همبرفان كوسه/ روك اونلاين- رغم أنّ الصورة العامة لواقع المرأة الكردية تظهر تقدماً واضحاً في شتى المجالات، ومنها عملها في المؤسسات الإعلامية، مقارنةً مع واقعها سابقاً، وحتى مقارنة مع واقع المرأة السورية في الداخل، إلا أنّ وجود القيود المجتمعية كالعادات والتقاليد، إلى جانب الذكورية، تبقى عائقاً مستمراً أمام وصولها إلى التحرر الكامل.
«في الحقيقة لم أتعرض لأيَّ مضايقات جنسية خلال عملي الصحفي، ولكن تعرضت للعنف النفسي في بداية عملي من قبل إحدى المؤسسات التي تدعي أنّها إعلامية، بسبب التهافت على المناصب القيادية والفساد الإداري والمالي ضمنها». تقول روناك شيخي، مراسلة قناة أخبار الآن في سوريا.
ما يجري فعلياً على أرض الواقع هو أنّ المؤسسات الإعلامية لا تقوم على إشراك المرأة بشكل فعليّ في العمل الإعلامي، وإنّما يجري الأمر بشكل انتقائي جداً، حيث من الممكن كثيراً أن تصادف عدداً من الاستقالات التي قدمتها النساء في أكثر من مؤسسة إعلامية دونَ أن يتم الإعلان عن أسبابها، وجلّهن ينتقلن للعمل في مؤسسات إعلامية أخرى، أحياناً براتب أقل ومنصب وظيفي أدنى. وكما هو واضح، فإنّ أغلب المؤسسات الإعلامية المحلية الموجودة في منطقة الجزيرة، وفي مناطق سيطرة الإدارة الذاتية ككل، تُدار من قبل رجال، حتى أن أغلب المؤسسات الإعلامية الإقليمية والدولية تقوم بتعيين مراسلين ذكور لها في المنطقة، ويقتصر دور المرأة غالباً في مظاهر إعلامية، كمقدمة لبرنامج تلفزيوني أو في العلاقات العامة، وتكون الصورة قريبة إلى استغلال المرأة كواجهة إعلامية فقط.
توظيف المرأة كواجهة تجميلية
لو قمنا بتعداد المناصب الإعلامية التي استلمتها المرأة الكردية في سوريا من عام 2011 إلى عام 2017، سنجد أن الرقم لا يتجاوز أصابع اليدين، إن لم يكن أقل، سواءٌ أكانت بصفة مديرة لمركز إعلامي أو قناة تلفزيونية أو إذاعة محلية، ولا حتى بصفة رئيسة تحرير أو مديرة مكتب فرعي لأيَّ مؤسسة إعلامية كردية محلية أو إقليمية ودولية تعمل في المنطقة الكردية، وأغلب الحالات التي تم فيها تعيين المرأة كمديرة أو بمنصب قيادي رفيع، كان إما ناجماً عن ظرف استثنائي، أو لأنّ المؤسسة الإعلامية تكون بكامل كوادرها من النساء، وموجهة للنساء كإذاعة جين التي تبث من مدينة عامودا بمحافظة الحسكة.
عن ذلك يقول سيروان حاج بركو، وهو المدير التنفيذي في مؤسسة آرتا للإعلام والتنمية، والتي تبث من مدينة عامودا بمحافظة الحسكة، إنّه «ثمة شيء من الصحة في ذلك، حتى وإن كان الأمر غير مقصود. بمعنى أن الكثير من النساء يُوظفن فقط كوجوه وأصوات ‹جميلة› على الشاشة أو الراديو، وليس على أساس كفاءاتهن الإعلامية. وذلك طبعاً نتيجة للصور والأدوار النمطية للمرأة في المجتمعات الذكورية».
ويقّر عمر كوجري، وهو رئيس تحرير صحيفة كردستان، أيضاً بحقيقة استخدام المرأة كواجهة إعلامية في أغلب المؤسسات الإعلامية، ويقول: «ربما ينطبق هذا الكلام على واقع إعلامنا الشرقي، ففي الإعلام الكردي قد نرى أنّ المرأة وضعت في مكان معين وخطر ومهم، دونَ أن يكون لها المراسة والفراسة والخبرة الإعلامية، وقد وضعت كديكور. وللأسف، الكثير من النساء في هذا المجال يرضين بهذا الاستخدام». إلا أنه يضيف قائلاً: «رغم كثرة المؤسسات الإعلامية الكردية نسبياً، إلا أن هذه الصفة غير كاسحة ولا متفاعلة جداً، ويمكن العثور على ‹بعض هذه النماذج›، ولكن لا يمكن الركون للعموم المطلق هنا»، مؤكداً على أنّ المرأة يجب ألا تقبل باستخدامها كواجهة إعلامية ذات شخصية هشة وهامشية.
وتبّين روناك شيخي أنّ «المؤسسة الإعلامية التي تحترم العمل الصحفي، سواء أكانت كردية أو غيرها، لا تلجأ إلى استخدام المرأة كواجهة إعلامية، لأنّ المرأة استطاعت أن تثبت نفسها في المجال الإعلامي كمذيعة أو مراسلة، ومتابعو العمل الإعلامي يجدون أسماء تمكنت في فترة وجيزة أن يصيروا لامعين في الوسط الصحفي الكردي».
العادات والتقاليد… عائقٌ إضافي أم حجة؟
رغم المحاولات الكثيرة لإزالة العقبات من أمام ممارسة المرأة للشأن العام في المنطقة الكردية في سوريا، إلّا أنّ العادات والتقاليد تقف عائقاً، بشكلٍ أو بآخر، أمام تقدم المرأة في المجالات العامة، ومنها العمل الإعلامي، خاصةً مع اعتبار أن عدداً جيداً من النساء يعتقدن أن هذه التقاليد تراث وموروث ثقافي يجب الحفاظ عليه وعدم الخروج عنه، وهي جزءٌ من الثقافة التي لازمت المرأة منذ عقود في المنطقة. وتؤدي هذه العادات إلى فرض قيود جمّة أمام المرأة في العمل، وإن عملت تكون تحت رحمة الرجل الذي يدير أغلب مفاصل الحياة الإعلامية في الجزيرة.
وعن ذلك تقول روناك شيخي «حتى نكون صريحين، المرأة في مجتمعنا لا تجد في نفسها مؤهلات القيادة، وخاصة في المؤسسات الإعلامية، ولكن هذا لا يمنع من (رؤية) أنّ هناك بعض النساء اللواتي حاولن قيادة بعض المؤسسات الإعلامية، إلا أن المجتمع لم يمنحهن هذه الفرصة».
بالمقابل، توضح شيخي أنّ العادات والتقاليد المجتمعية السائدة لم تؤثر على عملها أبداً، «على العكس، تلقيت كل الدعم من أسرتي ومحيطي العائلي، ودائماً يشعروني أنّهم فخورون بعملي كصحفية غطت الحروب وحققت الكثير من التقدم في عملها».
ويؤكّد حاج بركو، أنّ للعادات والتقاليد دوراً في تحجيم دور المرأة في المؤسسات الإعلامية، كما أن «هناك الكثير من النساء اللاتي لا يرغبن، أو لا يرغب أهلهن، أن يعملن في الإعلام بسبب الصور النمطية المغلوطة عن النساء اللواتي يعملن في هذه المهنة، والتي تشبه إلى حد كبير الصور النمطية عن الفنانات».
ضعف التنوع الجندري في العمل الإداري
من أصل 21 إعلامياً يعملون في إذاعة آرتا، هناك 9 نساء، بين مراسلات ومعدّات ومقدّمات برامج (أي بنسبة 43%). لكن الكثير من الوظائف الفنية والإدارية ما زالت وظائف «ذكورية» إلى حدّ كبير. كما توجد بعض الزميلات اللواتي يشغلن وظائف «قيادية»، مثل مديرة إذاعة جين مثلاً، بحسب القائمين على الإذاعة. بالمقابل يملك القسم الكردي من وكالة قاسيون ثمانية موظفين، أربع منهم نساء، وإحداهنَّ تُدير مكتب روجآفا في الداخل، أي أنّ نسبة النساء في القسم 50%، وفي الإدارة 50%. وتملك مؤسسة buyer الإعلامية 28 موظفاً، 12 نساء، و16 رجال، ويستلم الرجل في المؤسسة مناصب مدير المؤسسة، والمدير التنفيذي، والمدير العام للإذاعة، ورئاسة التحرير.
وعن ذلك يؤكد سير الدين يوسف، وهو المدير العام لإذاعة بوير، أنّ الصدفة «شاءت أن يكونَ جميع المدراء في مؤسسة بوير الإعلامية من الذكور، ولم يكن الأمر متقصداً، فضلاً عن أنّنا يجب ألا نغفل حقيقةً مفادها قلة الكادر النسائي في إدارة المؤسسات الإعلامية في روجآفا – كردستان بشكلٍ عام».
ويشرح حاج بركو أسباب إدارة الرجال لأغلب المؤسسات الإعلامية بالقول: «هناك أسباب بنيوية لها علاقة بالمجتمعات الذكورية والأدوار النمطية التي تلعبها النساء والرجال في هذه المجتمعات. فرغم التغيرات التي شهدتها وتشهدها منطقتنا فيما يتعلق بدور المرأة في المجتمع ومجالات الحياة المختلفة، ما زالت المرأة تعاني إلى حد كبير من التمييز والحرمان مقارنة بالرجل فيما يتعلق بالتعليم والعمل والتجربة العملية، وكذلك في المسؤوليات والتوقعات التي يفرضها عليها المجتمع منذ الصغر».
وبحسب بركو، فإنّ ذلك يؤثر على وجود رجال أكثر، أو أكثر كفاءة، في مواقع قيادية أو إدارية، حتى لو كانت هناك سياسة مساواة بين الرجل والمرأة. «بتعبير آخر، ما زالت هناك مشكلة كبيرة في مجتمعنا فيما يتعلق بالمساواة في الفرص والكفاءات بين الرجل والمرأة لها علاقة بالأدوار النمطية للجنسين في المجتمع، وذلك ينعكس على الإعلام كما ينعكس على أي مؤسسة أخرى».
ولا تعتقد آريا حاجي، وهي مراسلة لوكالة قاسيون للأنباء، أنّ ضعف التنوع الجندري يقف عائقاً أمام عمل المرأة، فهي تؤمن أنّ «جدارة المرأة في الوصول إلى مناصب إدارية وقيادية مرتبطة بثقتها بنفسها، إضافةً لدور المجتمع في تشجيعها على تطوير ذاتها وعملها، كون الإعلام يبقى مرآة تعكس ما يحدث في المجتمع، سواء كان من ينقله امرأة أو رجل. الإدارة تحتاج إلى مسؤولية كبيرة وجهد كبير، ولا أجدُها مشكلة كبيرة إذا استلم الرجل أو المرأة مناصب إدارية، لأنّ وسطنا الصحفي تجدُ فيه قلة قليلة مؤمنة بجدارتها في استلام مناصب إدارية بالوسائل الإعلامية».
هل استطاعت المرأة الكردية إثبات نفسها في الإعلام؟
ورغم كلّ الحديث عن واقع المرأة في المؤسسات الإعلامية، إلا أن فرصة الإعلامية الكردية في الحصول على منصبٍ إداري داخل المؤسسة الإعلامية تكون ضئيلةً جداً بالمقارنة مع فرصة الإعلامي في الحصول عليها، وهذا الأمر لا يعني أنّ المرأة لا تملك إمكانيةً علميةً وعملية تؤهلها لقيادة مؤسسةٍ إعلامية، أو أنّها لا تملك الكفاءة الكافية لإثبات نفسها، وإنّما يعود إلى العقلية الذكورية التي سيطرت على أغلب المؤسسات الإعلامية، أو التحجج بالعمل وضغطه.
وحول ذلك يقول يوسف إنّ «العمل الإعلامي شاقٌّ وصعب، ومن الطبيعي أن يتكيفّ الصحفي مع ظروف عمله الذي يحتاج أحياناً، وخاصةً في الظروف الاستثنائية، العمل طيلة النهار، وفي ظل مجتمعٍ محافظ ربما يعيبون على المرأة العمل في هكذا ظروف، وهذا الأمر لا ينتقص من أن المرأة غير قادرة على تحمّل أعباء مهنة المصاعب والمشقات».
ولكوجري رأي مغاير، إذ يعتقد أنّ «مشكلة الإعلام الكردي في سوريا بصورةٍ عامة هو أنه ليس متجذراً وعميقاً حتى نتحدث عن حالة إثبات الذات مهنياً، فحتى العام 2011 لا نستطيع التحدث عن إعلام كردي حقيقي في كردستان سوريا، ولا يمكن تصنيف مجلة فصلية أو منشورات الأحزاب في خانة الإعلام، وأعني على المستوى المهني كما كان الإعلام في جنوبي كردستان، أو إلى حد مقبول في شمالي كردستان».
مضيفاً في الوقت ذاته أنّ الإعلام الكردي لم يشهد أسماءاً نسوية لامعة خلال ما يقارب السبع سنوات «فالكثيرات ممن حضرن دورةً إعلامية أو دورتين لـ ‹إعلامي مغمور›، صرن فيها مذيعاتٍ ومحرراتِ أخبار ومسؤولاتٍ في الصحف المُمّولة عبر هذه المنظمات الدولية أو بعض السفارات، لهذ يمكن القول إن المرأة الكردية في كردستان سوريا لم تستطع إثبات ذاتها على صعيد الإعلام».
وتخالفه الرأي آريا حاجي، إذ تقول: «بكلّ تأكيد، المرأة تشغل الآن حيزاً مهماً في العمل الصحفي، وهي تشغل وظائف كثيرة كمقدمة للبرامج إذاعياً وتلفزيونياً، حتى مراسلةً في تغطية المعارك ضد تنظيم داعش، وأثبتت نفسها بجدارة. أنا الآن مراسلة لوكالة أنباء سورية، وأحاول قدر الإمكان أنّ أملِك دوراً هاماً في إيصال صوت الناس ومعاناتهم، دون أن أخلقَ أيَّ حاجز يمنعني من متابعة عملي».