هيفاء بيطار: سوريات يصنعن النجاح في هولندا
الكاتبة السورية هيفاء بيطار

الفيحاء نت/جيرون- تلقيت دعوة لإلقاء محاضرة عن الوضع في سورية بشكل عام، في الأول من شهر آب/ أغسطس الحالي، لم تكن الدعوة مِن مجموعة رجال سوريين، بل كانت من مجموعة نساء سوريات، أطلقن على أنفسهن لقب (غْروب النساء السوريات)؛ لبّيت الدعوة بحماس كبير، إلى حيث تجمعت مجموعة من النساء السوريات اللاجئات من مناطق مختلفة في سورية إلى مدينة إيمين الهولندية، وأسسن عام 2016 تجمعًا نسويًا سوريًا.

يقوم “غْروب” النساء السوريات بإقامة نشاطات ثقافية وفنية وأمسيات شعرية في إحدى قاعات أو مكتبات المدينة، وبلغ نشاطهن الكثيف والمميز أن “غْروب نساء سورية” نال جائزة (إيمين ويمبي) عام 2017، وقيمتها عشرة آلاف يورو. هدف المجموعة الأساس تحقيق الاندماج مع المجتمع الهولندي، بلغته الصعبة جدًا وعاداته وتقاليده المختلفة، دون فقدان الهوية الوطنية السورية.

فكرة (غْروب النساء السوريات) المُبدعة تعود للمتميزة نور سعدي، ابنة حلب الشهباء، وهي طبيبة بشرية مختصة بالطب المخبري، واضطرت، بسبب جحيم حلب، إلى تركها مع أسرتها إلى بيروت، حيث عاشت فيها سنة تتألم بصمت على حال وطنها وشعبها وأسرتها. ثم طلبت اللجوء إلى هولندا. وسكنت مدينة إيمين، وأسست لجمعية “غْروب إيمين” التي تضم النساء السوريات اللواتي يزداد عددهن باضطراد. وبالمناسبة، الدكتورة نور سعدي هي أخت الناشط السرياني من القامشلي بشير السعدي.

مشاركتي في الندوة كانت بعنوان (أصبحت سورية كابني المُعاق بعد أن كنت -قبل الثورة- أحسها أمي)، تحدثتُ فيها عن وطني وكيف أن خياري كان ألا أترك اللاذقية على الرغم من أن كل أسرتي في فرنسا وابنتي الوحيدة في بريطانيا، لكن الأمكنة أرواح، وأنا اخترت البقاء في الداخل السوري، على صعوبة الحياة هناك أيضًا. كنت أحس بنظرات الهولنديين إليّ كإنسانة أو كحالة إنسان سوري، كنت سعيدة بأن وجهي تماهى مع وجه وطن. وانهالت علي الأسئلة بخاصة من نوع: لماذا اخترت البقاء في سورية. طالما أنت قادرة على العيش والاستمرار في سورية فلمَ لا يعود النازحون إلى سورية! بينت لهم الاختلاف في ظروف العيش في كل منطقة، ففي المناطق المشتعلة والمدمرة يستحيل العيش ويضطر الإنسان إلى ترك وطنه. تعرفت على رجل سوري جبّار من حلب الشهباء، فقد أولاده الستة! ومع ذلك يستمر في العيش ويأمل في خلاص سورية، وسألوني إن كنت مع النظام أو مع المعارضة! فقلت إن ثورة الشعب السوري ثورة يتيمة، يدفع ثمنها الشعب السوري وحده، فلا النظام يمثله ولا المعارضة تمثله.
خلال المحاضرة وجدت نفسي أمام مجتمعين مُختلفين ومُنفصلين تمامًا من جميع الجوانب، وكلاهما (وخاصة العرب) مضطر لإتقان لغة فائقة الصعوبة وتحقيق الاندماج، والبراعة في ركوب “البسكليت” الذي يعدّ وسيلة النقل الأساسية في هولندا. في هولندا كل لاجئ مُضطر إلى تقديم ساعات عمل تطوعية كل يوم، وأظن أن عدد ساعات العمل التطوعي يجب أن يبلغ نحو 200 ساعة في مدة سنة أو أقل قليلًا. هذا العمل التطوعي يساعد اللاجئ على الاندماج في المجتمع.

لا أنكر أن اللغة الهولندية وقفت حاجزًا مؤلمًا وصعبًا تجاه ما رغبت في التحدث عنه باستفاضة، وأثارت عبارتي “أريد أن أفقأ عين الخوف” وابلًا من التصفيق الصادق والحار إذ إنني -صدقًا- منذ بداية الثورة السورية لم أعد أخاف، صار الموت العبثي اليومي لآلاف الشبان وللشعب السوري يجعلني أشعر أن حياتي ليست أكثر قيمة على الإطلاق من حياة أحبتي السوريين، وبأن النظام، على الرغم من تسلطه وترهيبه لكل من يكتب كلمة حرة بل حتى تصفيته، لم يعد يخيفني، وبالمقابل لم أعد أخشى الجماعات التكفيرية المتطرفة التي تتقنع بالدين الإسلامي العادل والإنساني، لتبرير تطرفها مستغلة دين الرحمة والإنسانية.

غْروب النساء السوريات استطاع أن يؤسس لأمل أصلب من الفولاذ، حيث النساء يدربن أنفسهن على بناء أمل جديد بمستقبل أفضل، من أجل أولادهن على الأقل.

الكاتبة السورية هيفاء بيطار

الكاتبة السورية هيفاء بيطار

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015