلام في إقناعها بألا تنجرّ خلف كلام المجتمع من قبيل ( يا حرام هالبنت عنّست؛ لنشوف رح تعلق شهاداتها على باب المطبخ).

من فيلم حياتها؛ تكشف الستار عن أحد المشاهِد لمراسلة “مجلة ميم”: “كنت أقطع الجبال والوديان كي أصل إلى مدرستي حاملةً حقيبتي على ظهري لمسافة طويلة؛ لقد شعرتُ أني النسخة الحقيقية من “هايدي” – مسلسل رسوم متحركة – وأتذكر حين كنت أدرس لامتحان الشهادة الثانوية لم أعرف طعم النوم وقد يمتد سهري إلى ليلتين وأكثر؛ وكل ذلك كي لا أخسر درجة في أي مادة؛ ذات مرة أمرني والدي بنبرة صارمة: “اطفئي الضوء؛ نريد أن ننام”؛ لم أجرؤ على التفوه بكلمة واحدة؛ انسحبت بهدوء لأكمل دراستي على ضوء القمر حتى غاب؛ فقد كان الوقت صيفا ومن ثم أشعلت “النواسة”؛ وأمضيت ليلتي عند عتبة باب غرفتنا حتى أنهيت المادة مع تباشير الصباح”.

تواصل الحديث بــ همة تناطح السحاب: “كان همي الأول والأخير أن أحصل على الشهادة؛ لم أملك الكثير من النقود لأستأنف تعليمي؛ ولطالما رقص قلبي من السعادة كلما رأيت فتيات من عمري يذهبن للجامعة؛ كنت واثقة أني سألحق بهن”؛ وحتى أضمن تحقيق هدفي؛ قررت أن اعتمد على نفسي لأتدبر أمري؛ ففي عطلة نصف العام أثناء دراستي الجامعية كنت أسافر من حلب إلى دمشق التي لطالما تمنيت أن أدرس فيها علم النفس ولكنه لم يكن متاحا في جامعة حلب؛ عملت في العديد من الأشغال؛ من بينها على الآلة الكاتبة في فرن في “تل منين” لأعود في كل مرة بمبلغ متواضع أكمل به بقية عامي الدراسي؛ وبقيت على هذا المنوال حتى أنهيت دراستي من كلية الآداب – قسم اللغة العربية-  عام 1991؛ وبفضل الله كنت من أوائل الجامعة”.

دموع فرح

نعم حوّلت الأحلام إلى حقائق؛ لكن الطريق لم يكن مفروشاً بالزهور؛ على سبيل المثال لم يتسنى لها إكمال الدراسات العليا في مجال اختصاصها بعد زواجها من ابن عمها وسفرها معه إلى ليبيا؛ ثم بعد عودتها فتح القدر لها الباب من جديد؛ تتحدث عن ذلك: “بعد ستة عشر عاما عدت إلى سورية وحصلت على دبلوم “التأهيل التربوي” فقررت أن أواصل التدريس؛ المهنة الأقرب إلى روحي من الهواء والماء؛ التدريس هو أن تبني الإنسان؛ أن تسعد عاَلما وتعمل على اكتشافه في الوقت نفسه؛ مع أنه مليء بالمتاعب والآلام والسهر والمتابعة والإتقان والإخلاص”.

سألتها عن الأسباب التي جعلت BBC تختارها واحدة من النساء المؤثرات؛ صمتت قليلاً ثم قالت بنبرة فيها من التواضع: “لا أعرف ما هي معايير التصنيف عندهم؛ ولكن الذي أعرفه أنني كنت أعمل ولا انتظر مقابلا أو شهرة؛ كل ما أردته أن أقدّم ما بوسعي لخدمة الناس ومساعدتهم وخاصة النساء والفتيات اللاوتي يتعرضن للظلم في كثير من الأحيان”.

قد يعجب المرء من أمر انتمائها اللامحدود إلى رسالتها؛ لكن الصورة كانت واضحة أمامها وضوح الشمس: “أنا مُدرسة والطلاب بحاجة لي فكيف أتوانى؛ كيف أقصر وأنا قادرة على أن أدعم من هم بحاجتي؛ أنا هنا لأن الله أرادني هنا؛ علّمت الفتيات في المخيمات والآن هن يدرسن كليات الطب والمهندسات ؛لم استطع أن أحجب علمي عن فتيات بلدي اللواتي عانين من الحرب والنزوح والضغوطات بكل أشكالها النفسية والاجتماعية والاقتصادية”.

انتصبت قامة “صاحبة القلب النبيل” وهي تقف إلى جانب الزهرات؛ معلنة عن دورات مجانية لكل من أرادت أن تلتحق بها؛ وذلك في “خيمتها” التي فتحتها في البدايات لهذا الغرض؛ ثم اتجهت نحو المدارس ومراكز المنظمات.

تصحبنا معها إلى الأجواء التي تعيش شغفها دون أن ينقص بمرور الوقت: “كنت أطفئ النار تحت طبختي وأذهب لإعطاء الدرس ثم أعود مرة أخرى لإكمال تجهيز الطعام لأولادي؛ رافقت الطلاب تحت القصف والحواجز والمعاناة والخوف إلى قاعات امتحاناتهم حتى يطمئن قلبي؛ لقد كادوا أن يفقدوا الأمل في تقديمها؛ والحمد لله فعلوها ونجحوا؛ كما محوت أمية مئات النساء في المخيمات بعد أن تسللّ الملل واليأس والقهر إليهن؛ والآن هن من حافظات القرآن؛ وبعضهن أكملن تعليمهن حتى المرحلة الثانوية”.

سألتها عن أكثر ما أثار دهشتها في مسألة تعليم الأميات؛ فقالت: ” لم أكن لأصدق أن هناك قرى في سوريا وفي القرن الواحد والعشرين لم يصلها التعليم وأن فتيات كثيرات يغرقن في الجهل؛ اكتشفت ذلك حين اشتد أوار الحرب ونزح الناس من قراهم؛ في المخيمات رأيت شابات أخبرنني أنهن لا يعرفن إلا العمل في الأرض وطاعة الرجال؛ ولم يتعلمن حرفا في حياتهن؛ كما قابلت فتيات وصلن إلى الصفوف الإعدادية ويتمنين أن يكملن تعليمهن؛ لكن الأهل يرفضون لأسبابٍ مادية أو اجتماعية”.

ويبدو لهذه التجربة على وجه الخصوص مكانة لديها؛ لذا تنساب في حديثها وابتسامتها لا تغيب عن صوتها: “أخذت على عاتقي أن أعيد الحياة اليهن؛ وبدأت بدورات محو الأمية للنساء والفتيات؛ كنت أصر على تعليمهن كل يوم؛ فيما العدد يزداد والسعادة تملأ قلوبهن؛ اتذكر أن إحداهن حين كتبت وقرأت لأول مرة أخبرتني أنها تشعر وكأنها امتلكت العالم بأسره”.

وعلاوة على ما سبق فقد كانت المعلمة أحلام تذهب إلى عائلات الفتيات وتقنع الآباء أن يعيدوا بناتهم إلى مقاعد الدراسة؛ كانت أجمل لحظة نجاح بالنسبة لها حين رأت هؤلاء الفتيات في نهاية العام وقد ارتدين أرواب التخرج فيما أهاليهن الذين حضروا التكريم دمعت عيونهم من شدة الفرح؛ وفق تعبيرها.

وتخرج الضحكة من قلبها أمام هذا المشهد: “امرأة في السبعين من عمرها أتقنت الكتابة والقراءة جيدا؛ وباشرت في حفظ كتاب الله؛ ومن ثم قررت أن تتعلم اللغة الإنجليزية؛ كنت فخورة جداً بها ودائما أمازحها بقولي: “كيف رضا “الحاج” عليكِ؟”؛ فتضحك مجيبة: “كل يوم بّسمع لي الدرس وبقول: زوجتي غلبت “الآنسات” – المعلمات- “.

ولعل الملفت في شخصية أحلام الرشيد أن لديها جانب من دفء الأمومة وصدقها وعفويتها؛ وما يدل على ذلك موقف روته لنا: “في احدى الحصص الأخيرة للصف الثالث الثانوي؛ كنت أدرّس في ثانوية قريتي المختلطة (ذكور وإناث) وكنت قد أنهيت المنهاج والمراجعة؛ فقررنا أن نقيم احتفالا بسيطا كبساطة أهل الريف الطيبين؛ وانطلقت يومها بعد آذان الفجر أطهو الطعام للطالبات و أحضرت المخلل واللبن وكل ما يتطلبه الاحتفال الذي أقمته لوداع للطالبات اللواتي سوف يغادرن المدرسة استعدادا للامتحان بعد أيام؛ حينها أغلقنا باب الصف ووضعنا الطعام على الطاولات؛ و أكلنا وضحكنا وودعنا بعضنا؛ كانت منهن طالبتين التحقتا فيما بعد بكلية الطب؛ وثلاثة بكلية الهندسة؛ وما تبقى كلهن فروع رائعة في الجامعة”.

“هل مرّت بكِ طالبة صارت لها مكانة “الإبنة”.. لاحت دمعة في عينها قبل أن تعطيني الجواب: “كانت لدي طالبة من “حوران” في الجنوب السوري تكثر من التحديق بوجهي؛ لفت نظري تعلقها بي؛ وفي مرة أحببت أن أكافئها بهدية على علاماتها الرائعة التي حصلت عليها في مادة اللغة العربية؛ في تلك اللحظة ضمتني إلى صدرها وقالت: “حتى الرائحة هي هي”؛ وهنا استغربت وسألتها عما تقصده؛ فأخبرتني: “أنتِ تشبهين أمي – رحمها الله-  بشكل لا يمكن وصفه” يا آنستي”؛ حتى رائحتك تشبه رائحتها”؛ ما كان مني إلا أن أضمها و أمسح على رأسها وقلت: “لم يرزقني الله ببنات؛ أنت الآن ابنتي”.

في ورشة سيارات

هذه المسيرة الحافلة بالعطاء؛ توجتّها أحلام الرشيد بتقديمها التدريبات التي حصلت عليها من خلال عملها في المنظمات الدولية؛ بغية الدعم والحماية والحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد المرأة.

عن تلك التدريبات؛ تقول: “عقدت جلسات توعية للرجال لأضمن حليفاً يقف إلى جانب المرأة؛ لا نداً ومعنفا؛ مشيرة إلى أنه تم انتدابها لإعطاء التدريبات لموظفي المنظمات الدولية والمحلية في الداخل السوري.

راق أمر التدريب لــ “ضيفتنا” فاتخذت قراراً شجاعاً بأن تنشأ أول مركز تدريبي في الشمال السوري هو مركز “الرشيد للتدريب” تدرّب فيه المنظمات فرقها؛ فيما تعطي أحلام الدروس المجانية للطلاب والطالبات من مختلف المراحل؛ من أجل أن تبني جيلا تباهي به العالمين؛ لذا تخطت بجرأة وإصرار كل الصعاب التي اعترضت طريقها سواء نظرة المجتمع وضغوطه أو قلة الحيلة أو الحروب.

وعن الدوافع التي دفعتها لإقامة مركز تدريبي تعليمي بمحاذاة الحدود السورية التركية؛ تفصح: “راودتني هذه الفكرة منذ زمن؛ وقد أقدمت على هذه التجربة حينما أنشأت في ليبيا مع مجموعة من المعلمات؛ مدرسة للطلبة السوريين لما كنا نلاقيه من صعوبات في مدارس الدولة؛ وقد أحرزت المدرسة نجاحا منقطع النظير؛ وكرمني حينها “معمر القذافي” كأفضل مُدّرسة في مدينة بنغازي”.

وكعادتها لم تتوقف عند تلك المحطة؛ بل أطلقت العنان لذاتها تطورها في مجال الحماية الإنسانية ناهيك عن عملها في “حقوق الإنسان” لا سيما حقوق المرأة؛ تضيف: “بدأت بتأهيل الكوادر وتدريبهم  استعدادا للعمل في ظل الأزمة السورية؛ وأخذت أبحث عن مركز لأعقد جلسات التدريبات فلم أجد؛ كنت أقود سيارتي في ظل الحواجز الكثيرة وتعدد الفصائل لأقدم التدريب المطلوب للفئة المستهدفة في أي مكان يتسع حتى لو كان سقفه من صفيح؛ ثم دعمني زوجي وتوافقنا على أن يحول ورشته الخاصة بتصليح السيارات إلى قاعة تدريبية صارت هي الأجمل والأرقى في المنطقة؛ ثم بدأت المنظمات تستأجرها لعقد ورش التدريب”.

ويقع “مركز الرشيد” في ريف ادلب الشمالي؛ هذه البلدة المحاطة بمخيمات النازحين؛ من بينها مخيم أطمة الذي يقطته 150 ألف نسمة؛ وقد نزح إليها أهالي الغوطة وحلب وحمص ودير الزور والرقة.

سندٌ للأرواح المحطمة

تتمنى صاحبة المركز الذي أطلقت عليه اسم والدها؛ ألا ينطفئ  السراج في “بيت العلم” هذا؛ وتصرّح لــ “ميم”: “في دمائنا شيمة الكرم وباللهجة الدارجة “روحنا للضيف”؛ وليس غريبا أن ألحق بالمركز جناحين لاستضافة المتدربين حتى أوفر عليهم أعباء السفر المادية والنفسية في حال كان هناك تدريب لأكثر من يوم ؛ وقد توطدت علاقتي بالفتيات اللاوتي يتدربن؛ صرنا نتبادل الأحاديث ونخرج إلى السوق معاً؛ وإلى جانب ذلك استقبلت في هذه القاعة الكثير من النازحين الذين لم يجدوا مأوى لفترة مؤقتة”.

وتشير إلى أن هذا العمل كله تطوعي؛ أما القاعة تؤجرها للمنظمات كي تعوض بعض من ثمن “المازوت” أو تكاليف  الكهرباء التي تنفقها.

وتؤكّد أنها درّبت ما يفوق 4000 متدرب ذكورا وإناثا في مختلف المجالات؛ وعن صدى هذا العمل القيّم توضح: “انبهر الناس بهذه الخطوة الجبارة الرائدة في الشمال السوري؛ وبعده راح البعض ينشىء مراكز تدريبية؛ مما أسعدني لأنه دليل على أني نجحت”. وتأمل أن ترتقي بأداء مركزها عبر تقديم مناهج مدروسة؛ كما تتمنى أن تكون المدارس بعيدة عن أي نزاعات بين الأطراف؛ مستقلة تماما بعملها ومعترف بشهاداتها وأن يلقى الطلاب العناية اللازمة وتأمين احتياجاتهم من كتب وقرطاسية ومنهاج موحد.

وتؤدي أحلام الرشيد دور المرشد النفسي بالنسبة للنازحين الذين يتوافدون بمعنويات محطمة؛ فماذا بوسعها أن تفعل؛ تقول المعلمة السورية: “أحاول تهدئتهم  والاستماع لقصصهم و أربطهم بمراكز الخدمات التي يحتاجونها؛ في إحدى المرات عندما نزح أهالي حلب بعد حصار طويل؛ سمعت النداء في المدن لمن يستطيع أن يقدم شيئا لهم؛ فشعرت بالحزن لحالهم؛ تواصلت مع من أعرف من الصديقات وجمعت ما استطيع من ملابس ونقود وطعام وذهبت بسيارتي الصغيرة إلى المشفى الموجود في المنطقة؛ وجدت أما مع أطفالها الثلاثة المصابين؛ وامرأة جريحة دون مرافق؛ وجدت النساء المكسورة أيديهن وأرجلهن؛ قدمت لهن ما لدي وواسيتهن؛ وكنت كل مساء أمر عليهن وأتفقد متطلباتهن”.

وتبدو فخورة بالتكريم الذي حصدته مؤخراً؛ فقد عنى لها الكثير: “التكريم جعلني أشعر بأن هناك من يقدر تعب الناس وجهدهم؛ صدقيني أني بقدر ما لاقيت من مشقة وتعب في مشوار دراستي وبقدر التحديات التي واجهتني فإنني وجدت نجاحا وُوفقت في أن أقدم رسالتي إلى من هم أحق بها؛ ويبقى التكريم الأهم محبة الناس لي؛ والحمد لله رب العالمين”.

ستتعاقب الفصول الأربعة على حياة أحلام؛ لكن لن يثنها شيئاً عن السعي إلى حلمها في أن تحصل يوماً ما على “جائزة نوبل في بناء الإنسان”؛ لتتجه نحو المنصة وتلقي هذه الكلمات أمام العالم أجمع: “أوقفوا الحروب؛ خلقنا الله على الأرض لنعمرها لا لنهدمها”؛ معربة عن أملها في أن يتوسع معهدها ويصبح مقصداً للعلم لكل الناس.

وفي نهاية حديث ممتع مع إنسانة تتحلى بذوق رفيع لا تكلّف فيه؛ تبرق برسالة لكل امرأة طموحة: “كوني كالذهب الذي لا يزيده الصهر إلا لمعاناً؛ حقّقي رسالتك الإنسانية وسوف يتمنى الجميع أن يسيروا حذوكِ”.

المعلِمة السورية أحلام الرشيد

المعلِمة السورية أحلام الرشيد

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015