نساء سوريا.. قرابين الحرب وصانعات المستقبل
عمل فني لمنى أبي وردة

د. عبير الحيالي/safirpress- كُتِبَت الحروب عبر التاريخ بأحرف الرجل، وسمع صداها بأصوات الرجل، كما رسمت خطوطها وملامحها ونتائجها بقلم الرجل، فتحوّلت الحروب إلى لعبة أبطالها من الرجال. ولكن للنساء أيضاً حروبهنّ التي ربما خلت من المشاهد القتالية التقليدية فأضحت حرباً ذات نكهة ورائحة مختلفة.

فرضت الأزمة السورية ذات المواقف الضبابية والمعقّدة والتي استمرت لأكثر من تسع سنوات دوراً جديداً للمرأة في المجتمع السوري. حيث دفعت هذه الحرب الضروس المرأة السورية إلى خوض غمار مجالات عمل ذات طبيعة شاقة وحساسة كان بعضها حكراً على الرجال سابقاً، واضطرت لأن تكون في بعض الحالات الأب والأم بتحمّل المسؤوليات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية كنتيجة لفقدان الأسر معيليها من الذكور الذين شكّلوا 82.2 من الوفيات التي سادت فئة الشباب وأرباب الأسر. كما فقدت في بعض الأحيان فرصها في التعليم وزادت أرقام زواج القاصرات وتجنيدهنّ من قبل التنظيمات المتشدّدة التي تركت آثارها السيئة في المناطق التي استطاعت السيطرة عليها.

تمكّنت المرأة السورية ذات الطبيعة المحافظة أن تتأقلم مع قسوة الحرب وتساهم في تغيير ثقافة المجتمع الرافض والمحافظ، حيث تواجه المرأة السورية في الداخل تحدّيات كبيرة في قطاع العمل، ولاسيما الشريحة المتعلّمة وأصحاب الشهادات العليا كمحدودية فرص العمل، وقدرتها على تحقيق التوازن بين مهامها الأسرية والعمل خارج المنزل. وربما من أبرز التحدّيات التي تواجهها هي عدم وجود مرافق للأطفال، وهذا ما أكّدته أحد أهم الدراسات التي قامت بها مؤسسة أورنج، فقد واجهت 55 في المائة من المشاركات مشكلات متعلّقة بتأمين مكان مناسب للأطفال، وتحدّثت 39 في المائة من النسوة عن معوقات تعود إلى الالتزامات العائلية، بينما واجهت 43 في المائة تحدّيات متعلّقة بظروف العمل.

كما عكست هذه الحرب صورة مؤلمة للمرأة السورية اللاجئة، ولاسيما في الدول التي لم تمنح حقوق مزاولة العمل للاجئين كما حدث في لبنان، حيث لجأت المرأة إلى القيام بأعمال بعيدة عن المحاسبة القانونية وغالباً ما يتم تنفيذها في المنزل بعيداً عن الأنظار. استطاعت المرأة السورية هناك التأقلم مع ظروف المعيشة القاسية لتتمكّن من الاستمرار ومواجهة الحياة والمساهمة في تغطية نفقات أُسرتها.

أما في الدول التي منحت تصاريح العمل للمرأة “في قطاعات محدودة” كالأردن على سبيل المثال، حيث سمحت للسوريين العمل ضمن قطاعات الزراعة والتصنيع والبناء وهو ما ضاعف من صعوبة حصول المرأة على عمل في ظلّ تحدّيات ثقافية واجتماعية تحدّ من قدرتها على مزاولة هذا النوع من الأعمال، بالإضافة الى صعوبة الحصول على تصاريح العمل للاجئات السوريات التي لم تتجاوز 4% فقط حسب مسحٍ أجرته منظمة “أوكسفام”.

ولكن في ظلّ الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية استطاعت المرأة في أحيانٍ كثيرة القفز فوق هذه المعوقات، حيث يشير مركز «تمكين ودعم النساء» الأردني، أنّ هناك نحو 28 في المائة، من العائلات السورية اللاجئة في الأردن، تقودها وترعاها امرأة.

وللحديث شجونٌ أخرى عندما نتحدّث عن الحِمل الثقيل الذي أُلقيَ على كاهل المرأة السورية والتحدّيات التي واجهتها في المناطق التي سيطرت عليها التنظيمات الإرهابية كداعش والقوات الموالية لتركيا أو القوات التركية. حيث تعرّضت أعداد كبيرة من النساء والفتيات إلى العنف الجنسي، والجسدي والاتجار بهنّ، كما تعرّضن للخطف والأسر وفُصِلن عن أطفالهنّ، وتحوّلن إلى أدوات ضغط وتهديد للحصول على بعض المكاسب في معاركهم.

مُنِعت المرأة في المناطق التي سيطر عليها الجهاديون من الرعاية الصحية والتعليم، كما مُنِعت من مزاولة العمل وحرية التحرّك، مما أدى الى انقطاعها الكامل عن الحياة الطبيعية، وأُلغيَ دورها في كلّ مفاصل الحياة كنتيجة للآيديولوجيا التي فرضتها هذه الفصائل.

صمدت المرأة السورية أمام هذا الكمّ الهائل من التحدّيات، فاستطاعت أن تكون الأم والأب في بعض الأحيان والناشطة والمقاتلة والسياسية والجندي في ساحات المعارك. وعلى الرغم من ظهور بعض منظمات المجتمع المدني والمنظمات المدعومة مالياً من الخارج والتي قدّمت بعض أنواع الدعم والبرامج التوعوية الخاصة بالمرأة، ولكنها لم ترتقِ إلى المستوى المطلوب في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.

على الرغم من الحرب الطاحنة والشرسة في سوريا، ولكنها استطاعت أن تقدم للمرأة فرصة الحصول على دور ريادي واقتصادي كبير، يختلف تماماً عن دورها السابق.

في ألمانيا استطاعت النساء بعد الحرب العالمية الثانية من رفع أنقاض الحرب والدمار التي سيطرت على المشهد، حيث أُطلِقَ عليهنّ “نساء الأنقاض”، واستطعن أن يساهمن بقوةٍ في بناء وصناعة مستقبل ألمانيا الاقتصادي والسياسي. ومثلها المرأة السورية التي يعود لها الخيار في شكل وطبيعة المساهمة في رسم خارطة المستقبل السياسي والاقتصادي السوري وصنع سوريا ما بعد الحرب.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

عمل فني لمنى أبي وردة

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015