هيفاء زعيتر/ رصيف22- قبل 19 عاماً، ألّف الباحث ديفيد غلوفر كتاباً مشتركاً مع الباحثة كورا كابلان عنوانه “الجندر”(Genders) ، ناقشا في مقدمته كيف أن الجندر (الجنوسة كما سمّاها البعض بالعربيّة) أصبح من أكثر المصطلحات تعقيداً وأشدها ارتباكاً في اللغة الإنكليزية، “يُطلّ على نحو غير متوقع في كل مكان، بينما تبدو استعمالاته في حالة تبدّل دائم كما في حالة تقدّم تُنتج ظلالاً جديدة ومُدهشة للمعنى الاصطلاحي”.
في ذلك الوقت، أي عام 2000، كان الحديث عن “الأدوار الجندريّة” يسبر أغواراً جديدة، ويُصبح القلق من “الفجوة الجندرية” أكثر تمظهراً وتبدو التساؤلات حول “التغطية غير المنحازة” أو “التغطية المحدّدة جندرياً” أكثر طزاجة، بينما تُضاف رفوف جديدة في المكتبات لتضمّ “دراسات جندريّة” متزايدة.
ما شغل الباحثان غلوفر وكابلان آنذاك كان التالي:”الوفرة اللغويّة في مجال الجندر ضاعفت من تشويش المفهوم، وازداد الأمر سوءاً في أحيان عدة مع اكتشاف أن الكثير من المصطلحات الجديدة تدلّ على اتجاهات متعارضة بشدة”.
أعطى الباحثان مثالاً على ذلك، بالحديث عن كيف أن مصطلح “الدور الجندري”(Gender role) يوحي بشيء من الحصر والتقييد، كما لو كان هناك دور محدّد يُلزمنا بأن نلعبه، في حين يوحي مصطلح “المزج الجندري”(Gender blending) بتقديم مهرب ما، فما جرى تكريسه ثابتاً في الماضي يتحوّل مع هذا المصطلح إلى “شكل حربائي”، يُتيح التفنّن في لعب الدور، ويفتح المجال أمام السخرية من المحيط، أمام إرباكه وإصابته بالصدمة.
بدت المفاهيم وقتها “مُربِكة” بقدر ما كانت غير قابلة للاستبدال، لكن المُفارقة اليوم أنها لا تزال تحضر بالقدر نفسه من الإرباك والأهميّة.
“الابتكارات اللغويّة”
يعود الاستعمال المُبكر لمفهوم “الجندر” إلى عام 1784، وتحديداً عندما استخدمته صحيفة “هيرالد مورنينغ” في معرض “النميمة” على الكاتب وعضو البرلمان ويليام بيكفورد وعلاقته بابن اللورد كورتناي البالغ من العمر ستة عشر عاماً، وإن حبّذ البعض إعادة المفهوم إلى أيام الشاعر الإنكليزي جيفري تشوسر (1340 – 1400).
في المقابل، يُعتبر مفهوما “الدور الجندري” و”الهوية الجندرية” جديدين نسبياً إذ ظهرا في بداية الثمانينات، علماً أن “قاموس أوكسفورد” الإنكليزي لم يبدأ بتدوين تلك “الابتكارات اللغوية” (كما وُصفت وقتها) حتى عام 1989.
مع الوقت تغيّرت استعمالات المفاهيم واختلفت دلالاتها تاريخياً. فإن استُخدم الجندر في معرض التمييز بين النساء والرجال، فإن مصطلحات كـ”امتزاج الجندر” تأتي في معرض التشكيك في ذاك التمييز، ملمّحة إلى اصطناعية ما أُريد تكريسه كسلوك طبيعي.
التواريخ والسياقات الجندرية كشفت وفرة لغوية زادت من تشويش المفهوم، وجعلت الاتفاق على دلالاته صعباً، بينما تتعمّق المشكلة مع المقاربة الحديثة للمصطلح والتي لم تتحرّر من آثار استعمالاته القديمة، إذ “يستمر في حمل وظيفته كمصطلح نحوي إلى جانب كونه تعبيراً ملطفاً عن جنس الشخص بالرغم من أنه لم يعد يُستعمل مرادفاً للفعل الجنسي”.
وفي حين أن الجسم البشري ظلّ حتى القرن التاسع عشر “جسداً من لحم واحد” تكون فيه الاختلافات الجنسيّة مسألة درجة أكثر منها مسألة نوع، اتخذت مفاهيم الجنسانيّة والهوية الجندرية بعداً جديداً منذ القرن التاسع عشر بوصفها موضوعاً للمعرفة العلميّة والشعبيّة متجاوزةً مفهوم الجنس لتتداخل في جميع جوانب الحياة الاجتماعيّة.
التأثير العارم للغة
وإن كان الغرب وسط ثوراته الفكريّة والثقافيّة المتعدّدة قد استطاع، رغم “ارتباكه”، تطوير الحقل اللغوي لمفاهيمه الجديدة، كان لافتاً تبنّي الثقافات الأخرى في هذه البقعة التي نعيش فيها للمصطلحات الغربيّة بشكلها الخام من دون أن تجد لها وعاءاً اجتماعياً وثقافياً ملائماً، فكان طبيعياً أن يتفاقم التشويش بغياب حاضنة ثقافيّة (باستثناء بعض المحاولات اللاحقة) وحاضنة لغويّة مُريحة في التعامل مع المفاهيم.
وقد تكون الروائية الفرنسيّة مونيك ويتيغ (Monique Wittig) من أبرز من أشاروا لـ”التأثير العارم للغة على الجسم الاجتماعي” في كتاباتها مطلع التسعينات.
ترى ويتيغ أن الشرط الأول للتغيير الاجتماعي هو إحداث ثورة في اللغة، وليس العكس. وإذا كان الجندر قد استُعمل غالباً كمقولة سوسيولوجية بالدرجة الأولى، فالأخيرة أغفلت دور اللغة معتبرة إياها ذات دور ثانوي، وهو ما دفع ويتيغ إلى التأكيد أن الكلمات هي التي تحدّد موقعنا داخل الخطاب.
وإذا أسقطنا ذلك على واقع اللغة العربيّة، نجد أنفسنا إزاء مروحة واسعة من المصطلحات التي جرى تبنيها من دون ترجمة لها، فحملت إسقاطاتها الغربيّة وبالتالي حساسية غربتها الدائمة عن محيطها المباشر. ومصطلحات أخرى التبست ترجمتها فضاع معناها، وأخرى كرّس أحياناً المصطلح العربي المُستخدم معنى مُخالفاً للمعنى المقصود بها.
مثالٌ على ذلك، لدى كتابة “Gender Blending” على محرّك البحث “غوغل” تأتي العبارة بالعربية “ازدواج الجنس”، في حين أنها هي نفسها تُستخدم كذلك لكلمة “Bisexuality”، وسط اختلاط المعنى الأصلي لكلا المفهومين المختلفين لدى نقلهما إلى العربية.
وفي مثال آخر، كان يُشار إلى الـTransgender كمتحولين جنسياً، وهو ما كان يوحي أن لأصحابه خيار البقاء في هويتهم الأولى فيصبح التحوّل خياراً أيضاً. بعد ذلك، بدأت حملات التوعية حول ضرورة استخدام مصطلح العابرين جنسياً، والذي يعطي الانطباع بأن عمليّة التحوّل سياق طبيعي. اقترح آخرون استخدام مصطلح التصحيح الجنسي باعتباره الأصح تعبيراً.
مع هذا التصحيح، نقصت “ميم” (المتحولين) من مصطلح “مجتمع الميم” الذي استُخدم عربياً للدلالة على المثليات، والمثليين، ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسياً.
“أفراد مجتمع الميم”
في هذا الإطار، يقول معدّو التقرير الأخير للبنك الدولي حول مجموعة الدالات المقترحة لمؤشر عالمي يقيس مدى احتواء أفراد مجتمع الميم إنه “يتعذر بشدة تعيين مصطلح يشير إلى التوجه الجنسي، والهوية الجنسية أو التعبير عن الميول الجنسية والخصائص الجنسية في مختلف الثقافات المتباينة والسياقات الوطنية”.
ويُعلّلون استخدام مصطلح “أفراد مجتمع الميم” لأنه يشكّل مجموعة واسعة لكنها تواجه بعض التحديات المشتركة: وصمة العار، التمييز، العنف بسبب التوجه الجنسي والهوية الجنسية أو التعبير عنها والخصائص الجنسية. ويوكدون أن “هذا التعريف ليس حصرياً ولا نهائياً؛ فغيره من المفاهيم أو المصطلحات أو الهويات قد يكون ذا صلة في سياقات مختلفة، وربما تتطور التصورات والأفكار بشأنها بمرور الوقت”.
حاول هنا الاطلاع على مجموعة من المصطلحات وتعريفها، وهذه محاولة أوليّة للدخول في مواضيع هذا الملف الذي يُعالج، بالتعاون مع “المؤسسة العربيّة للحريات والمساواة”، أبواب الهوية الجندرية والجنسانيّة المتشعبة، وتحديات “أفراد مجتمع الميم” والخصوصية الثقافية لهذا الملف بعيداً عن الإسقاطات الغربيّة التي تعمّق الشرخ وتزيد من النفور بين الفئات المختلفة في هذه البقعة من العالم.
التغطية غير المنحازة (Gender biased)
هي آلية لنقل الخبر تتسم بالإحاطة الكافية للموضوع الذي يتصدى لمعالجتها ومراعاة الدقة وتحقيق الإنصاف والحياد ووضوح الرسالة ومراعاة التوازن الجندري.
الجندر/ النوع الإجتماعي(Gender)
مصطلح يُطلق عند الإشارة إلى الدور/النوع الاجتماعي أو الهوية الاجتماعية كرجل أو امرأة.
الهوية الجندرية (Gender Identity)
إحساس الشخص بهويته ودوره الإجتماعي من حيث التأنيث والتذكير بصورة منفصلة عما تظهره الأعضاء الجنسية.
غير منسجم/ة النوع الجندري/عابر/عابرة للجندر(Transgender)
الشخص الذي لا تتطابق هويته الجندرية مع جنسه البيولوجي. وهناك عدة هويات يمكن إدراجها تحت هذا المصطلح، بالإضافة إلى أنه يُستعمل للتعريف عن الأشخاص العابرين للنوع الاجتماعي، والذين يسعون للعيش بالجندر الذي يشعرون بالانتماء له دون الخضوع للعمليات الجراحية أو التدخل الهرموني.
أما الهويات الأخرى التي تندرج تحت هذا المصطلح فهي:
عابر/ة النوع الجنسي (Transsexual)
الشخص غير منسجم النوع الجندري والذي خضع أو يحتاج للخضوع لعمليات تدخل هرموني وجراحي ليجعل جسمه متوافقاً مع هويته الجندرية، إذ يؤدي العلاج الهرموني والعمليات الجراحية إلى تغيير الخصائص البيولوجية من الجنس الذي تم تشخيصه عند الولادة إلى الجنس الذي يشعر هذا الشخص بالانتماء إليه، فتكون بذلك عملية العبور الجنسي.
لا منتمٍ/ية للثنائية الجنسية/الجندرية (Non-Binary)
الشخص الذي لا يشعر بالانتماء إلى أي من قطبي الثنائية الجنسية/الجندرية، فلا يشعر بنفسه كذكر/رجل ولا أنثى/إمرأة، ويمكن اعتبار أن كل من معدوم الهوية الجندرية(Agender)، وثنائي الهوية الجندرية(Bigender)، ومرن الهوية الجندرية (Genderfluid) وحر الهوية الجندرية (Genderqueer) هويات غير منتمية للثنائية الجنسية/الجندرية (Non-binary).
حر/حرة الهوية الجندرية (Genderqueer)
الشخص الذي لا يتمثل نوعه الاجتماعي في كونه رجلاً ولا إمرأة، أو أنه شخص بين النوعين أو خارج نطاقهما، أو أنه يجمع بين كلا النوعين.
الميول الجنسية والهوية الجنسية والجندرية
يكثر الخلط بين الميل الجنسي والهوية الجنسية/الجندرية، فمعظم الناس يعتقدون أن الهوية الجندرية تعتمد بشكل أساسي على ميول الشخص الجنسية، أو أن الشخص يسعى لعملية العبور الجنسي لأهداف تتعلق بميوله الجنسية، وهذا خطأ شائع، إذ يعاني أصحاب هذه الفئة مما يسمى بعدم الرضى عن النوع الجنسي (Gender Dysphoria)، فيكون التدخل الجراحي والهرموني هو السبيل الوحيد لحل هذه المشكلة.
أما الميول الجنسية فهي شعور المرء بالانجذاب نحو أشخاص آخرين، فقد يكون المرء منجذباً إلى أشخاص من الجنس الآخر (مغاير – Heterosexual) أو أشخاص من نفس الجنس (مثلي – Homosexual) أو كلا الجنسين (مزدوج الميول الجنسية –Bisexual)، أو أنه ينجذب إلى الآخرين من دون أي اعتبار للجنس (Pansexual). وبعض الناس لا يشعر بأي انجذاب جنسي نحو أي شخص (Asexual).
وهكذا يكون الميل الجنسي “شعور خارجي” يتعلق بانجذاب المرء نحو الآخرين، في حين أن الهوية الجندرية هي “شعور داخلي” يتعلق بالإحساس الراسخ داخل المرء بنفسه وإدراكه لذاته وللنوع الذي ينتمي إليه. باختصار شديد، الميل الجنسي يصف علاقة الإنسان مع الآخرين، بينما تصف الهوية الجندرية علاقة الإنسان مع نفسه وجسده.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.