مواقع التواصل الاجتماعي فضاء معاد للمرأة الناشطة
المرأة & مواقع التواصل الاجتماعي

مجلة ميم/ تونس- أدّت مواقع التواصل الاجتماعي دورا محوريا في حياة المرأة العربية في السنوات الأخيرة، إذ فتحت لها المجال للتعبير عن مواقفها وآرائها وتعليقاتها تجاه المستجدات والأحداث الواقعة في بلدها سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي وغيرها من المجالات الأخرى.

وقد كانت المرأة التونسية فاعلة في هذا الفضاء فهو لم يسمح لها فقط بالتواصل مع الآخرين والحضور الفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي، بل منحها مساحة للتعبير عن أفكارها وآرائها والتفاعل مع كل ما يحدث في بلدها.

دخول المرأة وخاصة الناشطات السياسيات والحقوقيات والكاتبات جعلهن عرضة لأنواع من الاضطهاد على مواقع التواصل الاجتماعي، ومارس رواد هذه المواقع ضدهن تمييزاً قد يبدأ بالسخرية وصولاً إلى التطاول والتشويه والقذف.

مجتمع ذكوري لا يقبل رأي المرأة المفكرة

وتحدثت محرزية العبيدي القيادية في حركة النهضة والنائبة بالبرلمان، لمجلة “ميم” عن مآل تدوينة كتبتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تناولت فيه موضوع يتعلق بالشأن السياسي بكثير من الجدية، وما راعها إلا أن انصبت عليها حملة من التعليقات التي وصلت حدّ التعليق عن “ماركة” ثيابها التي رأتها العناصر المتابعة لها، وهي بالطبع من الجانب الذكوري، لا تتماشى وأفكارها كما أنها تعكس عدم درايتها بالشأن السياسي.

وتقول السيدة محرزية العبيدي إن لباس المرأة أو الاهتمام بمظهرها لا يعكس أبدا تفكيرها ولا يمنعها من أن تكون مرأة مفكرة وفاعلة ومعبرة عن أرائها في ما يخص شؤون بلدها، فهي عقل يفكر وقلم يكتب ولها مستوى تعليمي شاسع في الثقافة العامة.

كما تضيف القيادية في حركة النهضة أنه رغم ما تحقق من تطور في المستوى التشريعي مع تحرر المرأة ومساواتها مع الرجل في عديد المستويات، إلا أن ذلك يبقى نظريا، وإذا أنزلناه إلى التطبيق والممارسة فإن الرد سيكون عنيفا من الرجل، وهو نوع من أنواع الممارسة الاجتماعية.

التعليقات على الحائط الافتراضي تجعل الإنسان متخلصا من كل الكوابح هكذا ترى العبيدي، سواء بالنسبة إلى المرأة أو إلى الرجل، لكن التعليقات تختلف باختلاف الطرف الذي سيعبر عن رأيه، فأغلب التعليقات التي تكون صادرة من الجانب الذكوري في رد عن تحليل من قبل “المرأة” تكون عشوائية دون الاخذ بعين الاعتبار كفاءة المرأة.

تهجّم يصل حدّ التهديد بالقتل

وتتعرض عدد من النساء الفاعلات في المجتمع وعلى وجه الخصوص السياسيات والناشطات في مجال حقوق الإنسان، إلى النقد السلبي والتهجم على أفكارهن وصولا إلى التطاول عليهن ونبش حياتهن الشخصية أو حتى تهديدهن بالقتل، وهو ما تعرضت إليه المدونة والناشطة في مجال حقوق الإنسان لينا بن مهني في عديد المناسبات.

وتقول لينا بن مهني في تصريح لمجلة “ميم”، إنه للأسف عندما تكون المرأة هي المعبر عن أفكارها في موضوع ما، فإن أغلب التعليقات التي تتلقاها تتوجه إليها فقط على أساس أنها امرأة، فلا تناقش فكرتها في حد ذاتها، وإنما يترك كل ذلك جانبا وتبدأ الشتائم والتهديدات، وهو ما يعكس أننا في مجتمع بعقلية لا تزال ذكورية، وفق تعبير بن مهني.

وأضافت لينا بن مهني أن ما نراه في مواقع التواصل الاجتماعي ليس بجديد فهو امتداد للواقع، فنفس الابتزاز والانتقاد الذي تتعرض إليه المرأة المفكرة في الواقع تتعرض له في العالم الافتراضي، لأن مواقع التواصل الاجتماعي هي مرآة الواقع.

وهناك تمييز ضد المرأة على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أكثر فجاجة من الواقع الذي تعيشه، والسبب يرجع في الأساس إلى نظرة المجتمع الذكوري الدونية إلى المرأة حيث يعتبرها بلا رأي، وعندما تعارض توقعاته وتظهر على مواقع التواصل الاجتماعي برأي مخالف لمعتقداته، تمارس عليها كل أشكال التمييز والتعنيف والتي تصل أحياناً إلى السب والقذف.

وترى النائبة في البرلمان والناشطة السياسية سامية عبو أن هذه النظرة الدونية للمرأة من المجتمع الذكوري، تسلط عليها العنف اللفظي من باب التقزيم لشخصها وليس التقييم لأعمالها، فإما لأسباب ثقافية تعود إلى العقلية الذكورية في مجتمعنا، أو لأسباب سياسية هي أيضا تحركها النزعة الذكورية التي تعبر عن الواقع.

وفي كثير من الأحيان تجد المرأة معارضين لرأيها الخاص ومعتقداتها الاجتماعية، لكن أكثر ما يزعجها، حسب سامية عبّو، هو الشتائم وعبارات السب والقذف التي تنهال على منشوراتها، والسبب الأول أنها إمرأة والسبب الثاني فهي كونها امرأة تنقصها دراية بالشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما تنقصها القدرة على التعبير، فكم من رجل يعبّر عن آرائه المختلفة ولا تجرؤ أي امرأة على الحط من شأنه أو إهانته، كما أنه يلقى الاحترام من الرجل وحتى وان تلقى تعليقات فهي لا تتجاوز فقط التعبير عن الرأي المخالف والرد على الفكرة في حد ذاتها ولا يمس الانتقاد والشتائم الرجل.

سلاح المرأة

ومع تطور المرأة عملياً وعلمياً، وتقلّدها مناصب مهمة، أصبحت أكثر قوة وتأثيراً، لذلك فإن التمييز ضدها ومحاولة تقزيمها ومنع أفكارها من الانتشار سواء على أرض الواقع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، لن يزيدها، إلا إصرار وقوة على إبراز نفسها كسيدة مفكرة وصاحبة المواقف سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.

وهو ما تؤكده محرزية العبيدي، إذ ترى أنه أحيانا تبدو هناك “سكيزوفرينيا”، فبقدر ما نسمع كلاما رسميا على المرأة تأتي ردود الفعل لتبين أن البعض ما يزال غير قابل لأن تكون المرأة مفكرة ويمارس عليها هذا الإرهاب الفكري، لذلك لا بد أن يكون الجهد مضاعفا من قبل النساء ليبرزن في تضامن بينهن، حسب العبيدي.

من جانبها ترى لينا بن مهني أن أفضل سلاح للمرأة تواجه به هذا الفكر الرافض لبروزها، هو التجاهل والاستمرار في التعبير عن الرأي حتى وإن رفض المجتمع الذكوري ذلك، باعتبار أنه لا توجد قوانين تحمي المرأة من ذلك.

المخيال الذكوري

وتطرق الصادق الحمامي أستاذ جامعي في علوم الاعلام والاتصال في دراسته حول “المرأة العربية في النقاش الافتراضي”، إلى أن الميديا الاجتماعية فضاء يزدهر فيه الخطاب المعادي للمرأة والمخيال الذكوري، إذ بينت الدراسة أن المستخدمين وحتى المستخدمات لكن بشكل أقل يتعاملون مع المضامين المتصلة بالمرأة وفق أساليب مخصوصة كالشتم والاستهزاء.

كما خلصت الدراسة إلى أن المرأة عندما تخرج عن دورها النمطي فإنها تصبح موضوع جدل يمارس فيه الذين يستنكرون أدوارها المستحدثة دورا رئيسيا في توجيه النقاش كما أن المرأة الناشطة في المجال العمومي كثيرا ما تتعرص إلى أنواع من الإساءة لتبخيسها ونزع الانسانية عنها وردها إلى مرتبة حيوانية أو تشييئها.

كما تصبح المرأة حسب هذه التعليقات متمردة على المألوف الاجتماعي وعلى القيم الأصيلة.

المرأة & مواقع التواصل الاجتماعي

المرأة & مواقع التواصل الاجتماعي

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015