هل أن العنف الذي يمارس ضد الكائن الأضعف (المرأة), هو أسلوب تربوي تأديبي أخلاقي, يمارس كمنهج لهذه التوصيفات؟ أم هو عُرف اجتماعي يتعلق بقيم اجتماعية تعطي للمرأة منزلة دونية بخلاف الرجل؟
مركز الصحراء للدراسات والاستشارات- كان المنهج الهمجي العدواني ضد المرأة , كزوجة , أو تحت أي توصيف آخر لها, يمتاز بأنه كان الغالب منذ بدء الخليقة؛ الفكرة السائدة كانت مبنية على الفارق في مقاييس القوة والضعف, وبقيت رواسب هذا المنهج الهمجي العدواني عالقة في أذهان وسلوكيات البعض منّا في التعاطي والحياة وذلك على أرضية منهج العنف المضاد للآخر والفاقد للسماحة والرحمة.
على الرغم مما شهدته البشرية من تطورات الهائلة في الذهن والفعل الإنساني بما يلائم المدنية والتحضّر.. إلاّ أننا ما زلنا نشهد سيادة منهج العنف في تعاطي بني البشر وبالذات تجاه المرأة، كتوظيف مقيت ذلك الذي يوظّف مصاديق القوة لديه ليُحيلها إلى تجبّر وسيطرة من خلال العنف القسري المُمارس ضد الكائن الأضعف.
على الرغم من هذه النظرة السائدة, نجد أن الصحوة الفكرية للبشرية على نطاق الغرب, حاول ان يعيد النظر في تعاطيه مع المرأة, ولكنه مع الأسف (أي الغربيين) قد ذهبوا بعيدا في ذلك وتطرفوا, وحاولو أن يكسروا الفطرة السليمة التي فطر الله تعالى عليه المرأة, فحاولو أن يغيروا كل أشكال وأخلاق وتربية كانت تتلائم معها, وحاولو أن يزرعوا مكانها أخلاق هجينة تجعل المرأة تنزل للحضيض.
ولكن لا يمكننا ان ننكر بأن هناك صحوة في مسألة المرأة, خاصة وأن العنف الذي قد مارسه الرجال ضد المرأة خلال التأريخ, قد تحول إلى عرف اجتماعي راسخ وثابت, وأصبح ضرب المرأة وإمتهانها وتحقير شأنها الذي أكرمه الله, قد تحول إلى ثقافة لدى كثير من الشعوب, ومنها شعوبنا العربية والعراق منها بالأخص, إلا أن أخلاق ديننا القويم, قد حاربت هذا النوع من التسلط والإمتهان بحق المرأة , وأعطاها حقوقا كثيرة كزوجة وكأم كأخت.
وإذا حاولنا الأخذ بما جاء به الغرب من محاولات بناء منظومة تعمد إلى تطوير المرأة, أي أخذ الصالح من هذه المنظومة (وفي اغلبه يتعلق بقضايا حياتية معاصرة) , ودمجه مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية الغراء من حفظ وصيانة للمرأة وحقوقها, من كل النواحي, فإننا سنشهد حالة مثالية في التعاطي مع موضوعة العنف ضد المرأة.
إنَّ أي تحوّل جوهري في حياتنا لا يمكن الظفر به من خلال المناهج التقليدية التي لم تواكب تطور تفكير الإنسان وتعقيد احتياجاته، فكان لابد وأن نجهد لإستئصال كافة مكامن الإعاقة التي تشّل تطورنا وتقدمنا الشامل، وتأتي مشاريع تمكين المرأة كوجود ودور ورسالة وبما يُحررها من العنف على تنوع مصاديقه يأتي في طليعة المهام الواجب النهوض بها.
على كل فرد منا تقع مسؤولية مضاعفة لخلق ثقافة الرفق والرحمة في العلائق الإنسانية ومنها مفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة، لأن علينا وعلى مؤسساتنا التربوية تبني أساليب متنوعة تعتمد سياسة بنّاءة تجاه المرأة, وتحارب في الوقت نفسه ثقافة العنف المُمارس ضدها، فعلى سبيل المثال يجب الابتعاد عن الصورة النمطية المُعطاة للمرأة مجتمعيّاً, بأنها ذات عقلية دونية أو كيدية تآمرية أو قشرية غير جادة، كما يتطلب الأمر الابتعاد عن الثقافة التي تتعامل محتوياتها مع حل المشاكل الإنسانية والخلافات العائلية بالعنف والقسوة والقوة, والتركيز بدلا منها على حل المسائل الخلافية داخل المحيط الإنساني والأسري بالتفاهم والمنطق والأسلوب العلمي والأخلاقي الرفيع.
مجتمعنا العراقي, بما لديه من إرث حضاري, وعادات وتقاليد عربية أصيلة, وبما يتميز به من اتباعه لرموزه الدينية والأخلاقية, وبإنفتاحه على العالم وثقافاته المتنوعة, يجب أن تسعى النخب فيه والمفكرين والعلماء والمربين, إلى توظيف كل ذلك, من أجل خلق بيئة عالية من الأخلاق والثقافة والتمكين للمرأة العراقية.