السوريّات لسن نساء “باب الحارة”
المرأة السورية في الدراما الشامية

رشا عمران/ alhudhudonline- جمعتني سهرة مع أشخاصٍ لا أعرف معظمهم، كان أحدهم (شابٌ في أول ثلاثينياته) يتحدّث عن النساء والزواج وخياراته، فقال، من دون أن يعرف بعد جنسيتي: “لي صديق متزوّج من سوريّة، ويعيش معها حياة هانئة وسعيدة، فهي تعرف كيف تحوّل مسكنه إلى جنة. نصحني صديقي أن أتزوّج من سوريّة إن كنت أبحث عن زواج ناجح”.

وافق معظم الحاضرين على كلام الشاب، بمن فيهم سيدة مصريّة صديقتي وسبب وجودي في السهرة. سألتُ الشاب، بلهجةٍ تخفي جنسيتي: هل يمكن تعميم تجربة صديقك في الزواج من سوريّة؟ أقصد هل تعتقد أن كلّ السوريّات يشبهن زوجة صديقك في الطباع والسلوك؟

قال بما معناه: أظن نعم، إذ يعرف معظم العرب كيف هنّ السوريّات، ليس فقط لجمالهن، ولكن لحسن معشرهن ولطفهن ومقدرتهن على إدارة الحياة الزوجية، وهذا ما نراه في المسلسلات السورية التي تحكي عن البيئة السورية، ولا أعتقد أن ما تتحدّث عنه معظم هذه المسلسلات تفاصيل مبالغ فيها عن الحياة الزوجية الشامية.

قلتُ للشاب: أنا سوريّة، وأُحِبُّ أن أخبرك بأنني لم أكن يوماً مثل زوجة صديقك، ولا ابنتي تشبهها، ولا أعرف امرأة سوريّة تشبهها بما تصفه بها، وما تروْنه في المسلسلات الشامية هو الصورة المُتَخَيَّلة عن النساء في فترة معينة، صورة ذكوريّة متخلّفة، لا تشبه نساء دمشق، ولا النساء السوريّات عموماً، لا في سورية ولا في باقي بلاد الشام.

ما قاله الشاب المصري سمعته مراتٍ من رجالٍ عرب، مثقّفين في أغلبهم، يصفون الزوجة الشامية بصفاتٍ تنطبق تماماً على زوجات المسلسلات الشامية، وتحديداً “باب الحارة”، والمسلسلات المشابهة له، الزوجة التي لا هم لها سوى إرضاء زوجها بكل الوسائل الممكنة. لا تخرج من باب بيت الزوجية إلا بأمره، أو برفقة والدتها أو حماتها، ومغطّاة بالكامل، فلا يبدو منها شيء. وفي البيت تتزيّن في انتظار زوجها (سبع السباع)، بعد أن جهّزت مائدة من أشهى أنواع الطعام الشامي، فيما هو يبدأ في الصراخ عليها وإهانتها منذ لحظة دخوله باب البيت، وهي تتلقّى إهاناته بصدرٍ رحب وبِحُب، فـ”ضرب الحبيب زبيب”. وكلما أمعن الزوج في إهانتها دلّ ذلك على غيرته عليها، ومحبّته لها.

وكنت كلما سمعت عن إعجاب الرجال العرب بالمرأة الشاميّة، أتذكّر مئاتٍ من السوريّات أعرِفُهُن، ولا تنطبق عليهِن أيٌّ من صفات نساء تلك المسلسلات.

والغريب أنّ دمشق أصلاً لم تكن على هذه الشاكلة التي تُصَوَّر بها في تلك الفترة، إلا ربما في بيئةٍ ضيّقةٍ جداً لا يصح تعميمها على كلّ دمشق الشام، فجامعة دمشق كانت تعجّ بالطالبات السافرات، ولم يكن الاختلاط ممنوعاً فيها. وعرفت دمشق تلك الفترة نساءً متميّزات في الثقافة والأدب والتعليم العالي، وفي النشاطين السياسي والمدني. كانت النساء تشاركن في المظاهرات الشعبية، وبعضهن قُدن مظاهرات، وبعضهن ذهبن في منح دراسية إلى أوروبا، وعُدن إلى دمشق ليكمِلن مسيرتهن.

لم تكن منهن من تشبه واحدةً من نساء “باب الحارة” أو “عطر شامي” أو “ليالي شامية”. هذا النموذج النسوي الذي يتم تكريسه بوصفه صورةً عن النساء الدمشقيات، أو ربما بوصفه الصورة الذكورية الشرقية المُتَخَيَّلة والمُشتَهاة للزوجة الفاضلة، وهي المُشابهة للست أمينة زوجة سي السيد في المخيال الذكوري المصري. الفارق أنّ الزوجة في المسلسلات الشامية تبدو شابّة وحسناء ودائمة التبرّج، وذلك كله، لو تدرون، بفضل انتشار طب التجميل الذي جعل من الممثلات السوريّات شاباتٍ وبخدود مشدودة، وأجسادٍ ممشوقة وشفاهٍ ممتلئة وعيون ملوَّنة!

لا تصدّقوا صورة الزوجة السوريّة (الشاميّة) التي في المسلسلات. ليست السوريّات كلّهن مطيعات. نادراً ما تجدون سوريّةً هكذا. ولا تقبل السوريّة إهانة زوجها لها، إلا إذا كانت مُرغَمةً، وإلا لما انتشرت حالات طلب الطلاق بين السوريّات، حينما وصلن إلى أوروبا، بهذا الشكل الملفت. وليست كلّ السوريّات “ستات بيوت شاطرات”. وليس هناك نموذجٌ اسمه الزوجة أو الست السوريّة.

السوريّات مثل باقي نساء العالم الثالث، جميلاتٌ وقبيحات ولطيفات وشرسات ومرتّبات وفوضويات وفاضلات وزنديقات ومُحافِظات ومُتَحرّرات ومُتعلّمات وأُميّات ومثقفات وشعبويات وقويّات وضعيفات .. إلخ.

أما نساء المسلسلات فهنّ صناعةُ عقليّة استبدادية سلطوية سياسية ودينية ذكورية، تريد حصر الست السوريّة في صورةٍ معيّنة، لتتم دائماً الاستعانة بها دليلاً على تخلّف المجتمع السوري.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”. 

المرأة السورية في الدراما الشامية

المرأة السورية في الدراما الشامية

تعليق واحد في “السوريّات لسن نساء “باب الحارة””

  1. المقال جيد.. لكني أرى الدفع بصورة ما لا يلغيها ولا يثبتها.. هذه الصورة موجودة في آماكن في دمشق وغير موجودة في آماكن آخرى..ووجود بعض النسوة(المختلفات) عن السواد الآعظم، هنا أو هناك أيضا لا يعمم الصورة، مع آهمية وضرورة وجود هذه الفردانية والتي هي الأساس في التغيير..مع خالص الود والاحترام.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015