نوال السعداوي.. تلك التي لم تُهادن يوماً
نوال السعداوي

إيمان أحمد ونوس/alnnour- تلك التي لم تُهادن يوماً سلطةً: لا سياسية ولا اجتماعية ولا دينية، رفيقة سنوات المراهقة، وملهمة الوعي الفتي الباحث عن الانعتاق من أسر القيود والتقاليد والمفاهيم التي تُعرقل رحلة هذا الوعي على مدى سنوات العمر.. ملهمة الأجيال، ومثيرة الجدل الذي لم يسبقها إليه أحد لا في حياتها ولا في مماتها.. فلم يحظَ مفكّر ولا أديب أو مثقف بما حظيت به من امتلاك عقول الكثيرين من الجنسين، حين حرّضت الشكوك والأسئلة عن ماهية القيم المجتمعية والدينية والسلطوية المتوارثة منذ سالف الأزمان، مثلما حرّكت المياه الآسنة في بحيرات الوعي العربي السائد، بجرأتها غير المعهودة ولا المسبوقة من غيرها من نساء.. هي من قالت بأن لا تحرير للمرأة في مجتمع يُعاني فيه الرجل من الظلم والاستغلال.. ونادت بتحرير كل الفئات المهمّشة والمُستَغَلّة من قبل الإقطاعيين والساسة ومن يدعمهم من رجال الدين.

إنها نوال السعداوي، التي لا شكّ أن للواقع الذي رأت فيه النور الدور الأساسي والأهم في بناء منظومة وعيها وفكرها، الذي عمل على تعرية هذا الواقع المُفعم بالتخلّف والجهل والاستغلال للإنسان بشكل عام وللمرأة بشكل خاص.. ولا شكّ أن لمعاناتها الجسدية والنفسية الدور الكبير والأبرز في التصدّي لكل هذا التخلّف والتمرّد عليه، رغم معرفتها الأكيدة حينذاك أنها لن تلقى القبول، بل النبذ وربما التكفير، وهذا ما لمسناه في الأيام التي أعقبت إعلان وفاتها من حملات تشويه لإبداعاتها وفكرها وصلت إلى حدّ اتهامها بالكفر والإلحاد والدعوة للدعارة والمثلية في اجتزاء مقصود ومشوّه لفكر نوال السعداوي وأقوالها من سياقها العام الذي طُرحت فيه، إضافة إلى ذلك التناقض الرهيب حين تمّ اتهامها بدعم الأنظمة الديكتاتورية خلال الاضطرابات والأحداث والنزاعات التي جرت في العديد من البلدان العربية وأوّلها مصر، في حين أنها أمضت حياتها وهي تخوض المعارك ضدّ كل الأنظمة التي تعمل على قمع الإنسان واستغلاله وإشاعة الجهل والتخلّف والفقر، وتتّخذ من الدين غطاءً شرعياً بدعم من رجال الدين وفتاويهم التي تُعزّز سطوة تلك الأنظمة واستبدادها، فكانت في مواجهة دائمة مع كل هذا القمع والاستغلال ما عرّضها للاعتقال أكثر من مرّة، وقد وثّقت تلك المرحلة من حياتها في رواية (مذكرات في سجن النساء).

نوال السعداوي اعتبرت قضايا المرأة، التي ناضلت وبشراسة لأجلها بجرأة ودون مواربة أو خوف من أيّة سلطة سياسية كانت أم دينية، جزءاً لا يتجزأ من قضايا المجتمع والإنسان عامة، وذلك انطلاقاً من أن القهر والاستغلال يشمل الجميع (رجالاً ونساء) بلا استثناء، غير أن التخلّف الذي يُعشّش في عقل الرجل وعجزه عن مواجهة مُستغليه يدفع به لتعنيف المرأة وقهرها، وهي الكائن الأضعف في المجتمع. كما تصدّت للعديد من العادات والمُمارسات اللاإنسانية بحق المرأة المصرية خاصة، كظاهرة الختان التي تذهب ضحيتها سنوياً العديد من الفتيات، إضافة إلى ما تُخلّفه من آثار جسدية ونفسية ضاغطة على المرأة تعمل على تعزيز دونيتها وجهلها (أُقِرّ في مصر عام 2008 قانون بتجريم ختان البنات)، مثلما تصدّت لمختلف القضايا المُتعلّقة بحياة المرأة العربية عامة من منطلق إنساني وحقوقي يمنح الجميع الحرية اللائقة بإنسانية الإنسان، وانطلاقاً من هذا جاء تصديها للكثير من التشريعات التي تجعل من المرأة سلعة لا أكثر، كتعدد الزوجات الذي يُبقيها في حالة قلق دائم على مصيرها ومستقبلها بعيداً عن التوازن المطلوب في علاقتها بالرجل/الزوج من جهة، وعلاقتها بالأبناء والمحيط من جهة أخرى.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن أكثر من تصدّى لفكر نوال السعداوي بالتشهير والتشنيع ثلّة من النساء اللواتي تماهين مع دورهن النمطي الذي رسمت القيم الدينية والمجتمعية خطوطه وحدّدت طبيعته ومساره، وذلك حين اعتبرنها خارجة على ما فرضه الشرع، وقد أذهلني حقيقة هذا الهجوم العنيف من قبل أولئك النساء، والذي كان شرساً وأشدُّ ضراوة من هجوم الرجال المتشددين، فقط لأنها وضعت قلمها على جراحنا النازفة منذ أكثر من 1400 سنة وحتى اليوم، ولأنها خلخلت المفاهيم السائدة بالنسبة للمرأة خصوصاً والرجل عموماً.. وهنا تكمن مهمتنا اليوم في إنصافها من جهة، ومن جهة أهمّ تسليط الضوء على هذه الذهنية الذكورية التي تُعشّش في نفوس النساء أكثر ممّا هي فاعلة في أذهان الكثير من الرجال.

لم تكتفِ الدكتور نوال السعداوي بالدفاع عن آرائها كتابة، بل مارست ذلك عملياً حين أسّست جمعية تضامن المرأة العربية عام 1982، كما ساعدت على تأسيس المؤسّسة العربية لحقوق الإنسان انطلاقاً من دفاعها عن الإنسان عامة والمرأة بشكل خاص، في ربط منطقي ما بين تلك الحقوق والتّحرّر الوطني للخلاص من التبعية والاستبداد السياسي والفكر الظلامي الإرهابي الذي يعمل على هدر كرامة الإنسان واغتيال إنسانيته خدمة لمصالحه وأهدافه.

صحيح أن نوال السعداوي رحلت عنّا جسداً، لكنها باقية فينا بإرثها الفكري والأدبي خير زاد لمستقبل لا شكّ سيعترف أبناؤه بقيمة نوال السعداوي ودورها في إحداث التغيير المنشود، ويكفيها أنها كانت ولا شكّ رائدة الحركة النسوية العربية بلا منازع.

نوال السعداوي
نوال السعداوي

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015