جريدة النور/دمشق- عانت المرأة السورية خلال سنوات مضت من قسوة المجتمع المحكوم بالمفاهيم الدينية والتشريعية التي غلفت قوانينه وجعلتها بيد الشرع الإسلامي يتحكم بها، مع أن الدستور السوري الصادر بتاريخ 15 شباط لعام 2012 أكد في المادة 23 إزالة القيود ومنح المرأة حقوقها، وقد نص على (توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع). ولكن لم نرَ حتى اليوم أي فعل حقيقي للخروج من فرض مفاهيم تُنسَب إلى الشرع على القوانين المدنية، ولا إلغاء التحفظات على الاتفاقيات الدولية التي تلغي التمييز بين الرجل والمرأة وأهمها اتفاقية سيداو التي وقعت عليها سورية بالمرسوم التشريعي الذي حمل الرقم 333 بتاريخ 26 /9/2002 بعد مطالبات نسائية لسنوات عديدة بتصديق الاتفاقية، ولكن هذا الانضمام لم يقدم للسوريات أي شيء يأملن به، إذ أتت التحفظات التي وضعتها الحكومة السورية على هذه الاتفاقية، لتلغي أي أمل للمرأة في سورية بالاستفادة من هذه الاتفاقية في تحسين أوضاعها، خاصة على الصعيد القانوني.
فقد كان ما ورد في مقدمة الاتفاقية واضحاً جداً بأن الدول الموقعة ملزمة ليس فقط بشجب جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وإنما باتخاذ الإجراءات المختلفة للقضاء على هذا التمييز، وأن عليها كذلك تجسيد مبدأ المساواة في دساتيرها الوطنية أو قوانينها الأخرى، وتبني التدابير التشريعية بما في ذلك الجزائية منها، والامتناع عن الاضطلاع بأي عمل أو ممارسة تمييزية ضد المرأة، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام، واتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة، والعمل على تغيير الأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزاً ضد المرأة.
وقد تحفظت سورية على عدة مواد مهمة يمكن أن نلخصها بما يلي:
في المادة 2: تتضمن تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الدساتير الوطنية والتشريعات والقوانين، وضمان الحماية القانونية لها من أي فعل تمييزي يصدر عن منظمة أو مؤسسة أو شخص، والعمل على تبديل القوانين والأنظمة والأعراف بما يتناسب مع ذلك.
أما المادة 9 – الفقرة 2: فتتعلق بمنح المرأة حقاً مساوياً للرجل في منح جنسيتها لأطفالها.
والمادة 15 فقرة 4: التي تمنح المرأة حقاً مساوياً للرجل فيما يتعلق بالقانون المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم.
المادة 16 بند 1، فقرات ج، د، و، ز: التي تمنح المرأة حقوقاً مساوية للرجل في الزواج والطلاق والولاية والقوامة والوصاية،كذلك الحق في اختيار اسم الأسرة، والمهنة، والوظيفة. وتحديد سن أدنى للزواج، وتسجيله إلزامياً.
المادة 29 فقرة 1: المتعلقة بتحكيم أي خلاف ينشأ بين دولتين فيما يتعلق بهذه الاتفاقية.
تعتبر هذه التحفظات إجحافاً حقيقياً بحق النساء وإفراغاً للاتفاقية من محتواها، ومن إمكانية لعبها أي دور إيجابي لصالح المرأة في سورية، ومن جهة أخرى حتى اليوم لم تقم الحكومة السورية بأي خطوة جدية لتطبيق الاتفاقية ومضمونها، وهذا ما يتضح من عدة نقاط مهمة يمكن أن نلخصها بالتالي:
أولاً- لا قيمة للحقوق التي يضمنها القانون للمرأة في التعليم والعمل والمشاركة في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، دون وجود قانون أسرة يعطي المرأة حقوقاً مساوية للرجل في الزواج والطلاق، ووجود قوانين تحمي الطفل وتحمي من العنف الأسري.
ثانياً- لم تتخذ الإجراءات اللازمة من أجل نشر الاتفاقية، ودمجها في الإعلام والمناهج الدراسية، ومراقبة استخدامها بدقة في المحاكم الوطنية، انسجاماً مع المادة 25 من القانون المدني. كما لم تصادق الحكومة السورية على البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية، باعتباره أداة ضرورية لتفعيل الاتفاقية وتطبيقها، ولم تقم الحكومة بتطبيق الاتفاقية التي تضمنت مكافحة جميع أشكال الانتهاكات الفردية والجماعية لحقوق النساء ومناهضة أي عنف أو تمييز ضدهن في جميع مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ثالثاً- استند المشرعون في إقرارهم المواد التي تحمل تمييزاً ضد المرأة في قانون الأحوال الشخصية إلى حجة أنها مستقاة من الشريعة الإسلامية، رغم أنها تستند في معظمها إلى آراء فقهية تختلف من مذهب فقهي إلى آخر، بتعديلات بسيطة على القانون الذي كان مطبقا منذ عهد إدارة الاحتلال العثماني، وهي المواد المميزة ضد المرأة المتعلقة بالولاية والوصاية، وقوانين الزواج والطلاق والحضانة والإرث وحقوق السفر والإقامة، علماً بأن حدود القتل والسرقة والزنا قد حل محلها في القانون السوري أحكام تتناسب مع روح العصر، وبما يخالف الشريعة الإسلامية، دون اعتراض من أحد، إذ لا يوجد أصل في الشريعة الإسلامية لمواد قانون العقوبات المجحفة بحق المرأة، كالعقوبات المتساهلة بحق مرتكبي جرائم باسم الشرف، كما أنه لا يوجد أي حجة من الشريعة الإسلامية تقف دون منح المرأة أولادها جنسيتها، مع العلم أن هذه فقرة من القانون أخذت من القانون الفرنسي أيام الاستعمار. إن حرمان المرأة السورية من حقها في منح جنسيتها لأولادها لا علاقة له بالشريعة الإسلامية، وإنما هو استمرار لقانون طبق أثناء الانتداب الفرنسي على سورية مشابهاً للقانون الفرنسي آنذاك، ولكن بقيت حكوماتنا الوطنية المتعاقبة مصرة على تطبيقه حتى اليوم، وذلك ينطبق أيضاً على بعض مواد قانون العقوبات التي تحمل تمييزاً ضد المرأة.
رابعاً- كما أن أي تحفظ على اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة بحد ذاته هو تمييز ضدها، كما أن هذه التحفظات تتطابق مع مواد قوانين الأحوال الشخصية والجنسية والعقوبات في القانون السوري، وتتعارض مع مواد دستور الجمهورية العربية السورية، الذي يساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، ويكفل للمرأة مساهمتها الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ولم تجر المواءمة بين مواد الاتفاقية غير المتحفظ عليها والقوانين التي لا تتوافق معها.
وبذلك فإن سورية اليوم أمام تعارض وتناقض بين ما نص عليه الدستور والقوانين التي يحكمها التشريع الذي أفرغها من مضمونها المدني والحقوقي للمرأة والإنسان بشكل عام.
وفي ظل هذه الظروف التي يعيشها السوريون اليوم وخصوصاً النساء اللواتي بتن يشكلن النسبة الأكبر من المجتمع السوري، بسبب الحرب وذهاب الكثير من الشباب ضحايا نتيجة الإرهاب المسلح وهجرة البعض الآخر ليصبح لاجئاً في المغترب. وهنا لابد للحكومة السورية أن تعيد النظر في القوانين المدنية وتفعيل بنود الاتفاقيات الخاصة بالمرأة السورية مثل سيداو وغيرها، فحق الجميع بأن يعيشوا في ظل مجتمع القوانين المدنية التي يحكمها العدل والإنسانية.