نهضة المرأة تبدأ بثقافة العدل داخل البيت
تأثير العُرف والموروث الثقافي العربي على المرأة العربية

سارة السهيل/ raialyoum- لاشك أن تعليم المرأة في العصر الحديث قد أتاح لها فرص تشكيل وعيها وإدراكها بقيمة ذاتها، ووفّر لها فرص العمل لتحقيق قدرٍ من الاستقلال المادي في مواجهة ما تكابده من تمييز اجتماعي وثقافي. وبالرغم من المكاسب الظاهرية التي حقّقتها المرأة في تولّي العديد من المناصب القيادية العلمية والثقافية والاقتصادية، غير أن تمثيلها السياسي لا يتجاوز1%، وهو ما يؤشّر على تهميش دورها في صنع القرار، وتراجع دورها في سوق العمل، حيث ترتفع البطالة في صفوف النساء في العالم العربي، ولا تزيد نسبة مشاركتهنّ في سوق العمل عن 25% بينما النسبة عالمياً أكثر من 40%.

فالمرأة لم تستطع حتى اليوم حماية نفسها من قهر وتسلّط الثقافة الاجتماعية التي تميّز بين البنت والولد في التنشئة، وكذلك العنف المسلَّط على رقبتها بسيف العادات والتقاليد والمورثات التي تتعامل مع الأنثى على أنها إنسان من الدرجة الثانية، لابدّ وأن تظلّ تابعاً، مما عرّضها للعنف بشتى أنواعه.

و رغم أهمية دور المرأة السياسي، وكذلك دورها في تشكيل الحياة خارج منزلها في مجتمعها وفي خدمة وطنها، إلا أن دورها في بيتها هو بمثابة مدرج الطائرة التي ستحلّق من خلالها في سماء معترك الحياة داخل البيت و خارجه.

ذهنية القهر

الغريب في الأمر، أنّ الكثير من الرجال مهما اختلفت مستويات طبقاتهم الاجتماعية ومفاهيمهم الثقافية والاجتماعية وتباين تعليمهم داخل الأوطان العربية أو في الخارج، فإنهم يتشابهون كثيراً في ممارسة اضطهاد المرأة من تعنيف وضرب، والتضييق عليها في العمل، وإغفال حقوقها العمالية والمالية وحرمانها من الترقّي الوظيفي وغيرها، طبعًا لا يمكننا التعميم إنما الرصد لهذه الحالات الفردية والعامة لم تنحصر في بيئة واحدة حتى لو تباينت النسب بين المتعلّم وغيره. رغم أنني ألحظ أحياناً في بعض القرى والقبائل احتراماً للمرأة وتقديراً لحقوقها، وإن كان البعض يضيّق عليها من ناحية الحريّات حسب المفاهيم الاجتماعية المتَّبعة من حيث العادات والتقاليد والعُرف، والتي من وجهة نظري لَبْسٌ كله سيء، فمنها ما يصون كرامة المرأة ويحافظ عليها. فأنا دائماً أكرّر أن حقوق المراة التي نتحدّث عنها ونطالب بها لا تشمل كلّ ما يرفضه الدين والأخلاق والوسطية التي تربّينا عليها.

ولو عدنا بكلامنا عن العنف المعنوي والجسدي الذي تتعرّض له المرأة من خلال سلبها حقوقها المشروعة وتعنيفها، وكيف تتواجد هذه المشكلة في طبقات وشرائح مختلفه في المجتمع، نجد هنا التناقض جليّاً بين الطبقة المثقَّفة العربية في مناداتها بتحرير المرأة وحقوقها، وبين ما قد يُمارسه بعضهم من استلاب حقوق المرأة واقعياً، وهذا يرجع إلى أثر التربية الأولى التي تلقّاها الرجل العربي على يد أُمّه بكونه مميّزاً عن المرأة، وأنّ هذا المُكتَسب في الطفولة ليس من السهل التخلّي عنه مهما تلقّى من تعليم وثقافة.

أزمة في الطفولة

تعاني المرأة من ثقافة اجتماعية تضعها في مرتبة أدنى من الرجل منذ الطفولة، مما يعرّضها وهي في مراحل نشأتها وتربيتها داخل المؤسسة الأُسرية للعنف الجسدي والمعنوي والاجتماعي.

فالبيت يُمارس موروثاً ثقافياً يعتمد على العنف والتمييز بحقّ صغار الفتيات، ويبدأ منذ أن تعلَم الأسرة بأنّ المولود أنثى، فالثقافة السائدة ترى أن الطفل الذكر يُحافظ على كيان الأسرة ويُحافظ على اقتصادها، بينما الأنثى فهي تابعةٌ ضعيفة وقد تجلب العار للأسرة، ولذلك خرجت العديد من الأمثال الشعبية المعبّرة عن مفهوم العقل الجمعي الشعبي الذي يرى في إنجاب البنات هَم حتى الممات، وضرورة ممارسة العنف ضدّها، هذه الموروثات الاجتماعية تؤهّل الطفلة على خدمة أفراد الأسرة، بما فيهم إخوتها الأصغر والأكبر منها، فبينما تترك الطفل والصبي يلهو ويلعب بكلّ حريّة، تُجبِر الطفلة على الطاعة الكاملة لذويها وإخوتها الصبيان، وتكريس تفانيها في خدمتهم، وإجبارها على القيام بأعمال المنزل، وإنزال العقاب بها عند أيّة غلطة.

وفيما تتشرب الفتاة معاني هذا التمييز في الحقوق والواجبات، فإنها تنشئ وهي تشعر بالدونيّة والنقص، وقد تصاب بالإنطواء والخجل الزائد، وقد تصابُ أيضاً بنوباتٍ حادّة من الاكتئاب، وتنمو بداخلها مشاعر التبعية وعدم القدرة على اتخاذ القرار، وعندما تشبُّ عن الطوق وتتزوّج تحاكي نموذج أمّها في تربيتها لأبنائها، دون وعي وإدراك إلى أنها تعيد كرّة المآسي على طريق ”هذا ما ألفينا عليه آبائنا“.

هناك أصنامٌ فكريّة تربويّة واجتماعية لا تزال للأسف راسخة في العقل الجمعي للشعوب، ومنها الشعوب العربية التي لا تريد حتى الآن ـ رغم انتشار التعليم وعصر السماوات المفتوحةـ أن تكسرها، لأنها ترى في الهيمنة الذكورية قوةً لا تريد التنازل عنها، رغم أنها تُناهض قيم المساواة والعدل، ورغم أهمية هذه المساواة في نهضة الأمم، لأن الأمم تنهض بنهوض الذكر والأنثى معاً.

ولاشك أن هذه المفاهيم التربوية والاجتماعية المغلوطة في تنشئة البنات، تتنافى مع كلّ القيم الإنسانية والدينية التي تحثّ على وجوب معاملة الأنثى بالرحمة والعطف ومنحها حقوقها الإنسانية، وذلك تصديقاً لما قاله رسول الله (ص): “استوصوا بالنساء خيراً فإنما هنّ عوان عندكم، إن لكم عليهن حقا، ولهن عليكم حقا”. وكذلك قوله (ص): “فأتقوا الله في النساء, فإنكم أخذتموهنّ بأمان الله, واستحللتم فروجهن بكلمة الله”. وكذلك حديثه (ص): “إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم”.

كما جاء في القرآن الكريم: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ )، والتي يُفهم منها أن القوامة لمن أنفق و لمن كان الأفضل (فضل الله بعضهم على بعض)؛ أي بعض الرجال تفضل من بعض النساء، وبعض النساء أفضل من بعض الرجال، وليس التفضيل بالجنس كذكر أو أنثى، وإنما بالعقل و الصلاح و الأهلية. فمثلاً السيدة مريم العذراء أفضل بكثير من أكثر الرجال، والسيدة خديجة كذلك والسيدة عائشة أيضاً.

كما يذكر  الكتاب المقدّس النساء اللاتي أعطاهن الله نعمة النبوة مثل بنات فيلبس المبشر (أع21: 9). وقد تنبّأ يوئيل النبي عن نعمة النبوءة للمرأة بقوله “إني أسكب روحي على كلّ بشر فيتنبّأ بنوكم وبناتكم” (يؤ2: 28).

مسؤولية المرأة

لاشك أنّ المرأة نفسها مسؤولة عما تتعرّض له من تهميش وإنكار لدورها، لأنّها من ناحية تجهل حقوقها المشروعة بالقوانين الدينية أو الوضعية الإنسانية، وإن عرفتها فإنّها لا تعرف كيف تحافظ عليها وتجني ثمارها. ولعلّيَ أُحمّل المرأة مسؤولية الإشكالية الكبرى وهي إصرارها على الحفاظ على المورث الثقافي الاجتماعي الذي يهدر كرامة المرأة ويضيّع حقوقها ويضعها في خانة الاستلاب الدائم، وكأنّ هذه الموروثات الأصنام بمثابة عقائد دينية ثابتة لا تقبّل الشكّ أو الكسر.

فالمرأة هي التي تنقل لأبنائها هذه المورثات اللاإنسانية العفنة، وتُعيد انتاجه عبر الأجيال بما يقيّد حرية المرأة ويعرقل تطوّر نموها العقلي والاجتماعي والإنساني.

لذلك، فإنني أعتقد أن أيّة جهود لنهوض المرأة وتمكينها اجتماعياً لن تتحقق بمعزلٍ عن إعادة وعي المرأة بحقوقها المشروعة دينياً وثقافياً وقانونياً، وهو الوعي الذي يتشكّل منذ الطفولة المبكرة خلال عمليات التنشئة والتربية والتفاعل الإنساني داخل مؤسسة الأسرة، والمعتمد على قيم المساواة والتقدير الذاتي لكلٍّ من الفتى والفتاة، دون أيّ تمييز في المعاملة أو العطايا، ثم تنتقل معطيات هذا العدل والمساواة داخل مؤسسة التعليم ثم المؤسسة الزوجية، عندما تتحوّل الفتاة إلى زوجة، ومن ثمّ أم تعرف كيف توازن بين حقوقها وواجباتها دون إهدارٍ لأي منهما.

الله سبحانه و تعالى لم يخلق حواء من قدم آدم حتى لا يدوس عليها ويحتقرها، ولم يخلقها من رأس آدم حتى لا تتعالى هي عليه فوجوب الاحترام و التقدير بين الطرفين كانت العبرة من هذا الأمر، خلق الله حواء من أحد أضلاع آدم حتى تكون على قدم المساواة معه.

هنا فقط تستطيع المرأة أن تربّي جيلاً متوازناً ثقافياً وتربوياً، لا يعرف معنى للتمييز أو الإقصاء أو تهميش لأيّ من أفراده، وكلّ فردٍ فيه من ذكر أو أنثى ينعم بالمساواة في الحرية والعمل والتلقّي الثقافي، ويكتسب فنون الاختيار الناضج في معترك الحياة المتلاطم الأمواج.

وأخيراً؛ كلما كانت المرأة قويّة، كانت الأسرة أقوى وأكثر سعادة واستقرار، لأن المرأة هي روح الأسرة؛ فهي المربّي وهي التي تنشئ على يدها الأجيال. فكما يقول المثل: لا تخف من المرأة القويّة، لأنها ستكون يوماً ما سندك الحقيقي لتعبر معها وبها صراعات الحياة، فالمرأة الضعيفة لا يمكنها بناء كيان ولا زرع الطموح في زوجها وأبنائها، وستظلّ عالةً على اأهلها في أمورٍ بسيطة كان من الممكن أن تتولّاها بنفسها فتصبح المهام موزّعةً بين أفراد الأسرة رجل وامرأة، وأيضاً في حالة غياب الزوج أو الأب لأي سببٍ من الأسباب.. فالأمُّ مدرسةٌ إن أعددتها، أعددت شعباً طيّب الأعراق.

تأثير العُرف والموروث الثقافي العربي على المرأة العربية

تأثير العُرف والموروث الثقافي العربي على المرأة العربية

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015