أحمد مظهر سعدو/ جيرون- تساهم اليوم بعضُ المنظمات السورية في إعادة طرح مسألة قديمة/ جديدة، تتعلّق بكيفية إسهام المرأة السورية بعد الثورة، في تطوير العقل الجمعي، إذ يبدو أن هذه المسألة ما تزال إشكالية وشائكة، وتحتاج إلى كثير من الجهود لإعادة إنتاج وضع سوري للمرأة أكثر عدلًا وجرأة.
طرحت (جيرون) السؤال على بعض السيدات السوريات الناشطات والإعلاميات، حول رؤيتهن لإمكانية إسهام المرأة السورية، بعد الثورة وفي أثنائها، في العملية التغييرية الاجتماعية والسياسية، في محضر الحديث عن تطوير العقل الجمعي، وهل من معوقات كثيرة في هذا السياق؟
الصحافية فرح عمورة قالت: “لا شك في أن التحديات التي أفرزتها الثورة السورية ثورة الحرية والكرامة غيّرت النظرة النمطية إلى دور المرأة في بناء مجتمع تشاركي؛ فالعقل الجمعي أقوى ما يكون لإعطاء المجتمع هيبته. حيث عملت المرأة السورية بكل طاقاتها وقدراتها، لتواكب التغييرات والظروف الطارئة، فانخرطت في الأعمال التطوعية، وشاركت في الندوات والمؤتمرات بانطلاقة متجددة، في طريق دعم وتطوير العمل النسائي، وخطت خطوات نوعية في ميادين الأعمال الاستثمارية وسواها”.
أما الناشطة السياسية مرح بقاعي فقالت: “كان ربيع 2011 فصلاً مغايراً، وموعداً استثنائياً مع صناعة التاريخ في سورية، كان فصل الصحوة الباسقة والقيامة من اليباب. خرجت السوريّات معلِنات ثورتهن الماجدة، ثورة الحريّة والكرامة والعدالة الإنسانية، جنباً إلى جنب مع أقرانهِن الأحرار السوريين. صدح صوتهن في الساحات أن لا عودة إلى الاستبداد، وأن لا بديل عن الثورة إلا الثورة، وأن المرأة هي عبق ذاك الخروج الكبير ووردة دمه العالي. إلا أن المرأة التي شاركت بفعلٍ متّسِع في الثورة، ودفعت أثماناً باهظة، تشريداً وتنكيلاً ويتماً وثكلاً واعتقالاً وترمّلاً وشهادة، تقف اليوم، بعد أعوام من التضحيات المتّصلة، في موقع المرتَهن لتصنيفات راديكالية ترتدي عباءة الإسلام، وتهدف إلى تنفيذ أجندات سياسية مرتبطة بأطراف ظلامية ذات نهج عنفي، بينما كانت تتابع التقاط إشارات التغيير الحتمي التي وصلت محمولة على أجنحة ثورة الاتصالات والمعلوماتية، مهيّئة لأرضية الاتصال والتواصل بين أطراف هذه التجربة التحرّرية الاستثنائية في التاريخ الحديث، وكذا الربط بين ناشطاتها وناشطيها تفعيلاً لحراكهم الثوري العارم الذي كان يسير على وقع رسائل (فيسبوك) و(تويتر) العابرة للفضاء الأمني الثقيل. وعلى الرغم من المنعطف العسير الذي تمرّ به اليوم الحالة السورية، أمنياً وإنسانياً، وعلى الرغم من تهجير 3 ملايين سوريّة وسوري خارج البلاد، ونزوح 6 ملايين آخرين داخل الأراضي السورية، لا يسعُنا إلا أن نستمر في السير الصعب والثابت باتجاه سورية المحرّرة، إنساناً وأرضاً وسياسات”.
وأضافت: “الثورة لن تكتمل إلا إذا اقترنت ببرنامج حازم لتحرير الإنسان السوري، والمرأة أولاً، وعلى الصعد الاجتماعية كافة، وكذا مساواتها الدستورية والقانونية التامّة بالرجل في الحقوق والواجبات. وعليه فالدستور المستقبلي في سورية، ومجموعة القوانين التي ستنبثق عنه، يجب أن تؤكّد على حرية المرأة واحترام خصوصيتها وجسدها وعقلها وعواطفها، وتضمينها في القوانين والتشريعات كافة، وتمكين نفاذها عن طريق تفعيل الأدوات والمؤسسات الموازية، وإنشاء الروادع القانونية والعقابية، لكلّ من يستمر في الاعتداء على هذه الحقوق تحت أيّ مبرّر. كما يجب أن يشدّد الدستور المرتجى على حقّ المرأة في العمل السياسي، والشراكة في مواقع القرار العليا، بالترشّح وشغل أيّ منصب في الدولة، بما فيها منصب الرئاسة والوزارات السيادية، والمناصب القضائية في القضاء المدني والقضاء الدستوري”.
الصحافية ياسمينا البنشي أكّدت أنّ “تطوير العقل الاجتماعي يبدأ من خلال الرجل ذاته، فالمرأة دائماً مستعدة للعمل والتطوير، ولماذا لا تكون عبارة (وراء كل رجل عظيم امرأة) معكوسة!!! فالمرأة بحاجة إلى دعم النصف الآخر من المجتمع، لتكون قوية واثقة وفاعلة. أما عن إمكانية إسهام المرأة في العملية التغييرية الاجتماعية والسياسية، فبإمكاننا التركيز على قصص وتجارب نجاح لسيدات، تميّزن وأبدعن في مجالات عملهن واختصاصاتهن، وتسليط الضوء على مسألة أن النجاح ليس حكراً على الرجال”.
وأضافت: “يجب أن تُعطى النساء فرصة حقيقية لإثبات إمكاناتهن. نعم هناك معوقات في هذا السياق، تتركّز العادات والتقاليد القائمة في المجتمع الشرقي الذي يعتبر أن أسهل وسيلة لإقصاء سيدة تؤدّي دورها هو النيل من سمعتها، وهي القضية الأكثر حساسية بالنسبة إلى النساء، بينما لا تشكّل أيّ عائق بالنسبة إلى الرجل، وهذا ما نلمسه غالباً في المحافل السياسية التي قد تُعَرّض بعض الرجال للنقد الحاد، لكن من دون مبالاة”.
أما الكاتبة جيهان سيد عيسى، فقد قالت: “لقد شاركت المرأة السورية قي الثورة، مثلها مثل الرجل، شاركت في اندلاع شعلتها وفي كل مجرياتها، وتحمّلت أعباءها، وكانت ضحيتها وقربانها، وبذلك فاقت الرجل أشواطاً كثيرة، وبثباتها وتضحياتها، كانت سبباً لاستمرارية الثورة وثباتها، تلك الثورة التي لم تكن ثورةً على الاستبداد فقط، وإنما كانت ثورة مفاهيمية زلزلت الكثير من القيم والمفاهيم المجتمعية البالية المستقرة في العقل الجمعي السوري، ومن هذه المفاهيم وأهمها مفهوم المرأة وهتافها للحرية في ساحات التظاهرات، كان أول درجات الوعي لدورها ولنفسها وللقيود المفروضة عليها، وعندما وعت نفسها، استطاعت أن تمارس دورها الذي خُلقت له، واستطاعت تغيير نظرة الرجل نسبيًا إليها، واقول نسبيًا، لأنه ما زال هناك قصور وعجز، عند الرجل عمومًا، عن إمكانيته لمتابعة ما وصلت إليه المرأة من وعي لنفسها”.
وأضافت: “يحتاج التغيير إلى وقت، ولكن أهم خطواته بدأت بكسر المرأة لقيود الذهنية الشرقية المفروضة عليها، وقد انعكس ذلك على ممارستها لهذا الدور في بلاد اللجوء، إذ شغلت كافة المجالات العلمية والتعليمية والقيادة والريادة المجتمعية والسياسية والاقتصادية، وفرضت نفسها بقوة، وتحملت أعباء الحرب بثبات منقطع النظير، ويكفينا مقارنتها بالمرأة في مناطق النظام، لنعرف الأشواط الهائلة التي قطعتها المرأة السورية في ظلّ ثورتها، وما خرجت وضحّت لأجله من قيم”.
في الموضوع ذاته، قالت الصحافية لما راجح: “لا ننكر أن الثورة السورية كسرت كثيراً من التابوهات الاجتماعية، وأعطت المجال للمرأة للتتحرك، ولولا ذلك لما رأيناها تخرج بالتظاهرات في إدلب مثل الرجل، وهناك اليوم تبادل لأدوار الجندرة بين النساء والرجال، في كثير من العائلات التي اختفى منها الرجل أو دوره، نتيجة الاعتقال أو التهجير أو الاختفاء القسري، وهذا الأمر حمَّل مسؤولية مضاعفة للمرأة، فوجدت نفسها في أماكن عمل متفرقة، اقتصادية أو اجتماعية أو حتى سياسية، حيث بدأت تكتسب الوعي بأهمية كيانها ووجودها وحقوقها، وهذا انعكس على آلية التفكير بشكل عام، لكن من دون تعميم، إذ ما زال هناك اليوم، في المجتمعات المحلية السورية، عقولٌ ترفض خروج المرأة للعمل”.
وأضافت: “أيضًا ساهمت منظمات المجتمع المدني، بشكلٍ أو بآخر، في التوعية الاجتماعية، من خلال التأهيل والتدريب وورش العمل، فمجرد ذهاب المرأة في إدلب -مثلاً- إلى مركز التدريب هو نوع من كسر النمطية المفروضة عليها، أو الحصار المفروض عليها، وساهمت الورش التدريبية في إذكاء وعي النساء بحقوقهن، وهذا تبعه ضغوط على المجالس المحلية، لأن يكون فيها نساء على الرغم من الصعوبات والعقبات”.
وتابعت: “عندما أرادت المجالس المحلية والحكومة المؤقتة أن تُدخل النساء، وضعتهن في مكاتب أو لجان للمرأة، وحصروا دورهن في رعاية شؤون المرأة والطفل، وكأنهم يقولون إن النساء لا يستطعن أن يكنّ في مراكز صنع القرار، ونسعى -بصفتنا منظمات مجتمع مدني- لأن تكون النساء في لجان التخطيط والخدمات واللجان المالية، وأن تشغل المناصب الإدارية حتى رئاسة مجلس محلي، مثل ما حصل مع إيمان هاشم رئيسة مجلس مدينة حلب، أما في الائتلاف، وعندما وجدت المرأة نفسها ضمن جهات سياسية كالائتلاف؛ اضطرت إلى أن تُطوّر نفسها سياسياً وفكرياً، لكن الحالة السياسية التي تتحكّم في المعارضة تؤدّي إلى شلل دور النساء والرجال، على حدّ سواء”.