وجهان متناقضان للمرأة في مسلسلات البيئة الشامية
المرأة في مسلسلات البيئة الشامية

فؤاد مسعد/thawra- لمن يودّ معرفة التغيّرات التي يمكن أن تطرأ على السياسة الاجتماعية للمحطّات العربية وتسعى إلى تكريسها وتسويقها وترويجها، عليه متابعة المسلسلات التي تدور أحداثها ضمن إطار البيئة الشامية خلال العديد من السنوات المتلاحقة، فقبل أعوام عديدة تمّ تكريس صورة نمطية عن المرأة؛ تقوقعت في قالب معين شكلاً ومضموناً، فهي المرأة المطيعة (أمرك ابن عمي ، تشكل آسي ..).

ولكن في السنوات الأخيرة يبدو أن التوجّه بدأ بالتبدّل، الأمر الذي سعت المحطات العارضة إلى تكريسه شيئاً فشيئاً عبر أعمال عُرِضت في المواسم القريبة السابقة، فتغيّرت الحكاية كما في (سلاسل دهب) و (وردة شامية)، وذهبت باتجاه آخر نحو الدسائس والمؤامرات النسائية، وظهرت المرأة بشكل مختلف نوعاً ما، وطال التغيير الملابس والشكل الخارجي. في حين قفزت الأعمال هذه السنة قفرة أخرى نحو التغيير في مسلسلي (بروكار) و (سوق الحرير). فجاء الشكل الخارجي بشكل مغاير لأعمال مثل (باب الحارة) وغيرها، وكأنّ لكل وقت أعماله.

ولا بد من الإشارة إلى خروج البعض النادر من المسلسلات عبر تاريخ هذه النوعية من الأعمال عن هذه القاعدة، كما نلحظ صورة تكمن في مطب آخر، قدّمتها أعمال طرحت موضوع الخانات والفتيات العاملات فيها.

والمُتوقّع مع التطوّر الحاصل أن يذهب صانعو هذه الأعمال في محاباتهم للمحطّات العارضة إلى وضع مشاهد تظهر فيها المرأة وهي تقود السيارة في مسلسلات الموسم الدرامي القادم، لمسايرة التبدّل الاجتماعي الذي تسعى محطّات عربية إلى إبرازه وترسيخه إعلامياً.

ولكن كيف ظهرت المرأة في العمق عبر ما قُدّم هذا العام ؟..

مما لا شك فيه أنّه تمّ كسر النمط المُتَعارَف عليه نحو خيارات خرج بها الكتّاب والمخرجون عن نمطٍ ساد لسنوات، الأمر الذي تمّت ملاحظته العام الماضي من خلال مسلسل (شوارع الشام العتيقة) عبر شخصية (جورية) التي أدّتها الفنانة ولاء عزام، فظهرت متمرّدة قويّة الشخصية وسط مجتمع ذكوري رافض لهذه النقلة.

واليوم نراها أكثر حضوراً؛ فرأيها يتم أخذه بعين الاعتبار وهي محرك أساسي للأحداث. ومن الأمثلة شخصية (عفيفة) التي أدّتها الفنانة ريما كفارنة في مسلسل (سوق الحرير) فهي متنوّرة مثقّفة وقارئة. أما شخصية (بثينة) التي أدّتها الفنّانة زينة بارافي في مسلسل (بروكار)؛ فبدت هي الأخرى قويّة الشخصية وواعية، ولكن دون أرضيّة حقيقية تقف عليها تبرّر هذه القوّة، كأن نراها فتاة قارئة مثقّفة أو ترتاد الجامعة. وأتى حضور شخصية الدكتورة أنطوانيت (أدّت الدور الفنانة نادين خوري) ليُكمِل المشهد.

وبالتالي ما عدا شخصيات قليلة جداً حاولت تلمّس واقع مختلف للمرأة، بقيت أعمال هذه السنة محافظةً على الصورة المعتادة ذاتها من ناحية المضمون، ولم تُحدث تغييراً إلا من خلال الشكل الخارجي دون الدخول إلى العمق، أي أنّ تلك الشخصيات النسائية لم تستطع أن تشكّل حالة عامة متكاملة شكلاً ومضموناً ضمن نسيج متكامل…

مما لا شك فيه أنّ لهذه الأعمال حُظوِةً لدى شريحة واسعة من الجمهور لما تحمِل بين طيّاتها من سمات (الحكاية)، بعضها يقدّمها بلبوس يحمل التشويق ويحاول احترام عقل وذائقة المشاهد، وبعضها الآخر ينحو باتجاه سمة تكرّست عبر سنوات طويلة لأعمال نمطية. وضمن هذا الإطار لابدّ من الإشارة إلى مسلسل (حمام القيشاني) بأجزائه المتعدّدة والذي لم يكن مُصادَراً من رؤوس أموال عربية، وإنما كان من إنتاج التلفزيوني العربي السوري، وبدت فيه المرأة السورية على حقيقتها.

ما تمّت الإشارة إليه هو سمات عامة، قد تُخترق هنا أو هناك، ولكن الدعوة اليوم لأن يتحوّل هذا الاختراق إلى حالة عامة تعكس الواقع بصدق، وألا يكون العمل مجرّد صدى لرؤوس أموال تسترضي محطّات بعينها. والمطلوب أن يُنصِفَ المنتجون والكتّاب والمخرجون الحضور النسائي ويقدّمونه بمصداقية تكرّس الحضور الحقيقي للمرأة الذي يتسم بالتنوّع ضمن المجتمع، فكما أنّ هناك المرأة المغلوب على أمرها؛ هناك المرأة الفاعلة والمؤثّرة في محيطها، وكما أنّ هناك المرأة الأُمّية؛ هناك المتعلّمة التي تدرس في الجامعة وتتخرّج منها وتصبح محامية وقاضية، إضافةً إلى الكثير من الصفات التي يعرفها القاصي والداني عن حال الشام في الفترة التي عادةً ما تدور فيها أحداث تلك الأعمال.

المرأة في مسلسلات البيئة الشامية

المرأة في مسلسلات البيئة الشامية

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015