لندن/ العربي الجديد- “لم يخرج أيّ إنسان من سورية من دون أن يتأذى. الإحساس النفسي المؤلم الذي ينتابنا عندما نترك خلفنا منزلنا وتاريخنا ونخسر كل شيء، هذا وحده ليس بقليل. لكن على الرغم من ذلك تجاوزت ذلك وبات الناس هنا ينظرون إلي كمصدر إلهام. لذلك أقول للناس ألا يتوقفوا عند أبسط مشكلة تواجههم بل ليحاولوا مرّات عديدة وليفكّروا في أمور جديدة… منذ أيام أطلقوا علي اسم “أسطورة المؤسسات في يوركشاير”، أي إنّ إنجازي لا يختصر بصناعة الجبنة بل في قدرتي على إنشاء معمل. هناك أمور بسيطة جداً تتواجد أمامنا ونعجز عن رؤيتها”، تقول رزان الصوص المرأة السورية التي أسّست معملاً لجبنة الحلوم في يوركشاير شمال بريطانيا بعد فترة من فرارها من الحرب في بلدها سورية.
“إنّ صناعة جبنة الحلومي ليست اختراعاً بحد ذاته” تقول رزان، وتكمل أنّ القارئ العربي لم ينظر إلى هذه الفكرة الأساسية بل سخر الكثير منهم مما كتب عنها في الإعلام. وعلّق البعض منهم بالقول “إن الجبنة ليست اختراعاً”.
لذلك ترغب رزان بأن توضح بأنّ النقطة أو الخطوة الأهم هي أنّها جاءت إلى هذه البلاد من ظروف حربٍ صعبة إلى بلدٍ جديد لا تتحدّث لغته، فضلاً عن انعدام خبرتها في عمل المصانع. وعلى الرغم من ذلك تمكّنت من تأسيس معمل بنجاح بعد عام واحد فقط، مع العلم أنّ أهل البلد الذين يتخرّجون من أهم الجامعات يعجزون في الكثير من الأحيان عن القيام بذلك.
تقول رزان إنّ الفكرة خطرت على بالها حين أرادت شراء جبنة الحلومي ذات يوم. وقيل لها إنّها غير موجودة لأنّها جبنة موسمية يأكلونها في فصل الصيف فقط. لذلك بدأت بصناعة الحلومي لعائلتها. كانت خطوة بسيطة قادتها إلى تأسيس معمل لجبنة الحلومي، على الرّغم من أنّها لا تنحدر من عائلة عملت أو أسّست مصانع أي أن لا فكرة لديها عن الموضوع. هي في الأصل من مدينة دمشق، كان والدها دكتوراً في الجامعة وأجدادها تجّارا. أما عن وصفة الحلوم، فتقول رزان إنّها راحت تقرأ الكثير عنها، لكنّها لم تعثر في اللغة العربية على مصادر موثّقة، ثم لفت انتباهها، مزاعم عن أصول جبنة الحلومي ونسبها لقبرص، وكان هناك دعوى مرفوعة أمام محكمة العدل الأوروبية من قبل قبرص بهذا الشأن.
وبما أنّها عملت بحثاً في السابق عن هذا الموضوع، أرسلت ملف الدفاع إلى المحكمة، ومما جاء فيه: “حلوم: كلمة قبطية، ويعني الجبن، تعني كلمة حلوم (عربي:الحَالُومُ) الحليب أو الزبادي الذي يكون سميكًا حتى يصبح مشابهًا للجبن الرطب. وخلال تاريخ إنتاج الألبان، عرف الحلومي العالم حوالي 4000 سنة قبل الميلاد على وجه التحديد في المراعي الصحراوية حيث، المناخ الحار، وكان السبيل الوحيد لحفظ الحليب هو الحفاظ عليه في طبيعة الجبن المملح”.
ولا تزال القضية معلّقة من عام 2014 ولغاية اليوم يعجز القبارصة عن نسب الحلوم لهم. وإلا كان سيمنع أي شخص من إنتاج الحلوم في إنكلترا أو خارجها. وفي الوقت الحالي يفتح القبارصة أبواباً جديدةً في الدعوى على أنها تقليدٌ قديم. كل ذلك بسبب دفاع رزان عن أصل جبنة الحلوم، حيث أوضحت أنّ قبرص كانت جزءاً من سورية الكبرى وأن اسم سورية ليس عربياً، بل تختلف الآراء حوله، بعضهم يقول إنّه سرياني وآخرون يقولون إنّ معناه باللغة اليونانية القديمة بلاد الشمس وغيرها من التعريفات. كذلك لفتت إلى أنّ اسم جبنة الحلوم يبدأ بحرف الحاء وليس الـ H وهو حرف غير موجود في أحرف أبجديتهم. كما أن اسمها ليس حلومي بل حلوم. وبحثت في المعجم العربي أن كلمة حلوم تعني تحويل الحليب من سائل إلى صلب وبالتالي هي فعل وليس اسم، هذه النقطة هي التي دفعت المحكمة الأوروبية إلى التوقف عن البت في الأمر.
“ولو نظرنا إلى جبنة الحلوم من قبرص أو غيرها من منطقة الشرق الأوسط ، مثل الأردن والعراق وسورية، نلاحظ أن المكون يشتمل على مزيج من حليب البقر وحليب الماعز أو حليب الأغنام. بيد أنّنا هنا في يوركشاير، بخلاف الآخرين، نحن نستخدم فقط حليب البقر الفريزي البريطاني عالي الجودة في تصنيع جبنة الحلوم، ولهذا السبب كنا متميّزين في منتجنا النهائي الذي تم الاعتراف به بعد ذلك بفوزه بالجائزة البرونزية في مسابقة الجبن العالمي”. تعلّق رزان “إن النظر إلى الحلومي كمنتج حصري لأي بلد أو منطقة معينة هو خطأ لأن هذا لن يفتح أبداً أبواب السوق أو تحسين المنتج للأجيال القادمة”.
تجدر الإشارة إلى أنّ تخصّص رزان في دراسة التحاليل المخبرية، ساعدها على فهم كيفية صناعة منتج خال من الميكروبات وكيفية المحافظة على منتج بتاريخ صلاحية محدد، فضلاً عن فهم تفاصيل العمل والنظافة، وهي لم تكن على دراية بكل شيء لكنّها درست وتدرّبت. كذلك ساهم اختصاص رزان في دراسة الحضارات في تعزيز معرفتها في الدفاع عن أصل جبنة الحلوم.
حتّى أن المكتب الملكي الذي يتواجد عادةً في كل مقاطعة تحدّث إليها، وزارتها الأميرة آن ابنة الملكة والتي افتتحت المعمل الجديد، وتذوقت الجبنة كما شاهدت خطوات الإنتاج، وأرسلت لهم رسالة شكر من قصر باكنغهام. كما طلبت منها تحضير غداء، وتختم رزان: “صنعته كله من الجبنة مثل القطايف التي حشوتها بالقريشة وشويت الحلوم وقدمتها مع السلطة كما صنعت بقلاوة محشوة بالجبنة، وكان الغداء في المعمل مع مساعديها، ورئيس المكتب الملكي ومسؤولين من معامل مخضرمة وكبيرة، ونال الطعام إعجابهم. كما حققت الجبنة التي نصنعها 18 جائزة عالمية ومحلية”.