نور الشامسي/ الخليج الجديد- نشر موقع «بي بي سي فيوتشر» البريطاني، والمعني بالأخبار المتعلّقة بالصحة والحياة اليومية المعاصرة ومتطلباتها، أنّ النساء في أقسام الطوارئ يعانين من قلة الاهتمام عن الرجال، حيث تطول فترات انتظارهنّ، وتنخفض احتمالات حصولهنّ على مسكنات آلامٍ فعّالة مقارنةً بنظرائهنّ من الرجال.
وأجرت «بي بي سي فيوتشر» تحقيقاً في إطار سلسلةٍ من التقارير عن أوجه التفاوت في تقديم الرعاية الصحية بين الجنسين، نشرته «بي بي سي» مترجماً في نسختها العربية.
ووفقاً للتحقيق، فإن جميع الشواهد المُستقاة من البحث الأكاديمي ومن اللقاءات مع المرضى التي أجراها الموقع، فإن الأطباء قد دأبوا على الاستخفاف بآلام النساء، إلا أنّه لم يكن من السهل تحديد ما إن كان هذا الاتجاه المُقلق في الساحة الطبية سببه التحيّز ضدّ المرأة أم نقص الأبحاث الطبية عن مشاكل المرأة، أم الاختلاف في الطريقة التي يصف بها الرجال والنساء آلامهم. وكلّ ما يكشفه التقرير هو أنّ الأطباء لا يتعاملون مع آلام المرأة بنفس الطريقة التي يتعاملون بها مع آلام الرجل.
وأشارت إحدى الدراسات على سبيل المثال، إلى أنّ فُرص النساء اللائي يعانين من آلامٍ مُبرِحة في الحصول على مسكنات آلامٍ أفيونية (التي تحتوي على مشتقات الأفيون) في أقسام الطوارئ، أقلّ من فرص نظرائهنّ من الرجال. وإذا صرفها الأطباء، تنتظر النساء لوقتٍ أطول حتى تحصل عليها.
وخلصت دراسةٌ أُخرى أُجريت في السويد عام 2014، إلى أنّ المريضات في قسم الطوارئ والحوادث ينتظرن لفتراتٍ أطول، ونادراً ما تصنّف حالاتهنّ في قسم الطوارئ كحالاتٍ حَرِجة، وهو ما قد يؤدّي إلى عواقب مميتة.
وفي مايو/أيار الجاري، اتصلت مريضةٌ في بداية العشرينيات بخدمات الطوارئ، وقالت إنّ الألم يعتصر بطنها إلى درجة أنها تشعر أنها «ستموت»، وردّ عليها موظف الطوارئ قائلاً: «بالتأكيد ستموتين يوماً ما كما سيموت الجميع».
وعندما نُقلت إلى المستشفى، أصيبت بسكتةٍ قلبية بعد 5 ساعاتٍ من الانتظار، وماتت إثر فشل عددٍ من أعضاء الجسم في وظائفها.
كما تقول «إيثر تشين»، طبيبة الطوارئ بمستشفى زوكربيرغ سان فرانسيسكو العام، إنّ التفرقة في المعاملة بين الرجال والنساء في أقسام الطوارئ أصبحت ظاهرةً متفشيّة وراسخة. وتضيف «تشين»: «لكن من الصعب معرفة ما إن كان مرد هذه التفرقة التحيّز الخفي، الذي قد نعاني منه جميعاً، أم الطريقة التي نحكم بها على النساء بناءاً على اختلاف طبيعة الأمراض التي تصيبهنّ».
وركّزت دارسة «تشين»، على سبيل المثال، على المغص، ورأت أنّ الأطباء في قسم الطوارئ يفترضون في الغالب أنّ آلام البطن الحادّة التي تصيب النساء سببها أمراضٌ نسائية، والتي يرى الكثير من الأطباء أنها لا تستدعي وصف مسكناتٍ أفيونية على عكس الأمراض الأخرى التي تتطلّب تدخّلاً جراحيّاً.
غير أنّ الأطباء ينزعون إلى صرف أدويةٍ مضادّةٍ للقلق للنساء عندما يشتكين من الأوجاع في المستشفى، أكثر مما يصرفونها للرجال. وفي كثيرٍ من الأحيان، لا يكترث مقدمو الرعاية الصحيّة لشكاوى النساء، ويشخّصون أوجاعهنّ على أنّها نفسية المنشأ.
وبدورها، تقول «كريستين فيسلي»، واحدةٌ من مؤسسي جمعية أبحاث الآلام المُزمِنة: «في الوقت الذي يخضع فيه الرجال للفحوصات والتحاليل لاستبعاد الأسباب العضوية، فإنّ الأطباء كثيراً ما يحيلون النساء إلى أطباءٍ نفسانيين».
وربما يكون هذا الاستخفاف مرجعه الافتراض الشائع أن النساء أقلّ تحمّلاً للمشاكل الصحيّة من الرجال، إذ انتهت دراسةٌ في المملكة المتحدة إلى أنّ معدّل زيارة الرجال للأطباء أقلّ بنسبة 32% مقارنةً بالنساء.
كما ثمّة أدلةٌ أُخرى تتعارض مع هذا الافتراض، إذ خلص تحليلٌ لعدّة دراساتٍ أُجريت على آلام الظهر والرأس، إلى أنّ الرجال والنساء يراجعون الأطباء بنفس المعدّل، وكتب الباحثون أنّ الأدلة التي تشير إلى أنّ النساء أسرع في اللجوء إلى الطبيب مقارنةً بالرجال «ضعيفةٌ ومتضاربة».
إلى ذلك، خلصت دراساتٌ إلى أنّ النساء لديهنّ سماتٌ فطريّةٌ تشبه أعراض القلق، وأنهنّ أكثر عرضةً لإدمان الأفيون.
وقبل إنشاء مكتب أبحاث صحة المرأة التابع للمعهد الوطني للصحة عام 1990، كانت التجارب والفحوصات في الولايات المتحدة تركّز على الرجال، وكان يشرف في الغالب على هذه التجارب رجالٌ أيضاً. وفي أوروبا، كما في كندا والمملكة المتحدة، كان نصيب المرأة في الدراسات الإهمال.
وترتّب على ذلك وجود عددٍ هائلٍ من الأدلّة الطبيّة، بما فيها دراساتٌ معمليّة عن الآلام، وكلها معروضةٌ من منظورٍ ذكوريّ بالدرجة الأولى.
وفي عام 2015، وضع المعهد الوطني للصحة سياسةً جديدةً تشترط على الباحثين في المجال الطبي وضع المتغيّرات البيولوجية للجنسين في الاعتبار. وأصبح الحصول على منحةٍ من المعهد مرهوناً بإجراء البحوث على الذكور والإناث.
وفي عام 2017، أعلن المعهد الوطني للصحة والرعاية المتميزة (نايس) في بريطانيا في توجيهاته الجديدة أنه يتعين على هيئة الرعاية الصحيّة الإنصات للمرأة، وإن كان الغرض منها تعجيل تشخيص مرض بطانة الرحم المهاجرة.
وفي مطلع الألفية الثالثة، وضعت كندا وأوروبا سياساتٍ مشابهة. لكنّ كلّ هذه التوجيهات والنصائح لا ترقى إلى مستوى القوانين أو الاشتراطات المُلزِمة للباحثين. فضلاً عن أنها لن تقضي على التحيّزات المتأصّلة لدى العاملين في مجال الرعاية الطبية ضدّ آلام المرأة، وفقاً للموقع البريطاني.