موقع (أنا برس نت)- شاركت المرأة السورية في مراحل الثورة المتلاحقة وفي الفعاليات كافة، على رغم المشاكل والصعوبات المتعددة التي تعرضت لها، فبرزَ دورها في المجال السياسي وتقلّدت مناصب سياسية في المعارضة السورية وبعض الكيانات الأخرى.
ويُعتبر تحرّر المرأة ومشاركتها السياسية في المجتمع مقياساً لتحرّر ذلك المجتمع وانفتاحه، إلا أن تلك المشاركة سلاحٌ ذو حدّين، قد تُستخدم بالضدّ من مصلحتها الحقيقية، فتغدو مشاركتها شكلانيَّةً لا تخدم دورها وفعّاليَّته.
دخول المرأة في السياسة بشكلٍ واضح منذ بداية الثورة السورية في العام 2011 شكّل تحديّاً كبيراً للعادات والتقاليد التي حجّمت مشاركتها، ولما واجهته المرأة من أنواعٍ مختلفة من العنف والتعذيب خلال النزاع، إلا أنَّ ذلك العنف زادها إصراراً في السعي لإحداث تغييراتٍ وتعزيز دورها سياسياً، وفق مقالةٍ للكاتب جورج كتن بعنوان “المرأة السورية والثورة” في مجلة (طلعنا على الحرية).
واتفق محللون، استطلعت “أنا برس” آراؤهم، مع فكرة أنّ مشاركة المرأة في المجال السياسي وصُنع القرار كانت محدودةً جداً في أوساط الهيئات السياسية المُعارضة كالائتلاف والمجالس المحلية؛ على رغم اعتبارها المؤسسات الأكثر تقدّماً في أوساط المعارضة، ويكاد يكون تمثيلاً شكلياً أو نوعاً من الديكور لإظهار الائتلاف بوجهٍ حضاري أمام الجهات الداعمة.
ظهر مصطلح (النساء القياديات) في سوريا وتمّ تداوله بكثرة بعد عام 2011، مع دخول الكثير من المنظمات الدولية المدنية غير الحكومية إلى العمل، سواء في الداخل السوري أو في الدول المجاورة مثل لبنان والاردن وتركيا، لتدريب كوادر سورية في مواضيع عدّة ومتنوّعة من العدالة الانتقالية إلى السلم الاهلي إلى مفهوم المواطنة والتنوّع إلى جندرة الدستور، وذلك وفق ما نشره تقريرٌ لـ (شبكة المرأة السورية).
ومن أهم الموضوعات المطروحة موضوع التمكين السياسي للمرأة، إذ أُقيمت دوراتٌ كثيرة لتدريب نساءٍ سوريّات لكي يكنّ قياديّات ويعمَلن في مراكز صنع القرار مستقبلاً. ولكن هل كانت المرأة السورية خلال الثورة فعّالة في مراكز صنع القرار السياسي؟ وهل كان دورها مرتبطاً دائماً بالحاجة إليها؟ أم أنّ وجودها كان مرتبطاً بأجندات الداعم وما يسمى “الجندرة” و”الكوتا النسائية”؟
مشاركة محدودة
تقول ممثلة الائتلاف في هيئة التفاوض ربا حبوش: “قبل الثورة لم يكن النظام يميّز بين رجلٍ وامرأة، والجميع كان مقموعاً ولم يكن هناك أيّ هامشٍ للحرية أو الحراك السياسي أو حتى المدني، وكان النظام يستخدم الجميع كالديكور، بخاصةٍ النساء، إذ لم تصل المرأة بعد الثورة إلى مواقع قيادية كبيرة أو إلى صنع القرار”.
وتشير حبوش، في تصريحاتٍ خاصة لـ “أنا برس”، إلى أنّه مازلت مشاركة المرأة السورية في الحياة السياسية محدودةٌ، لكن الأمر ليس شكلياً، ووجود المرأة في مراكز صنع القرار هو حاجةٌ وطنية؛ فقد شاركت وانخرطت النساء في الثورة بكل جوانبها منذ اللحظة الأولى، وشاركت في المظاهرات والعمل المدني وحاولت أن تدخل المناصب السياسية وأصرّت على ذلك، كما أنها مثل الرجل اعتُقِلت وشُرّدت وعُذِبت واغتُصِبت.
وتؤكّد ممثلة الائتلاف في هيئة التفاوض، أنّ نسبة الإناث السوريّات الآن تصل إلى 54% وهي نسبةٌ عالية جداً، وتحتاج إلى تمثيلٍ سياسي يُوازي هذه النسبة؛ لأنّ المرأة في المجتمع السوري مثقّفة وواعية ومتعلّمة وقادرة على المشاركة في كلّ جوانب العملية السياسية والتفاوضية، وهي الأقدر على طرح مشاكل النساء والبحث عن حلولٍ لها.
وبحسب حبوش، فإنّ “حصول المرأة على المناصب القيادية للأسف دائماً كان مرتبطاً بالكوتا، وللأسف نُواجه الكثير من العقلية الذكوريّة، لكنّ السيدة السورية ورغم تمثيلها القليل في المناصب السياسيّة والقياديّة في أجسام المعارضة السورية إلا أنّها أثبتت جدارتها وقدرتها على صنع التغيير.”
وتضيف أنّه يجب دراسة التجارب المشابهة للثورة السورية لنرى أهمية دور المرأة في الانتقال السياسي والمفاوضات وعمليات السلام، منوّهة إلى أنّه بعد تحقيق الانتقال السياسي؛ سيكون للمرأة السورية دور كبير في كل المجالات السياسية وصنع الأمن والاستقرار، على حدّ تعبيرها.
مجتمع ذكوري
وترى المسؤولة في قسم التواصل في منظمة “النساء الآن”، لمى راجح، أنّ القرار السياسي اليوم في المعارضة لا يُصنع داخل الأجسام السياسية؛ وبالتالي عدم قدرة الرجال والنساء بصنع القرار، لأنّ الدول هي من تتحكّم بقرار هذه الأجسام، مما ينعكس على أداء كلا الجنسين سواء الرجال أوالنساء، وبالتالي فالفعّالية بشكلٍ عام مقيّدة لكثيرٍ من الاعتبارات التي يطول الشرح عنها.
وتشير راجح، في تصريحاتٍ خاصة لـ “أنا برس”، إلى أنّ المرأة السورية تحاول إيصال صوتها بأنّها موجودة، وتحاول المرأة جاهدةً لإثبات وجودها ودورها في أجسام المعارضة السياسية وفي صنع القرار ضمن الإمكانيات المتاحة لها ورغم الصعوبات التي تواجهها.
وتُردف: “نحن في مجتمعٍ شبه ذكوري مازال يرفض مشاركة النساء ويرفض النساء ضمن مجالٍ معيّن أو يعتبر أنّ النساء وجودهم غير صالح في هذا المكان.. كل ذلك أدّى إلى الحدّ من دور المرأة السوريّة”،ومع ذلك -كما تؤكّد راجح- مازالت النساء السوريات تناضلن للمشاركة في الحياة العامة والسياسية بشكلٍ خاص.
وبحسب راجح، فإنّ دور المرأة القيادي في الائتلاف يختلف عن دورها في هيئة التفاوض، والذي بدوره يختلف عن دورها في المجلس الاستشاري للنساء السوريّات، وبالتالي للحكم على فعّالية المرأة “يجب علينا معرفة الهدف من الأجسام التي ينتمون إليها، وبالتالي معرفة هل القائمين على هذه الأجسام من رجالٍ ونساء قادرين على الاستجابة لمطالب الشعب السوري من خلال هذه الهيئات التي تشكّلت”.
غياب التمثيل النسائي
وبدورها، تقول الناشطة النسوية نور السيد، إنّ حصول المرأة على المناصب كان دوماً مقيّداً وارتبط بـ “الكوتا” النسائية، كما هو حال المرأة السورية عموماً في أجسام المعارضة السياسية، المُمثّلة للثورة السورية.
وتشير السيد، في تصريحاتٍ خاصة لـ “أنا برس”، إلى أنّه “لاحظنا غياب تمثيل المرأة فيما يسمى مجالس محلية وفي غالبية الهيئات السياسية والمدنية التي انبثقت عن الثورة، ذلك أنّ هناك ضعفاً في مشاركة المرأة السورية في الحياة السياسية، وذلك لأسبابٍ منها، العادات والتقاليد، ونتيجة جمود المجتمع لعقود طويلة وإحجام المرأة السورية من قبل النظام السوري بمشاركة المرأة بالحياة العامة.”
ومن جانبٍ آخر، تتحدّث الباحثة في شؤون المرأة لمى قنوت في كتابها، “المشاركة السياسية للمرأة السورية بين المتن والهامش”، وتقول إنّ واقع العمل في هيئات المعارضة قد جعل نسبة حضور النساء العددي متواضع، والأهم أن فاعليتهم داخل هذه المؤسسات كانت شبه معدومة، وكان هناك تواطؤ ضمني على إقصائهن وعدم إعطائهن أدواراً فعّالة إلا ما ندر.
ووصول المرأة في مواقع مهمة كنيابة رئاسة الائتلاف، كما ترى قنوت، كان الموقع شكلياً دون تفعيل وفاعلية، وكان أحياناً ضحية مهاترة أو إساءة؛ لكونهنّ نساء وأنهنّ غير كفؤاتٍ لأدوار سياسية مهمة، مما أدى لبعض الانسحابات النسائية من اللجنة الاستشارية التابعة للهيئة العليا للمفاوضات.