العنف ضدّ النساء!
لا للعنف ضدّ المرأة

ولاء خرمندة/syrianfeministlobby- تعرّف الأمم المتحدة العنف الممارس ضد المرأة بأنّه ”أيّ فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”.

ويشكّل العنف جزءاً كبيراً من مشكلات النساء ومجال عمل الحقوقين، حيث أن التمييز ضدّ المرأة بكل الأشكال يفضي إلى أنواع مختلفة من العنف، سواءً بتساهله مع هذا العنف، أو كونه أداة له. ولعل العنف يرتبط بأذهان النساء، بمعظم الأحوال كمرادف للإيذاء البدني، بينما يمكننا تصنيف العديد من أنواع العنف ضد النساء كالعنف النفسي، الجسدي، الاقتصادي، القانوني، والاجتماعي، الجنسي، بالاضافة لاستخدام العنف ضد النساء كسلاح حرب خلال النزاعات، كما أن أنواع العنف قد تتداخل من حيث النتائج، أو يفضي أحدها إلى الآخر، بحيث تصبح مسألة حل هذه الكتلة من العنف الموجّه ضدّ النساء، أمراً ضرورياً، حيث تعاني النساء وإن كان بشكل متفاوت على هذا الكوكب، من شتى أنواع العنف.

أولاً- العنف القانوني

يمكننا تعريف العنف القانوني على أنه: التمييز ضدّ النساء على أساس النوع الاجتماعي، في الدساتير أو القوانين الوطنية، مما يخلف أذية للنساء، فبالإضافة لعدم عدالة هذه القوانين ومساواتها للجنسين، فإنها تكون السبب بحدّ ذاتها بضرر نفسي، أو جسدي، أو اقتصادي، أو جنسي ..إلخ، ويظهر هذا التمييز بأوضح أشكاله في قوانين العقوبات، والأحوال الشخصية، خصوصاً في المنطقة العربية التي لم تحقق حتى الآن، تقدّماً ملموساً في الحدّ من التمييز ضدّ المرأة.

تعتبر المحامية والحقوقية السورية ملك قاسم أنّ: “المساواة بين الجنسين ضرورية لإعمال حقوق الإنسان بالنسبة إلى الجميع، إلا أن القوانين التمييزية ضد المرأة ما زالت موجودة في كل مكان، ويجري سن قوانين تميزية جديدة، ولا تزال الكثير من القوانين في جميع الأعراف القانونية، تعين للنساء والفتيات وضع المرتبة الثانية فيما يتعلق بالمواطنة، الجنسية، التعليم، الصحة، الحقوق الزوجية، حقوق الوالدين وحقوق الميراث والملكية، ولا تتوافق هذه الأشكال من التمييز ضد المرأة، مع تمكين المرأة”.

أسباب التمييز ضدّ المرأة

عن الأسباب التي سمحت بهذا التمييز ضدّ المرأة ضمن القوانين، تقول المحامية قاسم: “صادقت عدّة دول عربية على اتفاقية سيداو، ويجب أن تكون بنود الاتفاقية سارية المفعول، كجزء من القانون الوطني. ولذلك فهي تعتبر قانوناً داخلياً يتوجّب على القضاء تطبيقه، بل وترجيحها (الاتفاقية) على القوانين الوطنية في حال تعارضهما. إلا أن معظم الدول العربية المُصَادِقة على الاتفاقية، والقاصِرة في تحقيق المساواة بين الجنسين في قوانينها الوطنية، تتحفّظ على عدّة بنود أساسية في اتفاقية سيداو، وتعطيل هذه البنود يكون بالاعتماد على مبرر خصوصية المجتمع، وكذلك الشريعة الاسلامية”.

وتعتبر اتفاقية سيداو ببنودها الثلاثين، إحدى أهم المواثيق التي سُنّت للقضاء على التمييز ضدّ النساء، كما “أنّ الحاضنة الاجتماعية والسياسية التي تولّد هذه القوانين، والبيئة السياسية “الفساد” وغياب الديموقراطية، انتهاك حقوق الانسان …، أثّرت بشكل رئيسي على المجتمعات العربية، وأدّت في كثيرٍ من الأحيان إلى مصادرة حقوق كانت تتمتع بها النساء سابقاً” تضيف المحامية قاسم.

التمييز في القوانين والمواد الدستورية

يمكننا تناول العديد من القوانين والمواد الدستورية، التي تظهر تمييزاً واضحاً ضدّ المرأة، تتابع المحامية قاسم: “تنصّ المادة  (6) من الدستور الأردني على: “الأردنيون أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق، أو اللغة أو الدين.” إلا أنه وبسبب عدم إضافة كلمة “الجنس” على هذه المادة، لم يتحقّق الإنصاف للمرأة الأردنية، ولم تُعتَبر مواطنة كاملة الحقوق أسوةّ بالرجل، وهذا ينطبق على الدستور السوري”.

وبالطبع فإن هذه المواد الدستورية التمييزية، تنعكس على قوانين أخرى، وتجعل من المرأة غير كاملة الحقوق كمواطنة أمام القانون.

وتقدّم المحامية ملك قاسم نماذج عن تلك القوانين: ” في سوريا والأردن كما سائر البلدان العربية، يمنع القانون المرأة العربية المتزوّجة من أجنبي، من منح جنسيتها لزوجها أو أبنائها، كما تنص معظم قوانين العقوبات العربية، على نصوص مخفّفة لعقوبة القتل، في حال كان الجاني رجلاً قتل زوجته، أو سيدة من ذويه، تحت أعذار مخفّفة لمبررات كالغضب، والشرف. وتنص معظم هذه القوانين، على مواد تُعفي المغتَصِب من جريمته، إذا عرض الزواج على ضحيّته المادة (522) من القانون اللبناني، المادة (508) من السوري، وينصّ القانون اليمني مثلاً في المادة (42) على أن: (ديّة المرأة نصف دية الرجل)”.

التمييز في قوانين الأحوال الشخصية

تُعامِل قوانين الأحوال الشخصية العربية، المرأة بتمييزية أيضاً، إذ تنصّ في معظمها على انتقاص شهادتها، وعلى ضرورة موافقة ولي أمرها في حال زواجها، حيث “تعتبر المرأة تابعة للرجل بمجرد زواجها منه، كما تبيح هذه القوانين تعدّد الزوجات، وتمكين الزوج إرجاع الزوجة بعد أن يطلّقها، دون موافقتها أو حتى رضى أوليائها، وبالتالي، فالطلاق حقٌّ للرجل يستخدمه كما يشاء”.

وتضيف المحامية قاسم عن تساهل القانون مع العنف الجسدي، والجنسي، الزوجي ضدّ المرأة “فينصّ القانون العراقي مثلاً في المادة (41)، على أنه لا جريمة إذا وقع الفعل استخداماً لحقّ يقرّه القانون، وينطوي تحت ذلك مثلاً: تأديب الزوج لزوجته في حدود ما هو مقرّر شرعاً، أو قانوناً، أو عرفاً.”.

إنّ هذه القوانين بحدّ ذاتها، تتواطأ مع العنف ضدّ النساء الجنسي والجسدي، بالإضافة للآثار النفسية فيما يخص تقليص حرية النساء المكفولة بالقانون، وعدم التعامل معها كمواطنة متساوية مع الرجل، فهذه القوانين تنعكس على صحة المرأة، وأمانها الشخصي، وقدرتها على الإنتاج والفاعلية بشكل أكبر في المجتمع، ووضعها الاقتصادي، وتمتعها بالحد الأدنى من الحريات الشخصية والأهلية.

وتنعكس هذه القوانين على مشاركة النساء السياسية، حيث أن هذه القوانين تتكافل مع المجتمع، الذي يُمارس عنفاً آخر على المرأة، من خلال التنميط والأعراف والتقاليد، وعن هذا تقول السيدة قاسم: “إنّ مشاركة المرأة السياسية، التي حصلت على حقوقها السياسية، بقوة الدساتير وقوانين الانتخاب، في بعض المجتمعات العربية، لم تتح لها الفرصة لتشارك بفعالية أكبر في مجال العمل الحزبي واتخاذ القرارات”.

تعقيد الإجراءات القانونية المتعلّقة بتنفيذ الأحكام

كما أن هناك مشكلة تعقيد الإجراءات القانونية بحدّ ذاتها على المرأة، لأسباب تتعلّق بصعوبة، وجور هذه القوانين، ونفقات المعاملات، كما تعتقد المحامية قاسم أنّ النساء: “يُعانين من صعوبة في تنفيذ الأحكام المتعلّقة بالنفقة وسواها، كما تُضاف صعوبات تنفيذ هذه الأحكام في المناطق الخاضعة لتقسيمات عسكرية وسياسية مختلفة، وتدنّي وعي أفراد الشرطة حول قضايا المرأة، واستنادهم إلى صورة نمطية راسخة في الأذهان، تُصعّب من الإجراءات بحقّ المرأة”.

وتختم المحامية ملك قاسم حديثها حول هذه القوانين: “ما ذُكِر كان بعض الأمثلة على أنّ كافة التشريعات، والقوانين في الدول العربية تحوي على تمييز، ولا تحقق المساواة، وتكون أداة من أدوات تعنيف المرأة”.

نحتاج إلى ثورة تشريعية، للقضاء على مظاهر وأشكال العنف ضدّ المرأة، لا حقوق بدون قوانين وتشريعات ضامنة لها.

ثانياً: العنف الاقتصادي

العنف الإقتصادي ضدّ المرأة أحد أشكال العنف المبني على التمييز ونتيجةً لأنواع أخرى من العنف، ويمكننا أن نلحظ هذا النوع من العنف في عدة مستويات حسب وضع المرأة، فمن ناحية، يمكن للمجتمع أن يحرم النساء من فرص التأهيل المختلفة سواءً بحرمان الفتيات من التعليم والدراسة أو منع النساء من تلقّي تدريب أو حتى العمل لاحقاً، تحت حجج الأعراف والمرجعيات الدينية، فتبقى النساء تابعة اقتصادياً للمعيل، ويقتصر عملها على القيام بأعمال المنزل مجاناً.

ومازالت النساء في الأرياف يقمن بأدوار إضافية خارج المنزل، كالعمل في الأراضي الزراعية مجاناً دون تحقيق أي أمن أو استقلالية اقتصادية. بينما تُعاني النساء العاملات من التمييز ضدّهن في أماكن العمل، سواءً من حيث فرق الأجور أو الترقّي على السلم الوظيفي بين الجنسين. كما يعانين من ضغط الأعباء الإضافية في المنزل، حيث لا يعترف المجتمع بضرورة تقسيم الأدوار داخل المنزل؛ حتى ولو شاركت النساء بدعم الأسرة مالياً.

وعن أثار هذا التمييز تقول د. مارسلينا شعبان، الاختصاصية بالعلاج النفسي التحليلي: “إنّ الحصول على الموارد الاقتصادية للنساء، وبنفس الوقت قلّة قدرتهنّ على اتخاذ القرارات بالتصرّف بهذه الموارد، يزيد من إمكانية تعرّض المرأة للعنف في حال تأففها من هذا الواقع. في المجتمعات المهمَّشة توجد دائماً سياسات عدم تنظيم الاقتصاد، بما فيها خصخصة القطاع العام الذي يكرّس أو يميل إلى انعدام مساواة المرأة بالرجل في الأمور الاقتصادية والاجتماعية”.

وتضيف د. شعبان: “المجتمعات التي توجد فيها أيضاً مستويات عالية من انعدام المساواة، تشهد توسّعاً زائداً في الفجوة بين الأغنياء والفقراء نتيجة العولمة، وتخلق أحوالاً ترفع مستوى العنف ضدّ النساء نظراً لآليات التحكّم الاجتماعي القائمة على أشكال مختلفة من العنف ضدّ المرأة أو تؤيّدها، كما تكرّسها القوانين الشرعية في الميراث وطبيعة المهر أو تزويج النساء الصغيرات لأهداف مادية؛ بغية نوع من الحماية الاجتماعية المزيفة”.

وتقول المحامية ملك قاسم عن موقف القانون من عمل المرأة: “بالرغم من مشاركة المرأة العربية في مجال العمل بقوة التشريع؛ لكن ذلك دون مشاركة إيجابية حقيقية في الحصول على هذا الحق، بالاضافة لاستغلال المرأة في مجال العمل، فقد أعتُبر حصولها على هذا الحق في كثير من الأحيان استقلالاً تقهر فيه أسرتها أو في أحيان أخرى يتم استغلال عملها كوسيلة لرفع مستوى الدخل لا أكثر”.

ويبدو أن القانون الذي يعترف بحقّ العمل للمرأة لم يحمِ حقوقها كعاملة، فبحسب القاسم: “هناك مواد في قانون الضمان الاجتماعي تنظر للمرأة بوصفها مُعالة لا معيلة، وهي ذات النظرة التي كرّستها قوانين الأحوال الشخصية” الأمر الذي يضع المرأة بنمطية التابع الاقتصادي من ناحية ومن ناحية أخرى فإن هذه القوانين تناقض ذاتها في أماكن أخرى لتمنح المرأة حقوقاً اقتصادية أقل، في معاملات نفقات الأطفال لأم مطلقة حاضنة لهم، أو من حيث الميراث، وفي بعض الأحيان من حيث حرية التصرّف بمالها.

يُضاف إلى هذا العنف الجنسي والنفسي المُمارس ضدّ النساء في أماكن العمل، حيث مازالت الاعتداءات الجنسية ضدّ النساء العاملات ظاهرة في معظم دول العالم، وكذلك فيما يخص فرق الأجور بين الجنسين لذات العمل والذي ينتج عن النظرة تجاه المرأة العاملة كمُعالة لا مُعيلة، ويظهر مصطلح كـ “تأنيث الفقر” كنايةً على أنّ النساء هم الشريحة الأكثر فقراً، سواء لكونهنّ تابعاً اقتصادياً لمُعيل، أو لتلقيهنّ أجوراً أقل، وبالتالي تعويضات أقل.

وربما يُعتبر هذا الفقر أيضاً وغياب التأهيل سببين لانتشار مهن متعلّقة بـ”الاتجار بالبشر” تكون النساء ضحاياها مما يُدخلنا في دوّامة من العنف الجنسي، والبدني والنفسي.

كما أسلفنا فإنّ أنواع العنف العديدة القائمة على التمييز على أساس النوع الاجتماعي، متداخلة بشدة بحيث تتماهى مع بعضها مشكلة حلقة من العنف لم تنجح أكثر الدول تقدّماً على تفكيكها بشكل كامل، ومازالت احصائيات وتقارير المنظمات الأممية والحقوقية والنسوية تُظهر أرقاماً مرعبةً حول العنف ضدّ النساء بمعظم أشكاله في مختلف دول العالم، وإن كانت تتفاوت بين الدول بناءً على تقدّم القوانين والمجتمع بمحاولتهما لتقليص العنف ضدّ النساء، إلا أن وجود أي شكل من أشكال التمييز ضدّهنّ سيكون سبباً لتوليد المزيد من العنف أو التسهيل له.

ويعتبر التخلّص من العنف الاقتصادي والقانوني في غاية الأهمية بحيث يمكن اعتبار النساء خزان بشري لم يُستَثمَر، من حيث أنهنّ يد عاملة كبيرة، ووجود مواهب وطاقات لا تُستَثمر بسبب تبوّء النساء لمراكز متقدّمة مهنية وسياسية بشكل أقل من الرجال، حتى في تلك المهن المنمَّطة، كمهن نسائية كالتعليم والتربية.. كما أنّ النساء يعانين من الفقر وآثاره السلبية الكبيرة المنعكسة على جودة حياتهنّ.

وبينما يعتبر التخلّص من العنف القانوني أحد أهم الخطوات الأولى نحو التخلّص من التمييز لما في ذلك من ضمان لهذه الحقوق التي تّحارب النساء من أجلها، وحيث تتعارض هذه القوانين مع ضرورة التعامل العادل مع كافة البشر أمام القانون بعيداً عن أسباب تمييزية تعتدي على حقوق المرأة بوصفها إنساناً ومواطناً بالدرجة الأولى.

ثالثاً: العنف الجسدي

يمكننا تعريف هذا النوع من العنف على أنه كل فعل يسبّب أذيّة جسدية أو يهدف للإيذاء والإيلام جسدياً، ويستهدف المرأة بشكل خاص. ويمكننا شمل الضرب والاعتداء، كما أنّ جميع أنواع العنف الجنسي تُدرج عادةً كعنف جسدي، ولكن لأهمية الموضوع سنتحدّث عن العنف الجنسي بشكل منفصل، وكذلك جرائم الشرف واستخدام العنف الجسدي ضدّ النساء كوسيلة حرب.

إن ممارسات كالضرب والأذية الجسدية أمر منتشر على مستوى العالم وغالباً ما يصدر هذا النوع من الأذية على يد الزوج/الشريك، أو أفراد العائلة من الذكور، وقد يصل أحياناً ليصبح سبباً يؤدي إلى الوفاة، أو حرماناً من حقّ الحياة بالقتل العمد كما في جرائم الشرف، ويبدو من خلال الإحصائيات القليلة المتوّفرة عن الموضوع في الدول النامية، وبتلك الصادرة عن دول متقدّمة أنّ العنف الجسدي مازال حاضراً في كافة الدول.

ويترتب على هذا النوع من العنف نتائج تنعكس على المرأة بمشكلات صحية، جعلت منظمة الصحة العالمية تصنّف هذا العنف بوصفه مشكلة صحية عالمية بأبعاد وبائية، ومن ذلك الإصابات البالغة والضرب المُودي للوفاة، والإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً والتعرّض للحمل غير المرغوب به وبالتالي الإجهاض أو الولادات العسيرة، كنتيجة للعنف الجنسي.

كما أنّ هذا العنف قد يصل إلى مرحلة القتل العمد في حالات جرائم “الشرف” مثلاً، ومازالت معظم الدول العربية تضمّن قوانينها تبريراً لجرائم الشرف بوصفها عُذراً مخفّفاً لعقوبة القتل، التي قد لا تتجاوز في بعض الدول شهوراً معدودة من الحبس.

النساء المعنَّفات يتعرّضن بصورة أكبر للمشكلات والاضطرابات النفسية كالإكتئاب

تأتي التبعات النفسية أيضاً والناتجة عن العنف الجسدي ضدّ المرأة، لتشكّل ارتباطاً وثيقاً بين العنف الجسدي من جهة والنفسي من جهة أخرى، حيث يترك الضرب والإهانة المتعمَّدة آثاره على المرأة، من حيث أن النساء اللواتي يتعرّضن للعنف، يتعرّضن بصورة أكبر للمشكلات والاضطرابات النفسية كالاكتئاب والخوف، ويمكن أن تزيد هذه المعاناة من مخاطر الإدمان على الكحوليات والمخدرات. كما أنّ الأشخاص الذين يتعرّضون للعنف في مراحل الطفولة والمراهقة يميلون لممارسة هذا العنف لاحقاً، وبالتالي يتأثّر أطفال الأم المعنَّفة بتبعات هذا العنف. كما أنّ الخدمات الطبية المقدَّمة على خلفية العنف البدني، تكلّف الدول مبالغ كبيرة لقاء هذه الخدمات من ناحية، وتسبب ضعف إنتاجية المرأة المعنَّفة من ناحية أخرى. وتميل النساء المعنَّفات لتكوين شخصيات مهزوزة.

ويُربط هذا النوع من العنف بالعديد من العوامل كالتعليم والبيئة الاجتماعية، إلا أنه مازال منتشراً بكلّ المجتمعات، وإن كان يتفاقم في هكذا بيئات.

ويبدو أنّ الحلّ للقضاء على هذا النوع من العنف يتطلّب تعاوناً وثيقاً بين عدّة جهات وجهوداً إضافية، أهمها:

– وعي النساء بحقوقهنّ، وضرورة الإخبار عن هذا العنف وعدم الصمت عليه، لأنّ على المرأة حرباً لتخوضها بهذا الخصوص.

– تعديل القوانين التمييزية التي تُبيح هذا العنف أو تتساهل معه، وإلغاء الأسباب المُخَفّفة لجرائم الشرف، وتشديد القوانين بوجه معنِّفي النساء، وتعديل قوانين الاعتداء الجنسي المقصّرة في المنطقة العربية.

– تقديم الخدمات والرعاية الصحية بما فيها النفسية للنساء المعنَّفات، وتقديم التوعية اللازمة لهن.

– العمل على محاربة العنف الجنسي ضدّ النساء بشكل خاص، سواء العنف الجنسي من الشريك، أو في أماكن العمل، وفي أوقات النزاعات، والتخلّص من النظرة المجتمعية التي تُظهِر المرأة المعنَّفة كشريك أو سبب للعنف بدل أن تكون ضحيته.

ولابد من الإشارة إلى أنّ العنف الجسدي والجنسي، يشكّلان جزءاً كبيراً من أشكال العنف الأخرى المُمارَسة على النساء من حيث رقعة الانتشار الجغرافية وكذلك ارتفاع معدّلات حدوث هذا العنف، إلا أنّ انخفاض هذه النسب في دول معيّنة يعني بأن هذا النوع من العنف قابل للسيطرة عليه، إذا ما تكافلت جهود المجتمع؛ خصوصاً النساء والقانون.

رابعاً: العنف النفسي

تعرّف المحللة النفسية د. مارسلينا حسن، العنف من وجهة نظر علم النفس على أنه: “العنف سلوك أو فعل إنساني يتسم بالقوة والإكراه والعدوانية، صادر عن طرف قد يكون فرد أو جماعة أو دولة، وموجّه ضدّ الآخر بهدف اخضاعه واستغلاله في إطار علاقة قوة غير متكافئة مما يتسبّب في إحداث أضرار مادية أو معنوية لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة أخرى”.

وتضيف د. حسن: “وهو شكل من أشكال العنف وسوء المعاملة يُوسم به الشخص الذي يُخضِع غيره بسلوك قد يتسبّب له بصدمات نفسية، بما في ذلك القلق، أو الاكتئاب المزمن أو اضطرابات ما بعد الصدمة أو يكون سبباً في تعريضه لذلك. ويعرّف العنف النفسي أيضاً بـالعنف العاطفي أو العنف الذهني. وكثيراً ما يرتبط هذا العنف مع حالات من اختلال توازن القوى، مثل العلاقة المتعسّفة، والتنمّر والاعتداء على الأطفال والعنف في مكان العمل”.

ويصنف الباحثون الاعتداءات والسلوكيات العشرين التي تجعل العنف النفسي مرادفاً للعنف الوجداني أو العاطفي تحت ثلاث فئات هي بحسب د.حسن:

– الاعتداء اللفظي: كقول شيء يزعج شخص آخر أو ينتقص من قيمته الإنسانية باستخدام كلمات بذيئة مُشينة تسبّب الضيق والتحجيم، مما يتسبّب بالإحساس المرير بمشاعر القهر والنقص.

– السلوكيات المُهينة: كمنع شخص ما من ممارسات حاجاته الطبيعية بسهولة وتعرّضه للابتزاز والإذلال بتكليفه بسلوكيات غير مقبولة بهدف تلبية حاجاته.

– السلوكيات الناتجة عن الغيرة أو الحسد: والتي تتسبّب باتهام الشريك أو الصديق بالمحافظة على علاقات أخرى مشابهة للعلاقة التي تربطهما، أو يتم تشويه السمعة أو الفضيحة الاجتماعية بمعنى ممارسة الضغوطات العاطفية لأسباب غير أخلاقية.

المرأة لا تصنّف الإساءة النفسية والإهانة وغيرها من الاعتداءات؛ كعنف

ربما يُعتبر العنف النفسي من أخطر أنواع العنف الضمني أو غير الظاهر الذي تتعرّض له النساء من ناحية، كما أنّ المرأة ذاتها لا تصنّف أفعالاً كالإساءة النفسية والإهانة وغيرها من الاعتداءات كعنف، وبالتالي فهي لا تتحدّث عنها ولا تُناضل في معظم الأحوال للتخلّص منها من ناحية أخرى، وعن هذا تخبرنا د. حسن:

“اعتبر العنف النفسي من أخطر أنواع العنف فهو غير محسوس ولا يترك أثراً واضحاً للعَيَان، وهو شائع في جميع المجتمعات غنية أو فقيرة، متقدّمة أو نامية، وله آثار مدمّرة على الصحة النفسية للمرأة. وتكمن خطورته بأن القانون قد لا يعترف به كما يصعب إثباته. حيث تعاني المرأة من الإهانات والإهمال والاحتقار والشتم والكلام البذيء والتهميش وإسماعها كلاماً غير لائق، وتشبيهها بأشياء لا تحب أن تشبّه بها، أو مناداتها بأسماء لا تحبّها، إضافةً إلى الاعتداء على حقّها في شريك الحياة، وفرض القيود عليها والتدخّل بشؤونها الخاصة. وتحت العنف النفسي يندرج ما يسمى بالعنف الرمزي؛ الذي لا يتسم بالقيام بأي فعل تنفيذي بل يقتصر على الاستهتار والازدراء واستخدام وسائل يُراد بها طمس شخصية المرأة”.

ويبدو أنّ العنف النفسي كعنف مستقل وكنتيجة للعنف الجسدي والعنف أثناء النزاعات، منتشرٌ بشكل كبير ومتستّر خلف تبريرات مجتمعية أو دينية أو قانونية، وعن هذا تضيف الأخصائية حسن: “إن العنف النفسي منتشر بشكل كبير بسبب القيم الثقافية التي تكسر نشأة المرأة اجتماعياً وتجعلها خاضعة منذ طفولتها المبكرة لسيطرة الأعراف الثقافية والمجتمعية، وتُعامَل المرأة داخل الأسرة وحتى المجتمع الكبير على أساس أنها ضعيفة وعليها الخضوع لرجال العائلة، فالشتم والإهانة وتقديم الخدمة والحرمان من الحقوق الشخصية، أمر لا يجب مناقشته أو الاعتراض عليه.. بل المطلوب منها الصمت والطاعة العمياء”.

وعن تداخل العنف الجسدي والنفسي من حيث أنّ العنف الجسدي يترك أثراً وتبعات نفسية، وكذلك عن نشوء وظهور آثار العنف النفسي بشكل آلام جسدية؛ تقول د. مارسيلينا حسن: “والمرأة المعنَّفة تظهر عليها اضطرابات واضحة في صحتها النفسية والجسدية تتلخص في الخوف والارتجاف وضيق النفس والصداع والإسهال وآلام أسفل الرأس، واستمرار العنف ضدّ النساء يؤدّي إلى الشعور بفقدانهنّ أهميتهنّ أو إدمانهنّ على المهدّئات وتطوّر الرغبة لديهنّ في إيذاء أنفسهنّ. كما تشعرن بأنهنّ مقهورات داخل أسرهنّ، وكبت هذه المشاعر لفترة من الزمن تتحوّل بلا وعي إلى معاناة جسدية تظهر بشكل أعراض جسمية (سيكوسوماتية)”.

وربما يعتبر دور المرأة هو الأكبر في محاولة الحدّ من هذا النوع النفسي:

ذلك أنّ السيطرة على العنف كظاهرة والموجّه ضدّ النساء خصوصاً، واجبٌ اجتماعي. ويكمن دور المرأة كمعنَّفة أو مشروع معنَّفة في بيئات تتساهل مع هذا العنف، بعدم القبول وعدم الصمت عن هذا العنف نتيجة صعوبة اتخاذ اجراءات رادعة، وكذلك بدورها كأم تربّي جيلاً مختلاً؛ غالباً ما ينتقل له هذا العنف بسبب عدم الاستقرار الأسري الذي يخلق نزعة للعنف داخل الطفل بسبب معايشته لأوضاع أسرية صعبة ومشاهدته لتعنيف أمه، وذلك بتربية الأبناء والبنات دون معاملة تمييزية أو تسليط الذكور على الإناث مسايرةً لقناعات المجتمع الذكوري الباطلة. وهذا لا يضع الضحية المعنَّفة كمسؤولة عن تعنيفها، بقدر أنه واجبٌ على المرأة عدم قبول هذا العنف بعد الآن بما ينتهك حقوقها كإنسان وكأم، وهذا لن يحدث مالم تصنّف النساء الإهانات والأذية النفسية كنوع من العنف غير المقبول من الشريك العاطفي أو الأسرة أو المجتمع عموماً، علماً أن جميع هذه الأطراف تعوّل عادةً على قهر المراة وصمتها، وعدم مجابهتها لسطوة الرجل في المجتمع.

لا للعنف ضدّ المرأة

لا للعنف ضدّ المرأة

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015