الجندر في سورية … السلاح الخفي و لعبة استغلال الشرف
داعش & خطف السوريات

المحامي السوري إيهاب عبد ربه/ موقع (أنا إنسان)- الجندر (النوع الاجتماعي)، القضية المُغَيَّبة في العالم العربي، تلك التي تحلِّل الاختلافات الاجتماعية بين الرجال والنساء بناءً على الدور الاجتماعي، وليس على الصفات البيولوجية (ذكورة – أنوثة). هذا التحليل المهم جداً لفهم الاندفاع نحو التطرّف من مفهوم آخر تماماً غير المفاهيم التقليدية في الدراسات السياسية، فقد أصبح الجندر فرعاً رئيسياً في الدراسات الاجتماعية، و تُبنى عليه نظرياتٌ و تحليلاتٌ مهمة لفهم العالم.

بناءً عليه، هذا المقال سيحلّل مفهوم الخطف-السبي من الناحية الجندرية، و تأثير استغلال المرأة كسلاحٍ لربّما يحقّق تأثيراً في الحرب أكثر من وقع القنابل، فمن سبي نساءٍ من المذهب الإيزيدي، إلى خطف نساءٍ من جبل العرب؛ يسير تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بخطاً ثابتة ليضع نفسه على رأس أعتى التنظيمات الراديكالية التي استغلت النساء في العمل السياسي.

في كثيرٍ من الأحيان يصبح (الموت) تفصيلاً صغيراً غير مهمٍ عندما يتعلّق الأمر (بالشرف)، وإن كنّا مناصرين لإلغاء ربط الشرف بالفَرْج؛ إلا أنّ استخدام جسد المرأة “لإذلال” الخصم السياسي عملٌ شائعٌ في الحروب والنزاعات. ولذلك، تستغلّ الأطراف المتحاربة عادةً مسألة المرأة و علاقتها مع “المحارب” لتحقّق رمزيةً أخرى للإنتصار، الذكورة “المُهَيمنة” في مواجهة الأنوثة المهزومة.

في العصور البربرية؛ اعتادت القبائل والجيوش أن تنتقم لنسائها من نساء القبائل والجيوش الأخرى. أما في حالة السويداء فالمفارقة صعبة، تنظيمٌ ينتمي إلى العصر البربري في مقابل أهل الجبل الذين ينتمون إلى قيم العصر و الحداثة، وليس إلى قيم الانتقام. فقابلت الذكورة البربرية لداعش، شهامة أهل الجبل وحضارتهم -نساءً ورجالاً.

هذه المفارقة تجعلنا نسأل لماذا الخطف بهذه الطريقة؟

لماذا يسعى تنظيمٌ مسلّحٌ أفراده مستعدون لتفجير أنفسهم أن يخطفوا نساءً مدنيّات بريئات، لكي يُفاوض عليهنّ نظاماً لم يُفاوض قبلاً على نساءٍ من “الطائفة العلوية”، التي يُفترض أنها طائفةٌ محسوبةٌ عليه؟..

ربما المسألة أعقد من ذلك.. يطرح التنظيم صورةً ذكوريةً قاتمةً في كلّ وسائله الإعلامية، فالمرأة ليس لها أيّ وجودٍ في إعلام داعش، ولا يمكن أن ترى صورةً واحدةً لامرأةٍ في كلّ وسائل الإعلام التابعة للتنظيم. وإن وُجدت فإنها مغطاةٌ بالكامل بالسواد.. هذه العنجهية الذكورية المُهَيمنة على تفكير داعش.

وأمام انحساره من “دولة خلافة” بمدنٍ كبرى إلى “ذيولٍ هنا وهناك”؛ سعى تنظيم داعش إلى تحقيق “نصرٍ” خلَّبي يتباهى به على “أعدائه المزعومين”.

ومن هم أعداؤه؟

هل هم المدنيّون الآمنون النائمون في بيوتهم؟

يحاول التنظيم المهزوم في كرامته، والذي يحوي شباباً مَغسُولي الأدمغة (بأوهامٍ عن تحقيق خلافةٍ مزعومة)، تصويرَ نفسه على  أنه قادرٌ على الوصول إلى “شرف” أعدائه عارفاً بأنّ أهل السويداء، أو غيرهم من المجتمعات السورية، لا يقبلون ببقاء نسائهم في الأسر.. فيضغط ويُعدِم بدمٍ باردٍ أسرى وأسيراتٍ أبرياء وبريئات، مخالفاً وصايا عدم  قتلِ النساء والأسرى التي ينصّ عليها الإسلام الذي يدَّعي التنظيم أنه يُناصره.

تعيش التنظيمات الراديكالية، وعلى رأسها داعش، “شتاتاً ذهنياً و فكرياً” وغياباً كاملاً للهوية الفردية أو القيمة الحقيقة لأفراده. ولذلك يسعى الجنود في المستويات الدنيا لقتل أنفسهم؛ أما القادة و الأمراء فيَسعَون إلى عملياتٍ قذرة يستخدمون بها الغدر وأسر النساء وسيلةً لتحقيق غاياتٍ سياسية.

ولكن من حيث النتيجة، تصبح المرأة بالنسبة لذكوريتهم الطافحة نصراً عظيماً بجهدٍ قليل.

إنّ إدراك الجانب الجندري، في تحليل تصرّفات أعضاء التنظيمات الجهادية، أمرٌ مهمٌّ لتحقيق “تفكيك الخطاب الذكوري” لهذه التنظيمات، الذي يُفَرّخ بالضرورة شباباً ذكوراً مستعدين للانخراط في هذه “الفرَّامة” التي لا ترحم.

إنّ الدين لا يدعو إلى القتل؛ ولكن يَسْهُل تجييره واستغلاله واستغلال تفسيراته، لخلق مناخٍ من الأوهام تجعل الشاب قادراً على القتل دون أيّ وازعٍ من ضمير. الحور العين والسبايا وتحقيق انتصارٍ على أسيراتٍ مدنيّاتٍ بريئاتٍ، كلّها نتائج لتجليّات ذكورية يجب أن نملك القدرة على كشفها، لكي نملك القدرة على علاجها.

إنّ المسألة أكبر بكثيرٍ من عملية خطفٍ لرهائن من أجل التفاوض عليهم، إنّ المسألة في استغلالٍ واضحٍ للمعطيات الجندرية من أجل تحقيق غاياتٍ سياسية. وهذا الاستغلال بكلّ أسفٍ؛ ليس فقط من قبل التنظيمات الراديكالية، بل من قبل الأنظمة الاستبدادية. بل يمكن القول من قبل المجتمع الدولي أيضاً.

إنّ (الإتجار) بالجندر تجارةٌ رائجة، فمن المُجَنّدات (السبور) في جيش النظام، والذي يحاول إبراز نفسه من خلال صورهنّ على أنه “جيشٌ عصري”، إلى المؤتمرات والجوائز العالمية التي ألبست قضية ظلم المرأة زيّاً موحداً (Uniform) حيث تصبح أيّة مظلوميةٍ نسائيةٍ أُخرى خارج هذا “الزي” أمراً “غير جديرٍ بالاهتمام”، وكأنّ هناك اتفاقاً شبه عالمي على جعل المرأة “سلعةً سياسية” بحجّة التعاطف معها.

ومع ذلك، و رغم كل هذا الضخ الإعلامي؛ نجد أنّ نساء السويداء، وقبلهنّ النساء الإيزيديات، دفعن الثمن لوحدهِنّ في مواجهة هذه الجماعات الراديكالية. بل أيضاً المعتقلات السوريات اللواتي تعرّضن و يتعرّضن لسياسةٍ شبيهة ممنهجة أيضاً في أماكن الاحتجاز والاعتقال في سوريا.

في النهاية، لننقذ الضحايا، لننقذ النساء من التسليع السياسي، ولننقذ الشباب من الكبت. إنّ الحرمان و غياب الثقافة التنويرية، سيولّد بالضرورة شباباً يرون الجنة من خلال تفجير أنفسهم، فهناك سبعين حوريّة ينتظرنه وكلما ضاجعهن عُدن أبكارى.. قناعةٌ مريضةٌ لفكرٍ مشوّهٍ وفهمٍ قاصرٍ للدين، وعلى كلّ ذي عقلٍ، من موقعه، أن ينشر الوعي لمحاربته، لأنّه في المقابل هناك من لا يوفّر جهداً لنشر تلك الثقافة الجهادية المشوّهة.

داعش & خطف السوريات

داعش & خطف السوريات

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015