“الطلاق” يتفاقم وينخر جسد الأسرة السورية
لوحة تشكيلية للفنان السوري فادي الحموي

سوريتنا برس- “لم أعد أحتمل مضايقات أهل زوجي المعتقل، الذين يعتبرونني دائماً المسؤولة عن اعتقاله، فلجأت للمحكمة الشرعية في معرة النعمان وطلبت الطلاق” هكذا كان حال سعاد البالغة من العمر 28 عاماً، والتي كانت واحدة من بين الكثير من النساء السوريات اللواتي طالبن بالطلاق أو تعرضن له في ظل الحرب السورية.

وتنوعت أسباب الطلاق في المجتمع السوري، فمنها ما نتج عن أسباب تقليدية كان المجتمع اعتاد عليها، كالاختلاف بين الزوجين، والمشكلات بينهما، أو نتيجة خيانة، أو عدم قدرة أحد الطرفين على الإنجاب، في حين أفرزت الحرب مشاكل أخرى أدت إلى تزايد حالات الطلاق، سواء في المناطق المحررة أو النظام.

وفي معظم الحالات يترتب على الطلاق آثار سلبية تؤدي إلى تفكك للأسرة ودمار في البنية الاجتماعية والنفسية للمجتمع، مما ينمي شعور الكراهية والبغضاء بين الطرفي، إضافة إلى الأثر البالغ على الأطفال وزيادة فرص تعرضهم للأمراض النفسية التي تؤثر على تنشئتهم السليمة، ما يجعل ازدياد حالات الطلاق بلاء ينخر جسد الأسرة السورية.

سعاد عانت كثيراً قبل حصولها على الطلاق لتروي قصتها لــ سوريتنا “بعد زواجي بستة أشهر سافر زوجي إلى لبنان للبحث عن عمل بهدف تحسين واقعنا المادي، وفي الطريق اعتقلته قوات النظام، ومنذ ذلك الوقت لم نسمع عنه أي خبر، وكان أهل زوجي دائماً يحملوني مسؤولية فقدانه، وتعرضت لمضايقات كثيرة، فلم أجد سبيلاً سوى الطلاق من خلال المحكمة الشرعية بعد أن تنازلت عن كامل حقوقي”.

طلاق لرفع الضرر

كما كان للهجرة خارج البلاد أو لظروف النزوح والتهجير، واضطرار الزوجين للإقامة في بيت واحد مع عائلات أخرى، دوراً في زيادة حالات الطلاق، يقول خالد أبو عماد، من أهالي ريف حماة الشمالي “تعرضت مناطقنا للقصف العنيف، فأرسلت زوجتي إلى مدينة حماة حيث يقيم أهلها، وقررت الإقامة في إدلب كوني لا أستطيع دخول مناطق النظام”.

وأضاف أبو عماد “بعد انخفاض وتيرة المعارك في بلدتي، طلبت من زوجتي العودة إلى منزلنا في جبل شحشبو، ولكنها رفضت بسبب الخوف من القصف، إضافة إلى صعوبات الحياة، ليكون الطلاق هو الحل المناسب”.

في حين أفاد مصدر مطلع في محكمة الحولة المركزية، فضل عدم الكشف عن اسمه أن “أغلب حالات الطلاق خلال السنوات الثلاث الماضية، هي لرفع الضرر، إما بسبب فقدان الزوج نتيجة اختفائه بفعل اعتقال أو خطف، أو بسبب الزواج المبكر من كلا الطرفين، حيث يشهد هذا النوع الانتشار الأكبر”.

وأضاف المصدر ذاته “لا يقتصر صغر السن على الزوجة، بل يشمل الزوج في بعض الحالات، ولا يمكن لكلا الطرفين تحمل المسؤولية بشكل جدي، وفي هذه الحالة يكون للأهل الدور الأكبر في وقوع الطلاق”.

حيرة الزوج المفقود

من جهة أخرى، ازدادت حالات فقدان الأشخاص نتيجة اعتقال أو خطف أو سفر، ما يدع الزوجة في حيرة من أمرها، وهل بإمكانها الطلاق منه غيابياً والزواج من رجل آخر، وهذا ما حصل مع أم عبسي التي كانت تقيم في دمشق، واعتقل زوجها على أحد الحواجز، واختفى لأكثر من سنتين ثم علمت أنه متوفي، فلجأت إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وحصلت على حكم طلاق من المحكمة الشرعية في بنش، وتزوجت رجلاً آخر، وبعد خمسة أشهر من زواجها عاد زوجها السابق، واعترض لدى المحكمة الشرعية، إلا أن المحكمة أخبرته أن زواجها شرعي ولا يحق له استرجاعها، إلا إذا طلقها زوجها الثاني.

وقدرت مصادر رسمية لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام، مطلع العام الحالي، حالات الطلاق بـ40 ألف حالة مسجلة رسمياً، معظمها في مدينة دمشق وريفها، 10 آلاف منها لأسباب تتعلق بغياب الزوج وفقدانه.

وأوضح عضو تجمع المحامين الأحرار حسام السرحان أن “أبرز الآراء الشرعية في المناطق المحررة فيما يخص المفقودين، تقول أن غياب الرجل لأكثر من سنة دون معرفة مصيره، يمكن للمحكمة تطليق الزوجة إن رغبت، أما في مناطق النظام فإن الحكم يصدر وفق القانون السوري الذي ينص أن الرجل يحب أن يمضي على فقدانه أكثر من ثلاث سنوات حتى يحق للمرأة طلب الطلاق”.

وأضاف السرحان أن “قرارات التفريق الصادرة عن المحاكم الشرعية في المناطق المحررة، غير معترف بها، ولا يمكن استخدامها في مناطق النظام أو خارج سوريا، لأنها صادرة عن جهة غير رسمية”.

إصلاح ذات البين

وفي ظل تزايد المسببات التي تساهم في لجوء أحد الطرفين إلى الطلاق، سعت المحاكم الشرعية في المناطق المحررة إلى محاولة الصلح قبل منح حكم الطلاق، وقال المصدر المطلع في محكمة الحولة “في حالات الخلاف بين الأزواج صغار السن، نأخذ حكم بالخلع بين الطرفين، لاحتمال عودتهما في حال نضوجهما في السن أكثر”، وأضاف المصدر “في باقي الحالات وقبل اتخاذ أي حكم، فإننا نحيل الواقعة إلى محكمة الصلح، حيث يتم اللجوء إلى أهل الطرفين، لتهدئة النفوس وتوضيح مساوئ الطلاق وإصلاح ذات البين”.

وفي حال عدم التراجع عن الطلاق فإنه يتم تحويل الواقعة إلى المحكمة المركزية (قسم الأحوال الشخصية)، ويُعاد تبيان مساوئ الطلاق على الطرفين، فإذا لم يقتنعوا بالعزوف عن ذلك، يتم البت بالحالة إما تفريق أو طلاق أو خلع، وفي حال كان الزوج من أراد الطلاق، فإنه يترتب عليه النفقة على الأبناء الصغار بسن الحضانة، ودفع المهر للزوجة مقدم ومؤخر، وأما في حال كانت الزوجة من طلبت الطلاق، يتم إجراء عقد خلع مقابل التنازل عن شيء من حقوقها في كثير من الحالات.

كما أوضح المحامي عبد الحميد السعيد من ريف حماة الشمالي أن “هناك الكثير من حالات الطلاق تجري خارج المحاكم الشرعية، بالتفاهم بين الطرفين وبإشراف شيخ شرعي، وهذا يحصل في حال العقود الغير مسجلة في المحاكم، وهي توازي في عددها حالات الطلاق الحاصلة في المحاكم الشرعية”.

المعتقلات ضحايا مرتين

وبرزت حالات طلاق تخص المتزوجات اللواتي كن معتقلات لدى النظام وخرجن بعد فترة، ما دفع بالزوج وبتحريض من أهله إلى طلاقها، مدفوعاً بفكرة أن زوجته تعرضت للاعتداء الجنسي داخل المعتقل، وأن بقاءها معه سيجعله خارجاً عن العادات والتقاليد.

وقال الباحث الاجتماعي سامر قجي إن “طلاق المرأة بعد خروجها من المعتقل، قد يسبب لها حالة انهيار نفسي كبيرة، فهي بالأصل في حالة اكتئاب شديد بعد الفاجعة التي واجهتها في المعتقل، وتكون بحاجة في البداية لزوجها لكي يخفف عنها، وتعرضها للطلاق يزيد من تدهور حالتها، ويصبح كمن صب الزيت على النار”.

من جانب آخر، اعتبر مصطفى عبد اللطيف، القاضي الشرعي الأول في مدينة حماة، أن “أهم أسباب واقعات الطلاق والتفريق المسجلة تعود وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تحدث الخيانات الزوجية التي تتم بإنشاء علاقات غير شرعية من قبل أحد الزوجين مع الغير باستخدام وسائل التواصل كالفيسبوك والواتس آب”، مضيفاً أن حالات الطلاق، بسبب الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي، بلغت 30 % من مجمل الحالات في محافظة حماة.

الأرقام تتضاعف

ومع تعدد الأسباب، وصلت حالات الطلاق لأرقام كبيرة، وأكد القاضي الشرعي الأول التابع لحكومة النظام محمود المعراوي لصحيفة تشرين، أن عقود الزواج المسجلة لدى المحكمة الشرعية مع بداية عام 2011 بلغت 18875عقد زواج، قابلها 4980 حالة طلاق، أما في 2016 سجلت المحكمة 27430 حالة زواج، ليقابلها 7423 حالة طلاق، أي أن نسب الطلاق زادت إلى 50 %، في حين أوضح حسام السرحان “أنه ليس هناك إحصائيات دقيقة في مناطق المعارضة، كون المحاكم الشرعية لا تكشف عن الأرقام في سجلاتها” موضحاً أن “الأرقام التي رصدها تجمع المحامين الأحرار من مكاتبه في إدلب وريف حمص أظهرت زيادة حالات الطلاق في تلك المناطق لأكثر من 300 % عما كانت قبل الحرب”.

لوحة تشكيلية للفنان السوري فادي الحموي

لوحة تشكيلية للفنان السوري فادي الحموي

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015