“لماذا لم يكن هنالك رسامةٌ عظيمة تضاهي مايكل انجليو أو ليوناردو دافنشي في القرون السابقة؟” هذا ما سألته ليندا لينكن (أستاذ برفسور في الفن الحديث) .. إذاً #هل_الفن_رجل؟ معظم ما سنراه من اعمال فنية في المتاحف العريقة سيجعلنا نعتقد ذلك لانه وببساطة الفوراق حسب الجنس في الفن كانت هائلة.
فهل النساء لم يكنّ يرسمن او ينحتن على الإطلاق ؟ وهل هن في درجةٍ أقل منزلة من الرسامين الذكور لكي لايتم تعليق لوحاتهن على الحائط؟
غياب مظاهر الاحتفال بالاعمال النسائية في البانتيون الإيطالية يتعارض مع النجاح النسبي للنساء في الأدب ولكن متطلبات العمل في الكتابة قد تكون أسهل بكثير مما قد تتطلبه خلق الأعمال الفنية فكل ماتحتاجه للكتابة هو فكرة وقدرة كتابية وقلم وورقة؛ أما الرسم فقد يتطلب تدريباً قاسياً, وقدرةً مادية. وفي ذلك الوقت عانى الفن من بنية تحتية شديدة الرقابة بالإضافة إلى التحرّشات التي لاتنفك وحظر التدريب الرسمي على النساء, فالقيود المفروضة على تجارة الفن النسائي أدت إلى إعاقة حضور الفنانة المرأة ودفن إمكانياتها.
قامت الباحثات النسويات في عام 1989 بإكتشاف أنّ 5% من أعمال الفن في متحف الميتروبوليتان في نيويورك هي أعمالٌ لنساء، بينما 85% من اللوحات لرجال؛ وأغلبها ترتكز على تصوير النساء العاريات، ومن الممكن أن نرى عمل أو عملين في كل معرض يعود رسمها لإمرأة ولكننا قد نحتاج ساعات للبحث عنها وإيجادها.بعض الأعمال كعمل جوديث ليستر (Proposition 1621 ) وكارلا بيتر (Still life with cheeses ) وحتى التحفة الفنية لآرتيمسيا جنتيلشي (Judith beheading Holofernes1620)، والتي تمّ عرضها في المتحف الأوفيزي منذ عام 2000، تمّ وضعها في زاوية مظلمة لأن هذه (اللوحة الدموية) حسب إدعاء ملاك المعرض زيتية جداً للعرض.
لوحاتٍ عظيمة من قبل أشهر الفنانين تمتد لمسافة كيلومتر في ذات المعرض اصطفت بتدريج زمني تصاعدي امتدت من القرن ال16 فما فوق، من بين 1700 لوحة ذاتية 7% فقط رسمت بواسطة نساء .
آرتيمسيا جنتيلشي 1543-165
التي عانت الامرين لتغدو رسامة معترف بها وتملك ورشة عمل ومعرض فني. ففي صباها عملت آرتيمسيا مع أبيها أورازيو في معرضه حيث تعلمت أساليب الرسم لتتعرض لإغتصاب عام 1611 من قبل أحد العاملين في المعرض، ولتضطر لاحقاً للزواج من الجاني كطريقةٍ للتكفير عن خطأه وكوسيلةٍ لقصر اللطخة السوداء التي أشعرها المجتمع به آنذاك.
ولكن زوجها أرسلها لاحقاً لأحد نبلاء المدينة لتصبح مرافقةً له، وليتمّ اعتبارها لاحقاً فنانة صاحبة معرض تعمل في فلورانس ونابلس وروما. وبالرغم من تعرض معرضها للكثير من الديون والرفض والنزاعات الطويلة إلا أن ذلك لم يعطّل تدفق لوحاتها.
ويمكن أن يتطابق فنّها مع الفن الرجالي الإصلاحي، إلّا أنها قامت بتوظيف فنها لإظهار معاناة النساء, حيث قامت برسم نفس شخصيات لوحات أبيها اوزاريو بأسلوبها الخاص. ولكنها اتهمت بنقد لاذع لإظهار حيازة الرجل لجسد المرأة.
وفي لوحتها حيث سيشعر المشاهد العنف الذي يمارس ضد المرأة والذي كان واضحاً في لوحة (سوزانا والحكماء 1610) عندما تكون المرأة الراعية ضحيةً لمؤامرة رجلين مسنين ليتهماها لاحقاً بالزنا مالم توافق على مضاجعتهم. يبدو في اللوحة جسدها القوي والملتوي والذي تمت تعريته علناً، وفي نفس الوقت سنلاحظ الرعب والخوف يملأ عيني سوزانا ويداها المرفوعتان لغرض المقاومة. وبالمقارنة مع نسخة (تيندتوريتو) حيث تكون في اللوحة سوزانا تعرف بأنه يتم مراقبتها لتعرض عريها الأبيض في أداءٍ ناعم لتصبح البطلة ذريعةً للإثارة الجنسية كما لو أن المرأة في اللوحة متواطئةً في إخضاعها.
ماريتا تينتوريتو
عملت ماريتا تينتوريتو جنباً إلى جنب بجوار والدها في البندقية. كما عملت باربرا لونغهي بجانب شقيقها ليكون عملها مكوناً حيوياً لاقتصاد الأسرة وغير معترفٍ بها خارج ورشة العمل.
وكذلك انتجت بولونيز إليزابيتا سيراني أكثر من 200 عمل فني في مدةٍ تقرب من 13 عاماً، وحصدت إشادة دولية لفنها الديني. حيث قامت بتشغيل ورشة عمل العائلة و احتضنت شقيقاتها ودعمت والدها واستطاعت إنشاء مدرسةٍ لتعليم الفن للفتيات؛ إلّا أن سرعة إنجازها الفني والطلاقة في أعمالها هو ما جعلها تُتَّهم بشكل واضح بانها لايمكن أن تُنشيء ولوحدها هكذا أعمال، ولابد أن رجلاً قد ساعدها، ولكن تمّ دحض هذه الإتهامات بعد أن قامت الرسامة بالرسم الحي أمام القضاة والشهود.
ولأن الرسامين والنحاتين كانوا يعتبرون مثل الحرفيين الذين يعملون في ورش العمل العائلية، كالخياطين وصانعي الاقفال والصائغون فالفن كان تجارة آنذاك. وهنالك اعتقاد عميق بالاستحالة العبقرية للمرأة في خلق الاعمال الفنية، فالعديد من اللوحات المشرقة للرسامة جديث ليستر والتي تحتفل بالحياة الاجتماعية في العصر الذهبي الهولندي كانت مبهرةً جداً لتُنسب إلى فرانس هالس بالرغم من توقيعها الشخصي على اللوحات.
أكثر من 1500 عمل لنساء وُضِعت وكُدست في مخازن المعارض في فلورنسا لمدة قرون، ولكن السؤال هل هذه الاعمال على مستوى عالٍ من الحرفية؟
لم ولن نعرف الجواب مالم ترى هذه الاعمال ضوء الشمس.
ويبدو أن صالات العرض تؤيّد ضمناً وجهة النظر الذكورية التي يتجسّد فيها تأكيد براين سويل بأن “الرجال فقط قادرون على صنع العظمة الفنية”.
ليس القصد هنا أن نكتشف مايكل آنجلو النسائية، ولكن ليس من المنطق عرض والنظر إلى لوحاتٍ في قرون سبقت بعيونٍ ذكورية؛ وهذا مايجب فعله.. يجب نبش هذه اللوحات المدفونة في المخازن وإعادة تقييمها وعرضها.
ومما لاشك فيه بأن مخلوقاً واهباً للحياة كالمرأة، مليئةٌ بالأحاسيس والحب والشغف، وتستطيع توظيف كل هذا بذكاءٍ تام ومهارة لخلق إبداعٍ بصري قد يروي لنا تاريخاً كاملاً كنا قد جهلناه.. بينما كنا ندرس تاريخ وأساطير رُويت بعيون رجل.
ترجمة “موقع النسوية” لمقالة منشورة في صحيفة “الغارديان” عام 2014