العنف الاقتصادي في فلسطين.. أداة للسيطرة على المرأة واستغلالها
العنف الاقتصادي ضد المرأة

روان الأسعد/alquds- يخلق العنف المبطن امرأةً تضطر للرضا بمختلف أنواع الأذى والاستغلال الجسدي والمعنوي تتشارك فيه العائلة والمجتمع والعادات والتقاليد، ما يجعلها بحالة احتياج دائم وخوف من عدم توفر الأمان المادي والاجتماعي، لتكون المحصلة “امرأة غير قادرة على الاعتماد على نفسها، واتخاذ القرارات السليمة، وانعدام الثقة بالنفس”، وهو ما يؤدي إلى عنف اقتصادي يمارس عليها ويكبر معها.

كارثة وجريمة بحق المرأة

يُعَد العنف الاقتصادي ضد النساء من أهم الأشكال العديدة للعنف الذي تتعرض لها المرأة، كونه يمنع النساء من الحصول على موارد اقتصادية، واستغلالها من خلال سلوكيات متعددة تظهر بأكثر من جانب، أبرزها: السيطرة والحرمان والإكراه والمنع.

ويتفاوت الإقصاء الاقتصادي والاجتماعي للنساء، في ظل ضعف الحمايات الاجتماعية التي تقدم لهن مقابل الرجال، ولا يمكن تحقيق تنمية مستدامة وتعزيز الاقتصاد الوطني في ظل عدم انخراط نصف المجتمع في الاقتصاد، ودون إجراء تعديلات جوهرية على مختلف السياسات ذات العلاقة وتنفيذها بشكل حازم وحقيقي، وفق ما يؤكده لـ”القدس” الباحث في حقل العلوم الاجتماعية عبد العزيز الصالحي.

ويشدد الصالحي على أن العنف الاقتصادي ضد المرأة يشكل صفعة وجريمة وأداة للاستغلال والسيطرة على المرأة، ما يؤثر بشكل كارثي على حقها ووصولها للعدالة، في ظل وجودها في مجتمع يميز الرجل والسطوة الذكورية، تارةً بالعادات والتقاليد، وتارةً أُخرى ببعض القوانين التي تحتاج لتغيير.

والعنف الذي تتعرض له المرأة بأنوعه المتعددة يندرج ضمنه العنف الاقتصادي، باعتباره من مظاهر العنف المنتشرة، وفق الصالحي، الذي يؤكد أن تلك المظاهر تشكل عائقاً كبيراً تترتب عليه عديد المشاكل المجتمعية.

فلسفة “العنف الاقتصادي”

يكون الاقتصاد مدخلاً للعنف في المجتمع الفلسطيني، إذ إن العنف في المجتمع “مركب”، وهناك عدة خطابات تؤدي بالنهاية إلى العنف الذي يترك أثراً يتم تبريره وفقاً للخطابات المندرجة بمجتمع يقع تحت منظومة الاحتلال، وفق الصالحي، وبالتالي فإن العنف الواقع على المرأة في فلسطين، وتحديداً الاقتصادي، عنف “مركب”، فالحرمان لا يكون فقط نابعاً من منظومة الاحتلال، لكن أيضاً من الخطاب المجتمعي القائم في ظل الاحتلال.

ويشير الصالحي إلى أن الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء اعتمد في مسح العنف بالمجتمع الفلسطيني عام 2019 تعريف العنف ضد النساء أنه “أي فعل عنف قائم على أساس النوع الاجتماعي، الذي من شأنه أن يؤدي إلى ضرر بدني، أو جنسي، أو نفسي، أو معاناة للنساء، بما في ذلك التهديد بارتكاب هذه الأعمال، أو الإرغام عليها، أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء أكانت العامة أم الخاصة”.

أوجه العنف الاقتصادي

العنف الاقتصادي، كما يؤكد الصالحي، ليس بالضرورة أن يكون في تحصيل المرأة حقوقها بشكل مباشر فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، فإقصاء المرأة من سوق العمل، وعن الحيز الذي تستطيع من خلاله تمكين نفسها اقتصادياً، هو بحد ذاته عنف ممارس اقتصادياً عليها.

يقول الصالحي: “إذا نظرنا إلى مشاركة المرأة في القوى العاملة، فإن النسبة في عامي 2015 و2019 هي نفسها، وتدل على وجود فجوة واضحة في سوق العمل، حيث بلغت نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة 18٪ من مجمل النساء في سن العمل للعامين المذكورين، مع العلم أن نسبة الرجال كانت 70%”.

ويتابع الصالحي: “وهذه بمفهومها الاقتصادي لا تعني أن 18٪ من العاملين نساء، بل إن المفهوم الأوسع والأشمل لمشاركتهن في القوى العاملة، لوجود عمل غير مهيكل تعمل فيه النساء بنسبة أكبر كالإنتاج المنزلي، والعمل بالزراعة التي لا تدرج في التعدادات كالأرياف، إضافة إلى وجود فجوة في معدل الأجر اليومي بين الرجال والنساء، حيث بلغ معدل الأجر للنساء 98 شيكلاً والرجل 102 شيكلاً، وهو عنف اقتصادي واضح بحق المرأة كشكل أول من أشكال ذلك العنف”.

أما الشكل الثاني للعنف الاقتصادي، فهو حرمان المرأة من الملكية وما يندرج تحتها من الميراث والمنازعات الموجودة في المحاكم، والجانب المجتمعي يقف مع الرجل ويلزم المراة بالتنازل له، وفق الصالحي.

ويوضح الصالحي أنه في مسح العنف الذي أجري عام 2019، تبين المؤشرات أن 92% من النساء المتزوجات حالياً أو اللاتي سبق لهن الزواج، تعرضن لأحد أشكال العنف النفسي أو الجسدي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، على الأقل لمرة واحدة من قبل أزواجهن.

العنف الاقتصادي.. أساس العنف ضد المرأة

حين الحديث بشكل فسيولوجي كعلم اجتماع، فإن الصالحي يؤكد أنه من المهم جدًا الإيضاح بأن العنف النفسي أو الجسدي أو الاجتماعي يأتي بالأساس من الضعف الاقتصادي، الذي تعيشه المرأة داخل الأسرة أو في المجتمع.

يقول الصالحي: “نعم، هناك خطاب ذكوري مبني على التملك في الرأي والمادة وغيرهما، وكله يؤدي إلى إقصاء المرأة وتهميشها وتعنيفها، وللأسف تبرير التعنيف بمجمله أساسه بنيوياً اقتصادياً، ما يزيد العنف، لأن الذكر يملّك والمرأة لا تملّك، وهذا العنف تتم إعادة إنتاجة في المجتمع من قبل الإناث، كونها تقبل بشكل أو بآخر بحكم الخطاب الذكوري المجتمعي المهيمن أن تكون بموقع الضعيف”.

رغم ازدياد قدرة المراة على اتخاذ القرار.. العنف يتواصل

ومن اللافت، وفق الصالحي، أنه بعد عام 2000، بدأنا نلمس ازدياد قدرة المرأة على اتخاذ القرار في العائلة بعد إشراكها في سوق العمل، ولكن الصالحي يشير إلى أن تلك القدرة لا تعني أن العنف قلّ، لأن الزوج يقرر كيفية التصرف بمكتسبات زوجته المالية.

ويشير الصالحي إلى أن قدرة المرأة أعلى من الرجل في إدارة شؤون المنزل مالياً حسب دراسات قامت بها وزارة التنمية الاجتماعية، فلماذا الخطاب المجتمعي يعطي الرجل هذه الهيمنة والسلطة؟ ويتجاهل الأعمال غير مدفوعة الأجر، التي تقوم بها المرأة وتشكل عائقاً جدياً أمام النساء، لأن العبء الأكبر من هذه الأعمال يقع عليها ودون أي تقدير، وهذا أقسى أنواع العنف، وهو مجحف، ما يشكل عنفاً اقتصادياً ضدها.

ويؤكد الصالحي ضرورة الالتفات لمسألة التقسيم الوظيفي لدور المرأة والرجل في المجتمع، إضافة إلى أن بيئة العمل طاردة، وسياساتها غير فعالة، ما أدى إلى رفع نسبة البطالة بين النساء، وقلصت نسبة قوة العمل بينهن باعتبارها الحلقة الأضعف.

الميراث والنفقة وعلاقتهما بالعنف الاقتصادي

مؤشرات العنف الاقتصادي تتمثل، أيضاً، في الحرمان من الميراث أو استغلال قضية النفقة للمرأة، إذ يبدو وجود نسبة ضئيلة من النساء ولا تكاد تذكر من حصلن على حقوقهن بالمحاكم في قضية الميراث، علاوة إلى وجود استغلال لقضية نفقة المرأة.

يقول الصالحي: “إن ما نسبته 3% من النساء فقط حصلن على حقهن بالميراث من خلال المحاكم، فيما 97% منهن ينتظرن الحصول على حقهن، ومعرضات للحرمان من الملكية”.

ويتابع الصالحي: “كما أن قضية النفقة للزوجة بعد الطلاق يتم استغلالها بكثير من الحالات بشكل مبتذل ووقح، كورقة ضغط على المرأة لتقدم تنازلات، وللأسف فإن الباحثين يتكتموا على الأمور، لأن المبحوث لا يكون لديه فكرة عن المطلوب منه، بالتالي نسب العنف عالية، حيث إن العنف مركب وبنيوي نابع من خطاب الاحتلال، ويندرج تحتها العديد من الخطابات التي تولد عنفًا”.

ضرورة وقف تنامي العنف الاقتصادي

العنف المبطن الذي تتشاركه العائلة مع المجتمع بعاداته وتقاليده يبدأ من التمييز بالتعامل، ويكبر عند الذكور والنساء، لتقبل الهيمنة، لذلك يجب إعادة الخطاب المجتمعي المؤدي لتنامي العنف الاقتصادي، وفق ما يشدد عليه الصالحي.

ويوضح الصالحي أنه “عند إدراك المرأة لقدرتها على الملكية الخاصة، يحدث الصراع بين الخطاب المجتمعي، والنابعة من تمكينها اقتصادياً، وتبدأ إثارة الصراع لتولد مزيدًا من العنف ضد المرأة، ولغاية اللحظة برغم وجود العديد من المؤسسات التي تحدثت عن تمكين المرأة اقتصادياً، إلا أنه لم يكن هنالك تفكيك في المجتمع لبنية العنف الموجودة داخله، والتي هي أساساً قائمة، وجعلت المرأة الأكثر تهميشاً، كما لا توجد محاولات حقيقية لتفكيك البنية التي تؤدي إلى حل هذه الأزمة والعنف الاقتصادي الممارس ضد المرأة”.

ويؤكد الصالحي ضرورة عدم إغفال الربط بشكل مباشر بين العنف الممارس من الذكور على الإناث، والعنف الممارس من الاحتلال على الذكور عند التحليل الفسيولوجي لموضوع العنف الممارس على النساء بكل أشكاله.

ويكمن الحل حول قضية العنف ضد المرأة، وفق الصالحي: “في تفكيك الخطاب المجتمعي، ووضع الموازين لكل العناصر الموجودة بالمجتمع والفئات المهمشة، وإعادة الأدوار في المجتمع وظيفياً، ومواجهة تسليع الأفراد، خاصة المرأة، لأنها ليست واجهة جميلة فقط، ويجب تناولها تحت إطار الخطاب المجتمعي وتفكيكه، والنظر للزاوية الاقتصادية فيه لنرد للأفراد اعتباراتهم المبنية على أساس العدالة الاجتماعية في المجتمع”.

ويشدد الصالحي على أن المشكلة والحل لا يكمنان فقط داخل أجندة السياسات الوطنية التي يتم تبني وتضمين كل الخطط التنموية الدولية الموجودة في الأجساد الحكومية، لكن المشكلة في الأدوات التفيذية الكبيرة جداً، ما يطرح تساؤلاً عن ما هية علاقات القوى داخل المجتمع، ومن يسير المجتمع؟ هل التشريع والقانون والسياسات التي تتبناها الجهات المسؤولة؟ أو هناك قوة داخل المجتمع تحارب أي فكر للتغيير الاجتماعي يممكن الحصول عليه.

ويؤكد الصالحي الحاجة لجلوس صُناع القرار الفلسطيني والجهات المسؤولة ليواجهوا هذه الحقيقة، وهي القوى الفاعلة على الأرض، بغض النظر عن ماهيتها وطابعها، هل هو تنظيمي سياسي اجتماعي ديني؟ وكيف علينا أن نواجه؟ فالعنف يزادد في المجتمع، ويجب مواجهة هذه الظاهرة، ودون هذه الحلول ستبقى العوائق في وجه المرأة تحول دون وصولها إلى أنظمة العدالة.

العنف الاقتصادي ضد المرأة

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015