نعم: في الاغتصاب والتحرش “الرجل مدان حتى تثبت براءته”
هناك الكثير يمكنك فعله، أكثر من أن تكون مجرد رجل صالح لا يغتصب النساء

موقع (زحمة)- منذ خمسة وعشرين عاماً، جلست متحمسًا ومحبطاً في الوقت نفسه خلال الحصّة الدراسيّة الأولى ضمن دراساتي النسوية بكلية بيركلي بجامعة كاليفورنيا. كنت واحداً من أربعةٍ آخرين في صف يضم 30 طالباً وطالبةً. وبعد مرور بضعة أسابيع من انخراطي في الدراسة، وقفت في صباحٍ ما وقلت: لماذا الرجال مدانون دائماً حتى تثبت براءتهم؟

أعلم أن هناك بعض الرجال السيئين، لكن مؤلمٌ تماماً ألا تبتسم النساء لي في الأروقة والشوارع لأنهن وضعنني في مكانةٍ واحدة مع الآخرين!. لقد تعبت من دفع الثمن من عدم ثقة النساء فيّ بسبب خيانات وأفعال الآخرين السيئة.

لماذا لا  تستطيع النساء رؤية كم أنا رجلٌ صالح؟

كنت في التاسعة عشرة، شاباً وحيداً، لكن متلهفاً للدراسات النسوية، ذلك لأنني آمنت أنه واجبي. والأهم من ذلك، اعتقدت أن هناك شيءٌ ما لأجلي هناك، شيء يمكنني تعلّمه سيجعلني أكثر سعادةً مما أنا عليه.

وبينما كنت أشعر بالغضب والذنب، كانت زميلاتي في الصف الدراسي أكثر صبراً منّي، لم يصدر عنهم أي هجومٌ لفظي بسبب حديثي السابق، لكن استطعن بمساعدة أساتذتي، مساعدتي على رؤية أشياء كثيرة لم أكن قادراً على رؤيتها، أو ربما غير مستعدٍ بعد لتبيّنها.

قبل كل شيء، حدس النساء ليس قوياً كفايةً للتمييز بين الرجل الصالح والسيء، وكما أخبرتني زميلاتي، لا يمكن أن تسير امرأةٌ في الشارع وبمر بجانبها رجلٌ دون أن تفكّر أنه يمثّل تهديداً عليها. وبالنظر إلى معدلات حوادث الاغتصاب والتحرّش الجنسي وغيرها من أشكال الاعتداء على النساء، ستكون المرأة غبيةً لو عرّضت نفسها للإيذاء ولم تأخذ احتياطاتها اللازمة. وحتى ابتسامة واحدة، قد يُساء فهمها باعتبارها دعوة للممارسة الجنسية، لذا تجد المرأة نفسها مضطرةً لأن تفترض أن جميع الرجال مدانين حتى يثبت العكس.

لن أنسى أبداً ما تعلمته في ذلك اليوم. وعندما أسمع رجلاً يتذمّر من شكّ النساء، يحضرني أصدقائي البيض وهم حائرين وساخطين عندما يشير إليهم ذوي البشرة الملونة مفترضين إيمانهم “بالتفوق الأبيض”.  الرجال يتذمّرون من كونهم في محل إدانةٍ بشكلٍ دائم حتى يثبت العكس، ويطالبون بأن تتعامل معهم النساء كأفراد، وبشكلٍ منفصل عن جنسهم وتاريخه. لكنه مطلبٌ غير منطقي.

ومع أن “المتهم بريءٌ حتى تثبت إدانته” يعتبر مبدأً ممتازاً في الإجراءات القضائية، إلا أنه لا يترجم بالفعالية نفسها في الحياة العامة وفي العلاقة بين الجنسين. عندما يشكو الرجل من أنّ النساء تشكّك في نواياهم لمجرد أنهم رجال، فهم يجبرونهن على أن يلعبن دور المدعي العام، وعلى تحمّل عبء إثبات الإدانة. وفي مجتمعٍ تعدّ فيه الأغلبية الكاسحة من ضحايا التحرّش والاعتداءات الجنسية هم النساء وليس الرجال، يطلب ممن عانين تنحية خبراتهن السابقة، واستقبال الرجال الجدد في حياتهن بصفحةٍ بيضاء، دون أن يصدرن أي حكمٍ مسبق على الرجال. لكن هذا عبءٌ ثقيلٌ جداً لتتحمله النساء، فضلاً عن كونه مخاطرة أكبر.

وفي ثقافتنا، حيث التحرّش والاعتداء الجنسي والاغتصاب شائعٌ جداً، خسر الرجال الحقّ (على فرض أنهم قد امتلكوه يوماً) في أن يطلبوا من النساء أن يمتلكن القدرة على التمييز (في غضون ثوانٍ) بين من يمثّل تهديداّ عليهن منهم وبين من لا يمثّل أيّ تهديد.

إنه بالتأكيد أمرٌ محبط أن يكون رجلٌ في موضع شكٍ لمجرّد انتمائه إلى الجنس نفسه المسئول عن الاعتداءات الجنسية، لكن ما هو محبط أيضاً هو النظر إلى المرأة -لكونها شابةً وأنثى-  باعتبارها أداةً جنسية. نعم من حقّ الرجل أن يغضب لأنه يريد أن يثبت أنه لن يؤذيها، لكن هذا الغضب لا يجب توجيهه للنساء الضحايا، لكن للرجال المسؤولين عن كلّ ذلك، وبدلاً من أن تطلب منهن الابتسام لك، ومنحك ثقتهن، فلتحوّل غضبك وإحباطك إلى إلتزامٍ كاملٍ للقضاء على ما يجعلهن يشكّون في نواياك من الأساس.

محاسبة المُدانين، ومواجهة التمييز واللهجة الداعية إلى رؤية النساء أداةً أو سلعةً جنسية، والسلوكيات التي تصدر عنكم كرجال وعن غيركم سواءٌ كانت هناك نساء في المحيط أم لا، هو العامل الوحيد والأكثر فاعلية في تغيير ثقافة أنّ الرجل مدانٌ حتى تثبت براءته.

وتزداد وتكثر حوادث الاغتصاب والتحرّش الجنسي ليس فقط بسبب تصرفات السيئين منكم، لكن بسبب إحجام الصالحين عن التصدّي لهم. إذ أن الصمت يعدّ موافقة ضمنية.

وهناك أكثر من أن تكون مجرد رجلٍ صالحٍ لا يغتصب النساء، وهو محاسبة نفسك والآخرين في السر والعلن.

هناك الكثير يمكنك فعله، أكثر من أن تكون مجرد رجل صالح لا يغتصب النساء

هناك الكثير يمكنك فعله، أكثر من أن تكون مجرد رجل صالح لا يغتصب النساء

نشر الكاتب الأمريكي هوجر شويزر هذا المقال في goodmenproject.com بتاريخ  14/12/2011 بعنوان “في الاغتصاب.. كل الرجال مدانين حتى يثبت العكس”، حيث يشرح لنا فيه لماذا يجب أن يدفع الرجال الصالحون ثمن أفعال مرتكبي جرائم التحرّش، الاعتداء الجنسي والاغتصاب في ضوء دراسته النسوية.

وقد قامت فاطمة لطفي بترجمته إلى العربية.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015