rozana- تعاني النساء العاملات في المؤسسات الإعلامية أو منظمات المجتمع المدني في شمالي شرقي سوريا من انتشار حالات التحرّش اللفظي أو الجسدي، ضمن بيئات العمل، الذي يضع النساء المتعرّضات للتحرّش ضمن خيارات صعبة تنتهي في الكثير من الأحيان بسكوت المرأة عن حقها، لعدم وجود جهات تستقبل الشكاوى المتعلقة بهذه المشاكل ضمن هذه المؤسسات، أو لخوف النساء من فقدان العمل في حال التقدم بشكوى، والإفصاح عما تعرّضت له.
يئة عمل غير آمنة
حالات التحرّش التي تواجهها النساء ضمن العمل، عادةً ما تكون من قبل الأشخاص أصحاب النفوذ والقرار ضمن المؤسسة، في محاولة من قبل الشخص المتحرّش استغلال سلطته أو منصبه للقيام بهذه الأفعال، وضمان خوف المرأة من تقديم شكوى ضده، باعتباره هو المسؤول الأول والأخير.
تعددت حالات التحرّش بالنساء ضمن المؤسسات المدنية أو الحكومية في المنطقة، شيرين سيدو، إعلامية تعمل في إحدى المؤسسات، كانت ضحية لحالة تحرش خلال العمل، ومع غياب وجود آلية شكوى ومحاسبة لمواجهة المتحرش، أصبحت عاجزة عن القيام بأي إجراء سوى الصمت. وتؤكد أن هناك نساء كثيرات تعرضن للتحرّش ضمن العمل.
تقول سيدو: “تختلف أشكال هذا التحرش، فمن الممكن أن يكون تحرّشاً لفظياً أو جسدياً من قبل أحد زملاء العمل، والأصعب من ذلك عندما يكون التحرّش من قبل المدير الذي يستغل منصبه من أجل التحرّش بالموظفات، وخصوصاً عندما يقدم لهنّ دعوات لمواعيد خارج نطاق العمل، أو يقدم إغراءات للموظفات من خلال تخصيص زيادة على الراتب الشهري أو العكس في حال عدم تجاوب الموظفة مع رغباته”.
يبرر المجتمع في بعض الأحيان أفعال التحرّش، ويضع اللوم على نوعية وشكل ثياب المرأة، لكن هذه الأسباب ليس لها أي صلة بالموضوع، لأن حالات التحرّش لا تحدث مع شريحة النساء فقط، إنما مع الأطفال أيضاً بحسب كلام سيدو.
وفي الوقت ذاته تخشى من تكرار الحادثة معها ومع نساء أخريات في ظل غياب وجود حلول لهذه المشكلة، فتقول: “في الكثير من الأحيان نتعرض للتحرّش، وسنبقى نتعرض له نحن الإعلاميات، في حال لم يكن هنالك صندوق شكاوى أو لجنة مختصة بمتابعة الشكاوى، تكون قادرة على سماع هذه الشكوى واتخاذ العقاب المناسب بحق الشخص المتحرش دون إلحاق الضرر بنا أو فقداننا العمل”.
وتطالب الإعلامية شيرين سيدو بوجود لجنة نفسية تقدم الدعم النفسي لهؤلاء النساء اللواتي وقعن ضحية للتحرش، مع الاهتمام بوجود قوانين صارمة أيضاً تعاقب الشخص المتحرش وتضع كل من يفكر بارتكاب هكذا أفعال بحالة خوف.
الصحفية سولنار محمد، ترى أنه من الضروري وجود مدونات سلوك في جميع المؤسسات، سواء كانت إعلامية أو منظمات مجتمع مدني أو مؤسسات حكومية، من أجل الحد من هذه المشكلة، كما تطالب بنشر ثقافة الإبلاغ عن المتحرش وعدم التزام الصمت.
تقول سولنار لـ “روزنة”: “باعتقادي للوقوف على هذه الظاهرة، أو إيجاد الحلول المناسبة لها وإيجاد بيئة عمل مناسبة للنساء، يجب على المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني إيجاد ووضع مدونات سلوك، وسياسة لمناهضة التحرش ضمن بيئات العمل، وإطلاع الصحفيات عليها، وإرشادهن بطرق وآليات الإبلاغ عن المتحرشين، مع الحفاظ على سرية وخصوصية المرأة المبلغة، كما أننا بحاجة ماسة لنشر ثقافة الإبلاغ والابتعاد عن التزام الصمت لسد الطريق أمام انتشار هذه الظاهرة”.
هل هنالك حلول؟
تعرض النساء للتحرّش ضمن المؤسسات المختلفة، دفعت البعض منها للسعي نحو وضع سياسات وقوانين لمواجهة المتحرشين، أو التعديل على السياسات والأنظمة الخاصة بها، أو عبر ندوات وورشات توعوية تدريبية.
إذاعة “آرتا إف إم” الموجودة في شمالي شرقي سوريا، عملت على تطوير النظام الداخلي، لمواجهة حالات التمييز الجندري والتحرّش، بالإضافة لرفع مستوى الوعي الجندري لدى العاملين فيها، شيار يوسف، مدير البرامج في الإذاعة يؤكد أن النظام الداخلي الخاص بمؤسستهم يحتوي على سياسات عامة ضد التمييز بشكل عام.
ويستدرك قائلاً: “لكن بعد العديد من الورشات التدريبية مع منظمات نسوية اكتشفنا أن هذه السياسات غير كافية، فعملنا على وضع سياسة جندرية خاصة بالمؤسسة بالتعاون مع منظمات نسوية، تضمنت هذه السياسة تعريف التحرّش وأشكاله، وعرض أمثلة عن الحالات التي يمكن أن يحدث بها”.
ويضيف يوسف: “نظمنا ورشات عمل لتوعية الموظفات والموظفين حول موضوع التحرّش ولزيادة الوعي الجندري لديهم، كما وضعنا نظام شكاوى لتطبيق هذه السياسات، يحرص على سرية الشخص المتقدم بالشكوى، ويردع الشخص الذي يحاول تجاوز النظام”.
اتحاد الإعلام الحرّ المنظم للعمل الإعلامي في المنطقة، يستقبل الشكاوى من قبل الإعلاميات حول قضايا التحرّش، ويعمل على معاقبة الشخص المتحرش وفقاً للقوانين المعمول بها بالمنطقة، ويؤكد الرئيس المشترك للاتحاد، دليار جزيرة لـ “روزنة” أنه خلال الأشهر الخمس الماضية لم تصلهم أية شكوى تحرّش من قبل الإعلاميات، في الوقت ذاته لم ينفِ عدم تقدم بعض الإعلاميات بشكاوى خوفاً من المجتمع والعادات والتقاليد.
وجود قوانين وجهات تستقبل الشكاوى المتعلقة بالتحرّش ضمن المؤسسات الإعلامية يساعد في تخفيف حالات التحرش بالنساء العاملات ضمن هذه المؤسسات، لكن عدم وجود هكذا إجراءات في المؤسسات الحكومية أو منظمات المجتمع المدني يمكن أن يزيد من حدة المشكلة وانتشارها، في الوقت الذي تخشى معظم النساء من الإبلاغ عن تعرضهن لحالات تحرّش ضمن العمل، لأسباب متعلقة بالمجتمع والعادات والتقاليد.
وفي استطلاع رأي لبرنامج “النساء في الأخبار” التابع لمنظمة “ون إيفرا” أجري في عام 2021 في عدد من دول المنطقة العربية، تبين أن واحدة من كل ثلاث نساء في المتوسط واجهت شكلاً من أشكال التحرّش الجنسي في العمل، وأكثر من 50% تعرّضن للتحرش اللفظي، في المقابل بلغت نسبة الإبلاغ عن هذه الحالات 12% فقط.
وبحسب الاستطلاع، أقل من نصف المؤسسات الإعلامية في المنطقة العربية اتخذت إجراءات ضدّ حالات التحرّش الجنسي في غرف الأخبار المبلّغ عنها.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.