المرأة السورية تجاوزت التنظيمات النسوية
أبرز معالم الحركة النسوية في سوريا/ 2012 منظمة (دولتي)

إيمان أحمد ونوس/ الحوار المتمدّن- لا شكّ أنّ الحركة النسوية السورية لها تاريخ طويل بدأ مع نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، أثمر عن تغييرات في المجتمع، حيث كانت هناك نساءٌ لعبن دوراً بارزاً في المجتمع، أمثال مريانا مرّاش عام 1870- لبيبة هاشم عام 1906- ماري عجمي التي كانت أوّل امرأة رفعت شعار المقاومة النسائية ضدّ العثمانيين وأصدرت أول صحيفة نسائية عام (1910).

وتابعت رائدات النضال الوطني تصديهن للظلم الذي فرضته السلطنة العثمانية، ومن بعدها الاحتلال الفرنسي وصولاً إلى الاستقلال ونشوء تنظيمات نسوية مدنية منتصف القرن الماضي، كرابطة النساء السوريات التي تشكّلت عام (1948) من أجل تعليم وتوعية المرأة بحقوقها المختلفة وأهمية حضورها العقلاني في تربية أطفالها، لأنها بالمحصلة تعمل على تربية المجتمع ككل.

بالتأكيد لم تكن هذه الرابطة تعمل وحيدة أو منفردة، بل كانت هناك تنظيماتٌ أخرى تجاريها في عملها ربّما لا يتسع المكان لذكرها جميعاً، ويكفي أن نتذكّر الاتحاد العام النسائي الذي نشأ عام (1967) كإحدى منظمات الدَّولة والمجتمع التي أسَّسها حزب البعث العربي الاشتراكي، والذي بقي حاضراً في الأذهان والعمل النسوي حتى صدور مرسوم حلّه في العام الماضي والذي لم يكن إيجابياً برأي الكثير من السوريين.

وما بين البدايات وزمننا الحاضر، رحلةٌ طويلة من العمل النسوي المضطرد على مختلف الجبهات التوعوية والتمكينية والحقوقية قادته تلك التنظيمات وانضمّت إليه العديد من الناشطات المستقلات، وكذلك بعض الناشطين من الرجال الذين آمنوا بحقّ المرأة في تقرير مصيرها ومشاركتها للرجل في الحقوق كما الواجبات.

ومع ظهور شبكات التواصل والإعلام الالكتروني انبثقت العديد من المواقع النسائية الرائدة التي ساهمت إلى حدٍّ كبير في زيادة الوعي والضغط من أجل الوصول بالمرأة إلى ما تستحقّه وعلى مختلف المستويات، منها على سبيل المثال لا الحصر: رفع سن الحضانة للأم، طلب تعديل قانوني الجنسية والأحوال الشخصية اللذين استحوذا لاحقاً على اهتمام السلطات العليا، حيث تمّ تشكيل لجنة مختصّة لتعديل كافة المواد والقوانين السورية التي تحمل تمييزاً ضدّ المرأة عام (2011) ولكن دون نتائج ملموسة حتى اليوم.

غير أنّه كان قد سبق هذا قيام شخصيات دينية متنفّذة وعلى منابر الجوامع بتخوين أولئك الناشطات والجمعيات، ممّا قاد إلى ضغطٍ أدى مثلاً إلى تجميد نشاط وعمل رابطة النساء السوريات منذ ما قبل الحرب الحالية، مقابل السماح لتنظيمات نسائية ذات طابع ديني بالعمل في أوساط الفتيات والنساء من أجل تحقيق أهداف مناهضة للتنظيمات المدنية، ممّا أدى بغالبية هذه التنظيمات للانكفاء على نفسها مكتفيةً بالعمل النظري- الحقوقي الذي لم يؤتِ أُكُلَه في ظلّ الواقع المأساوي الذي عاشته نساء سوريا في الحرب، والحاجة الماسّة للنساء المقهورات لما يكفيهن شرّ وذُلّ السؤال.

إنّ واقع الحرب فرض على المرأة منفردةً – وبعيداً عن كلّ ما ذكرناه أعلاه – خوض غمار مجالاتٍ أكثر مشقّةً وحساسية من كلّ أنشطة التنظيمات النسوية وأهدافها، فهي حين انتقلت من مكانٍ إلى آخر برفقة أبنائها كانت قد تصدّت وبشكلٍ مباشر لقانون الأحوال الشخصية الذي يقيّد تلك التحركات بدون إذن أو موافقة الزوج، وحين خاضت مجالات عملٍ مختلفة وجديدة عليها كان بعضها حكراً على الرجال ما قبل الحرب، فهي كذلك قد تصدّت لذات القانون الذي يعتبرها ناشزاً إن عملت دون إرادة زوجها. وإضافةً إلى هذا، فقد تجرّأت الكثيرات على الطلاق من أزواجهن الذين هجروهن لأسبابٍ متعدّدة، يُضاف إليهن أولئك النساء اللواتي تحرّرن من خوفهن وقيود الرجل حين لجأن إلى دولٍ أوربية تمنع قوانينها تعنيف المرأة، فطالبن بحريّتهن وحضانة أبنائهن بكل جرأة.

وكذلك، فإن غالبية الفتيات اللواتي خرجن من بلداتِهن المُحافظة أو المتشدّدة، خرجن أيضاً من شرنقة الكثير من العادات والتقاليد التي تغتال حضورهن كاللباس أو العمل أو التعليم، أو حتى في اختيار الزوج أو سن الزواج. وعلينا ألاّ ننسى أولئك الفتيات والنساء اللواتي تميّزن بأعمالهن أو دراستهن في المجتمعات التي لجأن إليها، حيث أبرزن وبلا أدنى خوف مهاراتهن وكشفن عن إبداعاتهن التي اغتالتها بيئاتهن التقليدية بإحكام قيودها عليهن عبر سلطة التشريع الديني والاجتماعي.

هنا، نتلمّس وبكل وضوح الفارق الكبير ما بين واقع هذه المرأة قبل الحرب وخلالها وبعدها، وبالتأكيد فهي قد حقّقت هذا بجهودها ونضالها وصبرها على ما ابتُلِيَت به خلال الحرب وحيدةً خالية الوفاض إلاّ من جرأتها واعتمادها على ذاتها للوصول، ولو بشكل عفوي وغير مُخطّط له إلى ما كانت تصبو إليه في أعماقها، لكنّ القيود الدينية والاجتماعية وحتى القانونية المفروضة سابقاً كانت العائق والمقيّد لتلك التطلّعات.

وهنا أيضاً، علينا أن نعترف أنّ ما وصلت إليه الفتيات والنساء لم يستند غالباً إلى نشاط وحضور أو فاعلية التنظيمات النسوية المدنيّة، بل إلى ظروف وواقع الحرب الذي فرض نفسه وبقوة على نساءٍ كنّ يمتلكن البذرة الأساس لهذا التغيير الذي تجاوز تلك التنظيمات مثلما تجاوز القوانين والتشريعات الدينية والاجتماعية، ممّا حدا بوزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد وخلال جلسةٍ لمجلس الشعب مطلع أيار الفائت، للتصريح بضرورة وأهمية تعديل مواد في قانون الأحوال الشخصية فيها إجحاف بحقوق المرأة للحفاظ على حقوقها، من دون استثناء، وهذا ما تمّ العمل عليه حسبما صرّح.

إن كل ما ذكرناه أعلاه، يُشرّع الأبواب المُغلقة على مصراعيها أمام الحركات النسوية السورية التي توارت خلف عجزها عن اللحاق بمسيرة المرأة في ظلّ الحرب، مكتفيةً بالمناظرات الحقوقية والتوعوية-التمكينية بلا سندٍ مادي يدعم حاجة النساء لرغيف الخبز والدواء أكثر من حاجتهن لتلك المناظرات، وذلك من أجل إعادة النظر في الآليات والأدوات المطلوبة اليوم للعمل في أوساط النساء من أجل أن تغدو هذه التغييرات الإيجابية مُتجذّرة في المجتمع السوري.

أبرز معالم الحركة النسوية في سوريا/ 2012 منظمة (دولتي)

أبرز معالم الحركة النسوية في سوريا/ 2012 منظمة (دولتي)

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015