ج. أ./أبواب- ربما تخلّص المجتمع السوري جزئياً من التزويج القسري للنساء، لكنه لا زال عبداً لعادات الاستمرار القسري في الزواج، فهل هذا العدد الهائل من حالات الطلاق هو تصحيحٌ للمسار القسري للزواج، أم حالةٌ طبيعية؟ هل هو حالةٌ مرضية من الناحية الاجتماعية؟ أم حالةٌ صحية يحتاجها المجتمع السوري ليُعيد بناء أسس الاسرة؟ وهل الظروف الاجتماعية الجديدة هي السبب؟ أم أنّ القانون الألماني وحريّة المرأة هي أحد أسباب الطلاق؟
لا شك أن عدد حالات الطلاق بين السوريين في ألمانيا وأوروبا باتت مثيرةً للتساؤلات، باختلافها واختلاف أسبابها وتخبرنا الإحصائيات أن أكثر من 90% من حالات الطلاق تطلبُها المرأة لا الرجل، وهذا لا يعني أبداً أنها هي سبب الطلاق، بل يعني أنها من باشرت الإجراءات القانونية للطلاق.
بدايةً تعتبر الظروف الاجتماعية والاقتصادية والقانونية السبب الأساسي في انعدام جرأة المرأة السورية على طلب الطلاق في سوريا، علماً بأن حالات الطلاق في المدن الكبرى كدمشق وحلب كانت ضخمة جداً، فغالباً ما كانت المرأة في سوريا مرتبطة اقتصادياً بالزوج، وفي حال حصولها على استقلاليتها الاقتصادية تكون قد تخلّصت من أول رابط قسري كان يلزمها على الاستمرار بالزواج.
السيدة ف تقول إنها منذ بداية زواجها كانت تتمنى الانفصال عن زوجها، لكنها كانت تخشى المستقبل فالمطلقة لا مستقبل لديها، ولا حظ لها بالزواج مرة أخرى، بل ستكون عالة على والديها. إذاً فقوانين الضمان الاجتماعي وقوانين حماية المرأة وتأمين سبل العيش كانت السبب الرئيسي لانفصالها عن زوجها.
السيدة ح تقول لزوجها لأول مرة كلمة “لا”، حين رفضت أن يرسل وحده المساعدات لأهله دون أهلها، فالدولة الألمانية هي من تنفق عليها وليس هو. تعبّر عن ذلك قائلةً: لم أكن أعلم أن الأمر سهل وأني سأعيش بدون خوف من شخص يعيش معي، وبعد ذلك اكتشفت أني تأخرت كثيراً.
المناخ الاجتماعي الجديد أتاح الفرصة للمرأة لتعرّف عن نفسها باعتبارها مطلّقة، بدون أن تشعر أنها ارتكبت ذنباً. وعلى هذه الحالة لو أمكن للدولة السورية أن تضمن المسكن والمأكل للعاطلين عن العمل لازدادت حالات الطلاق لتصل 50% أو أكثر، أما الباقي فسيكون المناخ الاجتماعي هو السبب في عدم طلب الطلاق.
وبالمقابل لا يستطيع الرجل السوري التنازل عن ميّزاته الذكورية التي ورثها من مجتمعه، ومازال يحتاج الوقت ليتفهم الطابع الجديد للحياة.
يقول السيد د إنه لا يستطيع أن يصبح ألمانياً ويستأذن زوجته بكل شاردة وواردة، فهو من أنفق الآلاف للوصول الى أوروبا، ثم قامت الزوجة بإبلاغ الشرطة بأنه يضربها.
السيد ع يقول: أرسلت زوجتي مع الأطفال ولم يكن المبلغ يكفي لكل العائلة، ففوجئت بعد لمّ الشمل أن زوجتي على علاقة بشخص تعرفت عليه في البلم وحينها خرجت من المنزل وسأرجع إلى سوريا.
السيد م الذي عاد الى سوريا قبل أن يتم الطلاق قال: بمجرد أن بدأ الخلاف بيننا هدّدتني بالشرطة، وحينها تقدمت بطلب العودة وخيّرت أطفالي بالذهاب معي، إلا أنهم رفضوا. وعندما حجزت الطائرة تراجعوا عن قرارهم وعدنا سوية إلى سوريا.. لو بقيت لفقدت أسرتي.
من المعروف أن الانفصال يكون أحياناً أفضل من البقاء في خلافات تستدعي تدخل الشرطة أو دائرة حماية الأسرة التي قد تنزع الأطفال من ذويهم، أما حالات الطلاق التي لا تكون الخلافات فيها حادة فيتم النظر إلى مصلحة الأطفال أولاً وهي حالات نادرة جداً. ولا يمكن نسيان حالة تتكرّر وهي ازدياد التمسك بالأطفال بسبب الدخل المسمى كيندر غيلد.
وقد يأخذ التبادل الثقافي بين الشرقيين والألمان شكلاً أسوأ، فبالنسبة لبعض القادمات الجدد هو ليس تحرراً بالمعنى الحقيقي للكلمة بحيث يربط الحق بالواجب، بل هو تحرر من قيود الرجل فقط دون الاستمرار بالعطاء كالمرأة الأوروبية، وأحياناً دون تخطيط لبناء مستقبل يجعلها فاعلة في المجتمع الجديد، لذلك تراها اتكالية وتعيد الأخطاء ذاتها بارتباطها برجل شرقي مشابه لزوجها، على أن يؤمن لها البقاء في المنزل دون دخول سوق العمل. ودليل ذلك أن حالات الطلاق التي يكون سببها رغبة المراة في متابعة علمها قليلة جداً.
هذا النوع من التبادل الثقافي المنقوص، له أثر سلبي على النساء غير الشرقيات أيضاً.. فالسيدة ش ألمانية تعيش مع زوجها العراقي، تركت عملها لأنها ترى أن المرأة الشرقية معزّزة مكرمة ويقدم لها زوجها كل ما تريده وهي في المنزل، وهي أرهقت من العمل خارج المنزل وتريد أن تهتم بأطفالها فحسب، لذلك لا ترى أن تنازلها عن جزء من حريتها يقارن بما كسبته من هذا التغيير.
أما السيدة ن المتزوجة من سوري فقالت إن زوجها السابق لم يكن ينفق عليها، بل كان يدفع عن نفسه حتى في المطاعم! وكانت تعمل داخل المنزل وخارجه، وراتبها أقل من راتبه. أما زوجها السوري فهو لا ينقص عليها شيئاً منذ ثلاث سنوات، وهي سعيدة بهذه المعيشة.
في النهاية أعتقد أن المرأة ستعيش الحرية وتفهمها مع الزمن وتكتشف ما لها وما عليها، والرجل الذي يعيش حالة الهروب اليوم سيتقبّل تغييره نحو الأفضل بتأثير المجتمع الجديد. وستنتظم العلاقات الاجتماعية بين الجنسين لتبنى زيجات متوازنة قائمة على رضى الطرفين.