خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- سقطت فجأةً.. منذ الصباح تشعر بِدوارٍ خفيف.. لكنها خرجت إلى السوق لتشتري ما تيّسر من موادٍ قابلة لتتحوّل إلى وجبةٍ لعائلتها.
أمسكت بها سيّدةٌ، لكنها عاوَدت السقوط؛ وغابت عن الوعي.. طلبوا سيّارة الإسعاف.. وفي المشفى قرّر الاطباء؛ وبعد صدور نتائج التحاليل الطبية، إصابتها بفقر دمٍ حاد وبنقصٍ كبيرٍ في مخزون الحديد.
ذكر الطبيب أمامها أسماء عدّة أصنافٍ من الخُضار والفواكه واللحوم والأجبان والحلويات؛ التي يحتاجها جسدها للتعافي، مع عدّة أصنافٍ من الأدوية اللازمة.
بصمتٍ مطبقٍ خبّأت الوصفة الطبية في جيب حقيبتها الصغيرة المهترئة.. هي عاجزةٌ تماماً عن شراء أي نوعٍ من الأدوية أو الأطعمة.. وبنفس الوقت تخافُ من حالة الغياب عن الوعي، لأنها قد تتسبّب بموتها أو بوقوعها في أحسن الأحوال.
يتلازم الخوف مع الفقر.. ويهربُ الفقراء إلى الأحلام التعجيزية غير القابلة للتطبيق.. وغالباً ما يتمنّون الموت في سرّهم.
في طريق عودتها؛ اشترت عدداً قليلاً من جُرَز السبانخ لصنع الفطائر، رغم أنّها ومن شدّة ضعف جسدِها لاتقوى حتى على عجن الفطائر.. وفاصَلَت البائع عن امكانية منحها أوراق الفجل مجاناً، لتتمكن من إعداد سلطةٍ تُساعد أطفالها أثناء بلعِ لُقيمات البرغل القاسية؛ لأنّه غير مَقْلي بالزيت، لعجز غالبية البشر عن شرائه.
كادت أن تغيب مرةً أخرى عن الوعي.. غادرت الحافلة طمعاً بهواءٍ مُنعشٍ ومتجدّد..
وصلت بيتها.. أعلمتها ابنتها الكبرى أنها صباح اليوم وفي أثناء الدوام المدرسي غابت عن الوعي أيضاً.. لم تركّز الأم سَمَعها مع كلام ابنتها.. كانت كلّ صباحٍ وهي تجدّل ضفيرة ابنتها؛ ترى مدى هُزال الطفلة وتزايد كميّة شعرِها
المُتَساقط بسبب سوء التغذية.
أُسقِط في يد الأم.. لاتريد تأكيد الإصابة الجماعية لكامل أفراد الأسرة بسوء التغذية.. لكنها الحقيقة..
قامت بتقطيع أوراق الفجل والسبانخ.. صنعت منها طبقَ سلطةٍ لتعزيز توافر وتوليد خِضاب الدم في جسد الطفلة.. مسَحَت على رأس ابنتها وقالت لها: “كلنا بالهوا سوا.. نحنا أحسن من غيرنا.. لأننا ببساطة نأكل وجبتين يومياً، ولا ندفع إيجار بيت.”.. أدارت وجهها لتخبّىء دموعها عن ابنتها العارفة بكل التفاصيل، لكن عجزها أكثر صعوبةً من عجز أُمّها.